كلام رئيس الدبلوماسية الفرنسية، جاء أمام عدد من النواب بعد أيام قليلة من تصويت مجلس العموم البريطاني على قرار يعترف بالدولة الفلسطينية ويوصي الحكومة بالقيام بالخطوة نفسها.
وأثارت تصريحات فابيوس أكثر من سؤال بعد اعتراف السويد والبرلمان البريطاني بالدولة الفلسطينية في هذا التوقيت، خاصة مع تبرير وزير الخارجية الفرنسي لتصريحاته بالقول: "منذ اللحظة التي نطالب فيها بدولتين إسرائيلية وفلسطينية، فهذا يعني أن مسألة الاعتراف حتمية وأنه أمر منطقي، لكن السؤال الوحيد يبقى في كيفية وسبل تطبيق هذا الاعتراف حتى يكون أكثر فعالية". وأضاف: "لا نريد أن تكون مسألة رمزية، ونريدها أن تخدم السلام، وبالتالي سيكون هناك اعتراف".
هذه التفاصيل حول "اختيار اللحظة المناسبة"، رأى فيها العديد من الخبراء أنها تأتي بجديد حتى لو كانت خطوة رمزية مقارنة بالسنوات السابقة، لأن مسألة الاعتراف كانت مرتبطة دائماً بالتفاوض، وحين يصبح التفاوض "مسألة مستحيلة ولا تؤدي الى خلاصات، فعلى فرنسا أن تتحمّل مسؤوليتها"، كما أعلن فابيوس.
ولعلّ ما سمعه الوزير الفرنسي من نظيره الأميركي، جون كيري، وكذلك ما سمعه الأوروبيون من كيري حول فشل مفاوضات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية منذ أبريل/ نيسان الماضي، وتلميحاته أمامهم بشأن الموقف الإسرائيلي، قد يكون دافعاً يقف وراء تصريحات فابيوس والأوروبيين. حتى أن بعض الدبلوماسيين فسّر الأمر بأن هذه التصريحات جاءت بطلب أميركي من أوروبا لإزعاج إسرائيل. ففابيوس يعرف جيداً أن المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تُستأنف، خاصة على المدى القصير، وأن فرنسا التي تريد دوماً أن تكون المحرك الرئيسي، تسعى للقيام بتحرك بعد اعتراف السويد والبرلمان البريطاني، وخاصة أن هناك 134 دولة في العالم قد اعترفت بفلسطين.
ولم تنجح التحالفات الدولية المؤيدة لإسرائيل، في إطفاء الحس الشعبي خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وكانت هناك هوّة كبيرة بين سياسات الحكومات ونبض الشارع الذي فرض نفسه، كما حدث على الساحة الفرنسية. فعلى الصعيد الرسمي، اضطر المسؤولون لتغيير قراراتهم ومواقفهم وحساباتهم، ومن بينها ما أقر به الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، خلال استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بأن "التحرك الجماهيري في فرنسا والعالم ضد العدوان الإسرائيلي على غزة بدّل الأمور وكان له وزن على الرأي السياسي".
ويقول مسؤول فرنسي، لـ"العربي الجديد"، إن العالم لا يمكن أن يقف موقف المتفرج الى ما لا نهاية أمام القتل والدمار والحصار وبظل موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المتصلّب ومواقف واشنطن المؤيدة له، حتى في ضوء انتقادات كيري.
كما أنه، بحسب المسؤول، "لا يمكن نسف مراجع السلام وعلى رأسها مسألة الدولتين وحدود 1967 ودولة فلسطينية عاصمتها القدس، وأن المستوطنات غير شرعية".
ويرى المسؤول أن عدداً من الدول، وعلى رأسها فرنسا، تعتبر أنه لا بد من الدخول في استراتيجية في هذه المرحلة تستند على الأقل على أسس ومرجعيات السلام، مع العلم أن الطلب الذي تقدم به كيري أمام زملائه لإعطاء مهلة شهر لدراسة سبل استئناف المفاوضات، طرح بعيد عن الواقع في هذه المرحلة، وهو بحد ذاته مضيعة للوقت كما كان يحدث مراراً مع طروحات اللجنة الرباعية.
ويشير المصدر نفسه الى أن هناك إجماعاً دولياً على مرجعيات السلام وعلى أسس المبادرة العربية، وأنه ينبغي اتخاذ خطوات، ومنها السعي "لانتزاع قرار من مجلس الأمن يتضمن تلخيصاً للقرارات الدولية مع تجنّب فيتو أميركي خلال التصويت على القرار".
وتسعى الدبلوماسية الفرنسية، مع دول أخرى، الى العمل على صيغة تشمل إعادة التأكيد على المرجعيات السابقة، ومنها موضوع حدود 1967. وتعتبر الدوائر الرسمية في فرنسا أنه لا مفر، عاجلاً أم آجلاً، من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن جميع المسؤولين يرددون أنها مسألة وقت.
وترى المصادر الدبلوماسية أن "الكلام الصادر عن إسرائيل بشأن ردة الفعل التي ستصدر عن مسألة الاعتراف ليس إلا تضليلاً للأمور، كما هو الحال أيضاً عند ربطها ما يجري بالتطرف، وبالتالي هو كلام فارغ".
وأمام كل هذه الأمور، فإن العلاقات الفلسطينية ـ الفرنسية ماضية في مسارها كما هو الحال بين الدول. وبعد اللقاءات بين الرئيس الفرنسي ونظيره الفلسطيني هذا الشهر، ولقاء فابيوس مع نظيره الفلسطيني رياض المالكي، قررت فرنسا تنظيم لقاء بين رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، ونظيره الفلسطيني، رامي الحمد الله، بداية عام 2015، مع عدد من وزراء البلدين كما تجري العادة بين الدول، في إطار التشاور بين اللجان المشتركة في مجالات عدة.
وبالنسبة لمؤتمر القاهرة حول غزة، يرى الطرفان الفرنسي والفلسطيني أن هذا المؤتمر كان ناجحاً سياسياً ومالياً.
ويؤكد مسؤول فرنسي ضرورة الخروج من البيانات والصراعات "لأن الفلسطينيين يريدون أن يقف التواطؤ الدولي ضدهم، وخصوصاً أن العالم يعرف اليوم أن إسرائيل هي المشكلة وكذلك الاحتلال، وأن العالم سئم من تصرفات إسرائيل".
فرنسا، الراغبة في لعب دور سياسي في الملف الفلسطيني، وألا يقتصر دورها على المموّل الاقتصادي داخل الاتحاد الأوروبي، تعرف جيداً أن إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو قبل كل شيء مسألة رمزية، لأن الاعتراف قائم منذ سنوات مع فلسطين في جميع المجالات.