الاعتراف الإيراني بالحوثيين كسلطة رسمية: تشويش على التهدئة الهشة

22 نوفمبر 2019
الاعتراف الرسمي بالحوثيين كسلطة تكملة لمسار طويل(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -


بالترافق مع الجدل الدائر بشأن إمكانية فك الارتباط بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وإيران، على نحوٍ يساهم في العودة إلى المسار السياسي في اليمن، جاء اعتراف طهران الرسمي بالحوثيين كسلطة رسمية لليمن، ليساهم مجدداً في خلط الأوراق، بما يعزّز روابط العلاقة بينها وبين الجماعة، بعد أن أدت الضربات التي تبناها الحوثيون، وتوجهت الاتهامات بشأنها لإيران، ضد السعودية وما أعقبها من تطورات لاحتواء التصعيد، دوراً في أجواء التهدئة النسبية السائدة منذ أسابيع. وكشفت مصادر حكومية يمنية لـ"العربي الجديد"، أن الشرعية تدرس التحرك بخطوات رسمية في الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية، للاحتجاج على اعتراف إيران بالحوثيين كسلطة، في تطور غير مسبوق في العلاقة، بعد أن بقيت لسنوات طويلة في إطار الاتهامات الموجهة لإيران بدعم الجماعة التي توصف بأنها "متمردة"، سيطرت بالقوة على العاصمة صنعاء منذ أكثر من خمس سنوات.

وكان لافتاً، أن الخطوة الإيرانية بالاعتراف بالحوثيين كسلطة جاءت عبر أعلى مستوى، من خلال تسليم ابراهيم الديلمي، الذي عينته الجماعة سفيراً لليمن لدى طهران، أوراق اعتماده إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، وما تخلل اللقاء من تصريحات ورسائل للأخير، أشاد خلالها بما وصفه بـ"صمود اليمنيين". كما قال روحاني إنه "في الوقت الذي كان الشعب اليمني تحت ضغوط العقوبات والعدوان، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت الوحيدة التي دعمت الشعب اليمني ووقفت إلى جانبه وستواصل القيام بذلك".

وعلى الرغم من أن اعتماد سفير الحوثيين الديلمي، يعدّ أول خطوة رسمية، إلا أن طهران المتهمة بكونها الداعم والمحرك الإقليمي للحوثيين، سبق أن أعلنت مواقف لا ترقى إلى الاعتراف، إذ باركت في عام 2016 اتفاق الجماعة مع حزب المؤتمر الشعبي العام بصنعاء على تشكيل ما عُرف بـ"المجلس السياسي الأعلى"، واجهة السلطة في مناطق الجماعة. مع العلم أنه في مطلع عام 2015، توجّه وفد رسمي من الحوثيين إلى طهران وعقد العديد من الاتفاقيات، بما فيها الاتفاق على قيام إيران بخطط لتوسعة ميناء الحديدة وتسيير رحلات جوية بواقع يصل إلى 28 رحلة من الجانبين، وغيرها من المضامين، التي أعلن عنها في مارس/آذار 2015، قبل أن تنطلق عمليات التحالف في 26 مارس، وتغلق مختلف الأجواء والمنافذ.

ويأتي الاعتراف الإيراني بسلطة الحوثيين، في الوقت الذي تتواتر فيها التسريبات عن حوار بين ممثلين عن الجماعة وبين السعودية تتصل بجهود تعزيز حالة التهدئة وصولاً إلى وقف الحرب في البلاد، ولا تخلو التسريبات، من حديث عن تطمينات يقدمها الحوثيون بشأن إمكانية فصلهم عن الأجندة الإيرانية، بوصفها مصدر قلق بالنسبة للرياض على الأقل. وهذا الطرح يتفق مع تصريحات أدلى بها دبلوماسيون بريطانيون، في إطار الجهود التي تبذلها بريطانيا، من خلال موقعها كـ"حاملة القلم" المتصل بالشأن اليمني في مجلس الأمن الدولي، لدعم جهود التسوية في البلاد.



ومن المتوقع أن يلقي التطور المتصل بطهران واعترافها بسلطة الحوثيين، بظلاله، على جهود التهدئة بين الرياض والحوثيين، إذ إن الخطوة تعزز الرأي الذي يشدد على أن الحديث عن إمكانية فصل الجماعة عن الأجندة الإيرانية، في إطار الأمنيات والتبريرات الدبلوماسية للحوار مع الجماعة، بعد أن ظلت تهمة تلقّي الدعم من إيران، واحدة من أبرز عناوين الحشد في المواقف والعمليات العسكرية ضد الجماعة، في حين أن مجمل الروابط التنظيمية وحتى المذهبية بالنسبة للجماعة، تبقى أقوى من هذه الجهود.

في السياق، يعيد الجدل بشأن الملف، التطورات التي سبقت التهدئة، وأبرزها على الإطلاق، الهجوم الذي استهدف منشآت "أرامكو" السعودية في كلٍ من بقيق وخريص، وعلى أثره تأثرت صادرات النفط السعودي للمرة الأولى، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، غير أن الاتهامات السعودية والدولية بشكل عام، وجهت أصابع الاتهام نحو إيران، بالتشديد على أن الصواريخ والطائرات المسيرة المستخدمة في الهجوم لم تنطلق من اليمن، بل من جهة العراق وإيران.

وفيما كانت تداعيات هجوم "أرامكو" تتصدر مشهد التطورات يمنياً، جاء إعلان الحوثيين في 20 سبتمبر/أيلول الماضي عن وقف كافة أنواع الهجمات باتجاه السعودية، ليكون بداية نحو التهدئة، قابلتها السعودية باعتبارها خطوة إيجابية، ومع ذلك، فإنه وعلى الرغم من مرور شهرين، ما يزال التقدم المتصل بالحوار بين الرياض والجماعة، منحصراً في تسريبات وتصريحات داعمة للتهدئة من الجانبين، على نحو يجعلها مفتوحة على مختلف الاحتمالات، بما في ذلك الإعلان عن تقدم مفاجئ أو انهيار التفاهمات الهشة، كما حصل في تجارب سابقة.

الجدير بالذكر أن الخطوة الإيرانية تعزز فرضية أن الدعم الإيراني يمثل أحد أسباب تفويت الفرص على قبول الحوثيين بالسلام، ومع ذلك، فإن الخطوة من الناحية العملية، لا تحمل الكثير من المدلولات إذ إن علاقة الجماعة بطهران معروفة، ويبقى الاعتراف خطوة يمكن أن تزيد العقبات في طريق جهود السلام، فضلاً عن تأثيرها على واقع اليمن المجزأ، والذي يشكل تهديداً كبيراً على وحدة البلاد.