نفذت حركة الشباب، المرتبطة بتنظيم القاعدة، الأسبوع الماضي، تفجيرات بواسطة انتحاريين، في كلّ من العاصمة الصومالية مقديشو، ومدينة كسمايو (إقليم جوبالاند الفيدرالي). ونفّذ الانتحاريون هجماتهم بواسطة أحزمة ناسفة، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 10 مدنيين، وإصابة نحو 15 آخرين، بعضهم لا يزال في حالة حرجة. ورجح محللون وخبراء أمنيون، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، تحول "الشباب" إلى تنفيذ هجماتها بـ"القنابل البشرية المتحركة"، عوضاً عن السيارات المفخخة، وذلك نتيجة الحصار المشدد الذي تفرضه السلطات الأمنية على مداخل مقديشو. وتشكل هذه الهجمات عبئاً أمنياً بالنسبة للسلطات، بسبب الخروقات التي تواجهها وضعف الإمكانات.
ويرى رئيس جهاز الاستخبارات الصومالي السابق، الجنرال عبد الرحمن محمد توريري، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أنه "من الواضح أن حركة الشباب باتت تعمد إلى تغيير أساليبها القتالية، نظراً للظروف الأمنية التي تواجهها حالياً، وذلك بعد فرض قيود مشددة على السيارات العامة والخاصة في مقديشو، وانتشار الحواجز الأمنية في مداخل العاصمة البرّية". ويلفت توريري إلى أن الانتحاريين المزودين بالأحزمة الناسفة، هم "أشدّ خطراً"، و"يتطلبون جهداً أقل بالنسبة للحركة".
الانتحاريون المزودون بالأحزمة الناسفة هم أشدّ خطراً، ويتطلبون جهداً أقل بالنسبة للحركة
ويشير توريري إلى سهولة اختراق الانتحاريين لمراكز ومكاتب حساسة، وللتجمعات، لا سيما بسبب قلة الوعي لدى المواطنين. وبرأيه فإن هذا الأسلوب للحركة يفرض على الأجهزة الأمنية توخي الحذر، ومضاعفة جهودها، خصوصاً لجهة حماية المطاعم والفنادق، مع ضرورة استخدام أجهزة مراقبة وكشف حديثة.
ويعتبر توريري أنه بسبب قلّة الإمكانات لدى الأجهزة الأمنية في مقديشو، فإن الانتحاريين "سيزيدون طين الوضع الأمني في البلاد بلّة، ما يحتم على هذه الأجهزة يقظة وحذراً أكبر، من خلال تفتيش المارة والسيارات العامة، ومضاعفة جهود التوعية حول خطورة هذه القنابل البشرية المتحركة، وذلك عبر الإعلام المحلي، منعاً لتفاقم الوضع في البلاد". ويعتبر توريري أن استخدام أجهزة أمنية متطورة وكلاباً مدربة، لكشف المتفجرات، سيساهم في الحدّ من الهجمات الإنتحارية في مقديشو. ويلفت إلى ضرورة إطلاق حملة عفو عن منتسبين لحركة الشباب، ما سيؤدي إلى ازدياد عدد المنشقين عنها، مؤكداً في هذا الإطار أهمية خوض حرب نفسية ضد "الشباب" لـ"كسر شوكتها واختراق صفوف أتباعها ومقاتليها".
ويرى بعض المراقبين الأمنيين أن استمرار العمليات العسكرية التي تشنها القوات الصومالية والأجنبية ضد معاقل حركة الشباب، إلى جانب القصف الأميركي عبر طائرات من دون طيار، أدّيا إلى ارتفاع نسبة الهجمات الانتحارية في مقديشو، وذلك انتقاماً وثأراً لقتلى الحركة، بالإضافة إلى محاولة "الشباب" رفع معنويات عناصرها، أمام استمرار استهدافها، وذلك منعاً لأي إحباط قد يصيب أتباعها وأنصارها في جنوب ووسط البلاد.
ويرى الصحافي الصومالي حسن محمد الحاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الأمني في مقديشو لا يزال هشاً، معتبراً أن الأجهزة الأمنية ليس بإمكانها مواجهة حركة الشباب. ويلفت إلى أن الوضع الأمني في مقديشو سيظل صعباً، وستبقى قوات حفظ السلام الأفريقية العمود الفقري للحفاظ على أمن البلاد.
ويذكر حسن محمد بأن حركة الشباب لطالما اعتمدت في السابق على الهجمات الانتحارية، وهي اليوم تستأنفها وتلجأ إليها في مناطق عدة، وحتى مع تنفيذها هجمات بسيارات مفخخة، حيث كانت تعقبها مواجهات مع قوات الأمن لمسلحين من الحركة مزودين بقنابل يدوية وأسلحة رشاشة، وكان هؤلاء يتبادلون إطلاق النار مع القوى الأمنية حتى آخر رمق من حياتهم.
ويعتبر الصحافي الصومالي أن لحركة الشباب اليد الطولى في العاصمة، حيث الوضع الأمني مفكك أصلاً، وهو أمر واضح للعيان، مشيراً إلى أن الأمن في مقديشو مكشوف بالنسبة لـ"الشباب"، التي لا تحتاج إلى بذل جهد كبير لتبديل أساليبها القتالية أو الهجومية.
يذكر أن حركة الشباب تقاتل منذ نحو عقد ونيّف ضد الحكومات المتعاقبة في الصومال، وهي لا تزال تسيطر على مناطق استراتيجية في جنوب ووسط البلاد، لكنها واجهت خلال السنوات الأخيرة ضغطاً أمنياً عليها، بالإضافة إلى صراعات داخلية، إثر انشقاقات عصفت بصفوفها وسقوط العديد من قادتها الميدانيين بالضربات العسكرية الجوية والبرّية. هذا الواقع يهدد مستقبل الحركة في الصومال، لكن هجماتها الانتحارية لا تزال تربك الأمن المحلي وتضرب الاستقرار في مقديشو وضواحيها، على الرغم من انسحاب مقاتلي الحركة من العاصمة منذ أواخر العام 2011.