وتقترب الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب من التصويت على "عزل" الرئيس دونالد ترامب والأقلية الجمهورية عازمة على منع الوصول إلى هذا القرار بشتى الطرق إذا أمكنها، وقد لجأت هذه الأخيرة إلى طريقة غريبة هزت الوسط السياسي في واشنطن، عندما اقتحم يوم أمس عدد من نوابها المقربين من الرئيس ترامب، قاعة تعقد فيها لجنة الاستخبارات في مجلس النواب جلسة مغلقة لاستجواب لورا كوبر نائبة مساعد وزير الدفاع، في قضية أوكرانيا.
وزعم النواب أنهم اقتحموا القاعة للتعبير عن اعتراضهم على سرية الجلسة وعدم إطلاعهم على مجرياتها، علماً بأن الجمهوري حاضر في اللجنة المشكلة من الحزبين وأن الاستجواب السري يحصل بوجود كافة الأعضاء وهو أمر مألوف تقرره لجان الكونغرس تبعاً لطبيعة القضية موضوع التحقيق.
وقد عطلت هذه الخطوة المخالفة للقواعد الجلسة لمدة خمس ساعات سادها هرج ومرج ولم تنته إلا بعد تدخل القيادات من الحزبين لاحتواء العملية وتقليل الخسائر.
وأتى هذا التطور في أعقاب عدة جلسات مغلقة عقدتها اللجنة في الأسابيع الأخيرة واستمعت خلالها إلى مجموعة من الشهود الذين سبق أن شغلوا مواقع حساسة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية وكانوا على اطلاع بدرجة أو بأخرى على ملابسات الموضوع الأوكراني، وأعطوا حسب التلميحات والتسريبات، معلومات مؤذية للرئيس وكان آخرها وأهمها استجواب السفير الأميركي في أوكرانيا وليام تايلور الذي تردد أنه زوّد اللجنة بتفاصيل "زادت الضرر وعززت القضية" ضد الرئيس.
ورافق ذلك إشارات صدرت عن قيادات الجمهوريين في مجلس الشيوخ، بدت وكأنها تمهّد لمغادرة موقع الدفاع عن الرئيس، أو على الأقل أوحت بأنها باتت منفتحة على مثل هذا الاحتمال، بعد الانكشافات التي تراكمت بفعل التحقيقات، ثم بعد قرار الانسحاب من سورية. وتعود أهمية هذه الاشارات التي أثار تكرارها قلق البيت الأبيض أن أبرزها أتى من زعيم الأغلبية في المجلس السناتور ميتش ماكونيل الذي كان في البداية من أشد الموالين للرئيس. وفجأة انتقل إلى الضفة المقابلة من خلال عدة مواقف علنية محرجة للبيت الأبيض وشديدة بنقدها له، إذ افتتح ذلك بمقالة على غير عادته،نشرتها واشنطن بوست وأعرب فيها عن اعتراضه القوي على الانسحاب.
وتلا ذلك تلميح إلى أن إجراءات العزل ماضية في طريقها إلى مجلس الشيوخ مع دعوة هذا الأخير إلى الاستعداد " للعمل ستة أيام في الأسبوع ابتدء من ديسمبر/كانون الأول القادم على الأرجح ولمدة أربعة إل ستة أسابيع".
وعلّل دعوته بحرصه على تسهيل العملية الجارية في مجلس النواب وتركها تأخذ مجراها الدستوري، وذلك في تضارب صارخ مع نواب حزبه في المجلس، وكذّب الرئيس بوضوح عندما نفى رواية هذا الأخير بأنه تحادث مع ماكونيل بشأن المكالمة مع الرئيس الأوكراني، التي فجرت القضية.
هذه الإشارات علاوة على ما جمعته التحقيقات من خبايا القضية، رفعت من درجة التخوف وبما أدى إلى عملية الاقتحام، كتعبير عن الضيق ومدى الإحباط من سير الأمور في الاتجاه الذي أشار اليه السناتور ماكونيل.
وحتى اللحظة، ما زالت غالبية الجمهوريين في مجلسي الكونغرس مع الرئيس برغم الغمز والتأفف المتزايدين في صفوفهم من ممارساته، خاصة في مجلس الشيوخ، لكن لا ضمانة لصمود هذه المعادلة إذا ما تواصل تأييد الجمهور لاجراءات العزل والذي تعدى الخمسين بالمئة حسب استطلاعات الرأي الأخيرة.
وفي ظل هذه المعطيات، يزداد التخوف من لجوء المحتجين على التحقيقات إلى خطوات تهدد بتوسيع ساحة العراك وأساليبه للحيلولة دون بلوغ الإجراءات خواتيمها، ولو أن البعض لا يرى في الاقتحام أكثر من همروجة غير مقبولة، لا تسمح مؤسسة النظام من الحزبين بتصعيدها.