تصاعد التوتر على الحدود الأفغانية الباكستانية، منذ أيام، قبل أن يسود هدوء حذر نتيجة توصل كابول وإسلام أباد إلى اتفاق يقضي بإعادة فتح الحدود بعد مواجهات دامية بين الطرفين. وكانت الحدود الأفغانية الباكستانية، قد شهدت، منذ أيام، على نقطة طورخم الحدودية تحديداً، مواجهات شرسة بين الجيشين الأفغاني والباكستاني، بدأت لسبع ساعات متتالية ليل الأحد ـ الاثنين الماضي، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من جنود الجيشين. كما نقل الطرفان تعزيزات جديدة إلى الحدود، وأعلنت القبائل الأفغانية المتاخمة على الحدود جاهزيتها لخوض المعركة. لكن قائد القوات الحدودية الأفغانية، اللواء حسين خيل، أكد أن القوات المسلحة لا تحتاج إلى دعم القبائل، وأنها قادرة على مواجهة ما وصفه بـ"العدوان"، مشيراً إلى أن "القوات المسلّحة تلقت أوامر صريحة بالردّ بالمثل".
الرواية الأفغانية للحادث، الأخطر في العلاقات بين الجارتين، تفيد بأن الجانب الباكستاني هو من بدأ بإطلاق النار على القوات الأفغانية، بعد أن تصدّت الأخيرة لمحاولة الأولى نصب بوابة رئيسية على الحدود. وهو أمر تعارضه أفغانستان كونه الخط الفاصل بين الدولتين ومتنازعاً عليه. ولكن الرواية الباكستانية معاكسة تماماً؛ فبحسب مكتب العلاقات العامة في الجيش الباكستاني، فإن "القوات الأفغانية بدأت بإطلاق النار على الجانب الباكستاني بصورة عشوائية ومن دون أي مبرر، وأدى الحادث إلى إصابة جندي باكستاني فقط". كما لفت وزير الدفاع الباكستاني، خواجة أصف، إلى أن "القوات الباكستانية تعاملت مع الحادث بصورة حكيمة وردت بالمثل، وأن جميع محاولات بلاده عسكرياً على الحدود تهدف إلى قطع الطريق على عناصر الجماعات المسلحة التي تنشط في البلدين".
ولا تُعتبر هذه الاشتباكات الأولى من نوعها بين البلدين، ولكن المناوشات الأخيرة التي توقفت، وفق تصريحات عبد الله عبد الله، بطلب باكستاني كانت الأعنف، كونها المرة الأولى التي تعبر فيها القوات الأفغانية الحدود للسيطرة على مواقع باكستانية، كما تدّعي القبائل.
بغضّ النظر عن الادّعاءات وتبادل الاتهامات، وحجم المأساة التي تواجهها القبائل المتاخمة على الحدود إثر التوتر، يبدو أن لتلك الأحداث أسباباً سياسية وأخرى اقتصادية، وأن كل طرف يحاول أن يستخدم الحدود والقبائل المتاخمة عليها كورقة ضغط على الجانب الثاني.
أما باكستان، فيبدو أنها مستاءة إزاء التطورات الأخيرة في المنطقة، ومن أبرزها الاتفاقية بين الهند وإيران وأفغانستان، على ميناء تشاربهار الإيراني، الذي يربط أفغانستان بالبحر، ويربط الهند وإيران بدول آسيا الوسطى عبر أفغانستان. إضافة إلى تدشين الهند جسراً سلمياً في غرب أفغانستان، وإعلانها المساهمة في مزيد من المشاريع التنموية هناك، ومساعدتها للقوات المسلحة الأفغانية عسكرياً.
كل تلك التطورات، بالإضافة إلى مقتل زعيم "حركة طالبان" على الأراضي الباكستانية قبل نحو شهر، تسبّبت في استخدام باكستان ورقة اللاجئين الأفغان، وتشديد الإجراءات على الحدود أكثر من السابق كي تمارس الضغط على الحكومة الأفغانية، مع العلم بأن الجانب الأفغاني لا يقبل قيام باكستان ببناء وتصميم أي نوع من المباني على الحدود، في إشارة إلى خط "ديورند" (خط حدودي يبلغ طوله 2.640 كيلومتراً، يمتد بين أفغانستان وباكستان، وُضع في عام 1893). ومنذ مطلع الشهر الحالي، أغلقت السلطات الباكستانية جميع المنافذ الحدودية مع أفغانستان، ولم تعد تسمح للأفغان بعبور الحدود إلا بأوراق رسمية (جواز سفر وتأشيرة). لكن مسؤولين محليين أكدوا أول من أمس السبت، أن المعبر الرئيسي على حدود أفغانستان المتنازع عليها مع باكستان، أعيد فتحه بعدما توصلت كابول وإسلام أباد إلى اتفاق بهذا الخصوص. وقال المتحدث باسم حاكم إقليم ننكرهار الأفغاني عطاء الله خوجياني إن "إعادة فتح المعبر أتت بعد مفاوضات على المستوى المركزي والمحلي".
