27 أكتوبر 2024
الاقتراع في "سلّة القمامة"
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة فوتوغرافية لم يكن لأطرف رسّام كاريكاتور أن يُجسّد حمولتها، إلا إن كان من الصفوف الأولى للمبدعين في فنّه. وفي تفاصيل هذه الصورة، وقف رجلٌ شديد الابتسام إلى درجة الاستفزاز، يصنع بإبهام يده اليسرى إشارة الإنجاز، وهو يضع بيده اليمنى ورقة الاقتراع في صندوق قمامة كبير، مشاركاً في التصويت على انتخاب الجنرال عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية المصرية. نعم، كان الصندوق هو من صناديق القمامة المستعمل في المنازل المنفردة في كل دول الغرب. لم يكن صندوق اقتراع شفافاً، كما تفرض الشروط الصورية على الأقل. كان صندوق "زبالة" بالمصري الصريح، رمادي المحيا، مخصصاً للانتخابات الرئاسية في مقر دبلوماسي مصري في دولة أوروبية.
وبمعزلٍ عن طرافة الصورة المصحوبة بوجعٍ عربي انتخابي بنيوي، يمتد من المحيط إلى الخليج، والذي يعكس واقعاً انتخابياً هزلياً، وبمعزل عن حقيقة المشهد الذي ربما كان مجرّد تركيب بصري أُريد به الإضحاك، مع تأكيد كثيرين على مصداقيته، إلا أن الرسالة التي حملتها الصورة إلى جميع العرب، ومن في حكمهم، تُفضي إلى استخلاص نتيجة واضحة ووحيدة: أصواتكم مهما كانت نوعيتها، ومهما كان توجهها، ومهما كان خيارها، فمصيرها سلة القمامة، لأن النتائج محسومة مسبقاً.
وقد نُقل عن الرئيس السيسي الآتي بانقلاب، مهما اجتهدنا في تسميته، والذي سينجح رغماً عن
أنف صناديق الاقتراع/ القمامة، بأنه كان يتمنّى "أن يكون موجودا منافس واثنان وعشرة من أفاضل الناس؛ حتى تختاروا كما تشاؤون، لكن نحن لسنا جاهزين الآن". وقد كان جزءٌ من هؤلاء العشرة المُبشّرين بالانتخاب يقبع في سجون المارشال، أو حُظِر عليهم خوض المنافسة ترهيباً وحصاراً. في المقابل، وجدت الأجهزة المختصة شخصاً يقبل أن يكون موضع استهزاء جميع المراقبين، وخصوصاً المنتمين إلى المنظومة الأمنوقراطية المصرية المتجذّرة، وأسمته مرشحاً منافساً، فالمرشح عن حزب الغد، موسى مصطفى موسى، يدعو، في حملته الانتخابية، إلى التصويت من أجل "منافسه" السيسي مُعتبراً أنه "قدوته". فحتى متطلبات الكذب والالتفاف والنفاق السياسي لم تُحقّق شروطها في حملة هذا المعماري "الليبرالي"، فدفعه الخوف المتجذّر في مسامات العمل السياسي المصري، في ظل انقلاب الجيش على العملية السياسية الديمقراطية بعيوبها كافة، للعب دور المُهرّج الذي لا يُضحك.
وفي مسارٍ مشابهٍ جرت، ونكاد نقول عُرِضت، كونها تبدو مسرحية أكثر منها عملية سياسية، انتخابات رئاسية منذ بضعة أيام في روسيا البوتينية، تقدّم إليها ثمانية من المرشحين بتوافق تام مع أجهزة الكرملين، لتشذيب صورة المهزلة الانتخابية التي خطّها قيصر موسكو الجديد، فلاديمير بوتين، الحاكم بأمور البلاد منذ كلّفه بوريس يلتسين بخلافته سنة 1999. وكما لدى السيسي، أقصت أجهزة الأمن البوتينية المنافس الحقيقي الوحيد، إليكسي نافالني، حيث اعتبرته غير مؤهل لخوض الانتخابات بناءً على القوانين القراقوشية. وبالتالي، فرغت الساحة لبوتين وديمقراطيته. وحصل القيصر على 76.69% من الأصوات، وهو رقم نجم ليس فقط عن غياب التنافسية، بل أيضاً وخصوصاً عن عمليات منظمة لإغراق صناديق الاقتراع/ القمامة الروسية بآلاف الأوراق الانتخابية، كما أوضحت ذلك بجلاء مشاهد مصوّرة، لا تدع للشك مطرحاً حول نزاهة العملية الانتخابية الروسية وشفافيتها. فقد كان العاملون في المراكز، وبكل نزاهة، يضعون رزماً من أوراق التصويت بكثافة، إلى درجة أن فتحة الصندوق لم تكن تتسع بسهولة لهذه الكمية مرة واحدة.
ربما ما منح الانتخابات الروسية "شرعية ديمقراطية" كان وجود مراقبين دوليين من دولٍ
يُشهد لها بعراقة العملية الانتخابية، فقد أشارت الصحافة السورية إلى مشاركة وفد رقابي برلماني سوري في متابعة شفافية عمليات التصويت، في مراكز اقتراع روسية عديدة. وفي تصريحات إعلامية، أشاد أعضاء الوفد بحسن التنظيم ونزاهة التصويت، بناءً على خبرتهم المتجذّرة والعريقة في التنظيم والترشّح والتصويت في بلدهم سورية منذ سنة 1970 على أقل تقدير. وقد صرّح أحد المشاركين في الوفد إنه "شهد إقبالا ملحوظاً من الناخبين الروس من دون أي تسييس (...)". وانطلاقاً من هذه الجملة التعبيرية، عن ناخبين روس في انتخابات روسية (...)، وتُشير إلى انعدام التسييس في انتخابات رئاسية (...)، نلحظ العمق المعرفي الذي رافق هذا الوفد.
ومن خلال هذه المبادرة الديمقراطية السورية، يتوقع المراقبون أن تلجأ السلطات المصرية إلى خبرات البرلمانيين السوريين في مراقبة مسار العملية الانتخابية على منصب الرئاسة، على الرغم من البرود الشكلي في العلاقات الدبلوماسية، ولكن حيث يمكن للحرارة الشديدة التي تُميّز العلاقات الأمنية في أن تُساعد الطرفين على تجاوز الشكليات، والوصول إلى إفادة المسار الديمقراطي بخبرات سورية برلمانية تحديداً.
أسوأ ما في الأنظمة غير الديمقراطية ليس افتقادها شرعية صناديق الاقتراع، أو ممارساتها القمعية بحق مواطنيها، أو تأميمها المشهد العام، أو اعتقالها معارضيها أو محاربة حرية التعبير فحسب، إنما أيضاً استهزاؤها المنهجي بالرأي العام المحلي، ورميها له في صناديق القمامة. أما الدولي، فهو راضٍ بالقمامة في مقابل الاستقرار الموهوم.
وبمعزلٍ عن طرافة الصورة المصحوبة بوجعٍ عربي انتخابي بنيوي، يمتد من المحيط إلى الخليج، والذي يعكس واقعاً انتخابياً هزلياً، وبمعزل عن حقيقة المشهد الذي ربما كان مجرّد تركيب بصري أُريد به الإضحاك، مع تأكيد كثيرين على مصداقيته، إلا أن الرسالة التي حملتها الصورة إلى جميع العرب، ومن في حكمهم، تُفضي إلى استخلاص نتيجة واضحة ووحيدة: أصواتكم مهما كانت نوعيتها، ومهما كان توجهها، ومهما كان خيارها، فمصيرها سلة القمامة، لأن النتائج محسومة مسبقاً.
وقد نُقل عن الرئيس السيسي الآتي بانقلاب، مهما اجتهدنا في تسميته، والذي سينجح رغماً عن
وفي مسارٍ مشابهٍ جرت، ونكاد نقول عُرِضت، كونها تبدو مسرحية أكثر منها عملية سياسية، انتخابات رئاسية منذ بضعة أيام في روسيا البوتينية، تقدّم إليها ثمانية من المرشحين بتوافق تام مع أجهزة الكرملين، لتشذيب صورة المهزلة الانتخابية التي خطّها قيصر موسكو الجديد، فلاديمير بوتين، الحاكم بأمور البلاد منذ كلّفه بوريس يلتسين بخلافته سنة 1999. وكما لدى السيسي، أقصت أجهزة الأمن البوتينية المنافس الحقيقي الوحيد، إليكسي نافالني، حيث اعتبرته غير مؤهل لخوض الانتخابات بناءً على القوانين القراقوشية. وبالتالي، فرغت الساحة لبوتين وديمقراطيته. وحصل القيصر على 76.69% من الأصوات، وهو رقم نجم ليس فقط عن غياب التنافسية، بل أيضاً وخصوصاً عن عمليات منظمة لإغراق صناديق الاقتراع/ القمامة الروسية بآلاف الأوراق الانتخابية، كما أوضحت ذلك بجلاء مشاهد مصوّرة، لا تدع للشك مطرحاً حول نزاهة العملية الانتخابية الروسية وشفافيتها. فقد كان العاملون في المراكز، وبكل نزاهة، يضعون رزماً من أوراق التصويت بكثافة، إلى درجة أن فتحة الصندوق لم تكن تتسع بسهولة لهذه الكمية مرة واحدة.
ربما ما منح الانتخابات الروسية "شرعية ديمقراطية" كان وجود مراقبين دوليين من دولٍ
ومن خلال هذه المبادرة الديمقراطية السورية، يتوقع المراقبون أن تلجأ السلطات المصرية إلى خبرات البرلمانيين السوريين في مراقبة مسار العملية الانتخابية على منصب الرئاسة، على الرغم من البرود الشكلي في العلاقات الدبلوماسية، ولكن حيث يمكن للحرارة الشديدة التي تُميّز العلاقات الأمنية في أن تُساعد الطرفين على تجاوز الشكليات، والوصول إلى إفادة المسار الديمقراطي بخبرات سورية برلمانية تحديداً.
أسوأ ما في الأنظمة غير الديمقراطية ليس افتقادها شرعية صناديق الاقتراع، أو ممارساتها القمعية بحق مواطنيها، أو تأميمها المشهد العام، أو اعتقالها معارضيها أو محاربة حرية التعبير فحسب، إنما أيضاً استهزاؤها المنهجي بالرأي العام المحلي، ورميها له في صناديق القمامة. أما الدولي، فهو راضٍ بالقمامة في مقابل الاستقرار الموهوم.