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي الأفغاني، الخبير القانوني روح الأمين حسن، أن "السلطات الباكستانية فعلت ذلك لممارسة الضغط على الحكومة الأفغانية، بعد أن وقّعت الأخيرة اتفاقية مع الهند وإيران بشأن ميناء تشاربهار الإيراني، الذي أتى على حساب ميناء غوادر الباكستاني، والذي سيوطّد علاقات أفغانستان بكل من الهند وإيران، اللتين سترتبطان بدول آسيا الوسطى. ولا شك في أن تعزيز العلاقات بين الهند وأفغانستان وإيران (جيران باكستان الثلاثة) سيدفع إسلام أباد نحو التقوقع".
وعلى الرغم من التنديد والاستنكار الشديدين في باكستان لما حدث على الحدود، والذي يعتبرونه انتهاكاً من قبل الجانب الأفغاني، يوجه الخبراء الباكستانيون انتقادات شديدة لسياسة باكستان الأخيرة، في الأحداث المهمة التي شهدتها المنطقة عموماً، والمتعلقة بأفغانستان والهند وباكستان على وجه الخصوص.
في هذا الإطار، يقول المحلل السياسي الباكستاني، الإعلامي المخضرم كامران خان، في برنامج له على قناة "دنيا" المحلية، إن "الرئيس الأفغاني أشرف غني حاول كثيراً أن يتقرب من باكستان بعد أن تولّى السلطة، من دون جدوى، لينحاز إلى الهند نتيجة لذلك". بالتالي يلقي خان باللائمة على واضعي السياسات الخارجية في باكستان.
كما تفيد التصريحات الأخيرة للمسؤولين الهنود والأفغان بأن الهند وأفغانستان فتحتا باباً جديداً من العلاقات بين الدولتين، وأن إيران بالرغم من علاقاتها مع "طالبان"، ترغب في تحسين علاقاتها مع أفغانستان، لا سيما في ما يتعلق بالمجال التجاري. ومعروف منذ فترة أن الهند وإيران تتنافسان مع باكستان لإحكام القبضة على أسواق أفغانستان التي تستورد معظم احتياجاتها من دول الجوار".
في هذا الصدد، قال الرئيس الأفغاني، عند تدشين جسر سلمي (جسر الصداقة بين الهند وأفغانستان)، صممته الهند في إقليم هرات غربي البلاد الأسبوع الماضي، إن "بلاده تُقدّر جهود صديقتها الهند، التي تساهم في أعمال الإغاثة وبالنية التحتية ولا تصدّر الإرهاب كما تفعله بعض دول الجوار". كما شدد رئيس الوزراء الهندي، نريدرا مودي، الذي شارك في مراسم تدشين الجسر، على أن "الهند حكومة وشعباً ستقف مع أفغانستان في السراء والضراء".
لا يزال التوتر قائماً على الحدود، والحدود مغلقة تماماً في وجه المواطنين والقوات الأفغانية والباكستانية لا تزال متحصنة في الخنادق وجهاً لوجه. كما أن السلطات الباكستانية أعلنت حظر التجوال في المناطق القريبة من الحدود، غير أن ثمة محاولات في البلدين لحلحلة القضية. من بين تلك المحاولات المكالمات الهاتفية بين السفير الأفغاني لدى إسلام أباد، مندوب الرئيس الأفغاني الخاص لدى باكستان، عمر زاخيلوال، وبين المسؤولين الباكستانيين. ويتوقع أن يلتقي زاخيلوال قريباً بمستشار رئيس الوزراء الباكستاني، سرتاج عزيز، للتباحث بشأن القضية. كما أرسل زاخيلوال رسالة إلى قائد الجيش، الجنرال راحيل شريف، يطلب منه حلّ القضية بطرق سلمية، مشدداً على أن قضية الحدود لا يمكن حلّها من خلال ممارسة الضغط واستخدام القوة.
في المحصلة، فإن القضية الحدودية قد تحل عبر جهود محلية وعبر الحوار. أما استخدام القوة ومواصلة العنف فإنه ليس في مصلحة الجارتين، اللتين تربطهما علاقات دينية واجتماعية وجغرافية. كما أن القبائل المتاخمة على الحدود هي التي ستدفع الثمن، وهي تفعل ذلك حالياً.