ويشكّل استمرار جذوة الانتفاضة في القدس المحتلة التي اندلعت مع جريمة قتل الشهيد محمد أبو خضير في يوليو/تموز الماضي، عاملاً آخر في تفاقم الأزمة، خصوصاً بعد أن حاول نتنياهو التغطية على فشله العسكري باعتماد خطاب قومي متطرف، رافضاً أيّ صيغة للتسوية حتى مع أقطاب حكومته.
ويسعى نتنياهو منذ نهاية العدوان، للهروب إلى الأمام بتكثيف الحديث عن الأمن الإسرائيلي وإبراز "خطر تنظيم داعش"، مع ما يرافق ذلك من محاولات للمساواة بين حركة "حماس" و"داعش"، وتعبئة سياسية فاشية في كل ما يتعلق بملف المسجد الأقصى، وهوية إسرائيل اليهودية وفق أكثر المقترحات تطرفاً، حتى بحسب منظور شركائه في الحكومة.
هذه المواقف لنتنياهو، وخصوصاً عودته للحديث أخيراً عن قانون "القومية اليهودية"، والإصرار على تشريعه على الرغم من معارضة قدامى سياسيي "الليكود" وعلى رأسهم عرابه السياسي وزير الأمن الإسرائيلي السابق موشيه أرنس، تثير الانطباع بأن نتنياهو بدأ منذ مدة الإعداد لتقريب موعد الانتخابات، للاستفادة من التأييد الكبير الذي يحظى به في استطلاعات الرأي العام، والتي منحته أعلى تأييد مقارنة بباقي قادة الأحزاب الإسرائيلية المنافسة له.
ويبدو نتنياهو اليوم المستفيد الأول من ضعف أحزاب المعارضة وأحزاب الوسط واليسار وعدم وحدتها، وهو المستفيد أيضاً من الأجواء القومية التي تسود إسرائيل في الأشهر الأخيرة، والتي زادت حدتها في الشهرين الماضيين مع توالي العمليات الفلسطينية في القدس وارتفاع ألسنة اللهب في القدس المحتلة والتي باتت تهدد بالامتداد إلى الضفة الغربية المحتلة.
وبلغت الأجواء "الفاشية" التي تسيطر على إسرائيل اليوم، حد نشر صور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تُظهر الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، وهو من أشد المتطرفين في إسرائيل، وزعيمة حزب "هتنوعاه" تسيبي ليفني، بزي ضباط في الجيش النازي، لمجرد اعتراضهما على قانون القومية اليهودية. وتشكّل هذه الأجواء أرضاً خصبة تعد بمعركة انتخابات عنيفة وشديدة اللهجة عالية التطرف والعنصرية.
وفي هذا السياق، يرى النائب الفلسطيني عن "التجمّع الوطني الديمقراطي" باسل غطاس في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "فشل العدوان الإسرائيلي على غزة أسقط مخططات نتنياهو واعتقاده بقدرته على مواصلة إدارة الصراع وكسب الوقت، وأعاد إلى الواجهة القضيّة الفلسطينيّة واستمرار الاحتلال"، معتبراً أنّ "حكومة نتنياهو أوصلت المنطقة إلى شفير الهاوية وانسداد كامل في الأفق السياسي، وهذا هو عملياً سبب سقوطها الحقيقي".
ويضيف غطاس أنّه "من الواضح أنّ نتنياهو واليمين سيجعلون من حملاتهم الانتخابية مشاريع للتحريض على العرب، وانتهاج خطاب الكراهية والعنصرية لاستقطاب اليمين وتخويف الناخب الإسرائيلي من أيّ حلّ سلمي قد يحمل تنازلات إسرائيليّة".
ويعني كلام غطاس أنّ نتنياهو سيبحث عن عناوين قوميّة متطرّفة لحملته الانتخابية، والظاهر أنه سيركّز كما فعل أخيراً على مسألة الاستيطان في القدس المحتلة، وتصوير المعركة الانتخابيّة المقبلة على أنّها معركة ليس فقط على هوية إسرائيل، وإنما أيضاً على الوجود الإسرائيلي في ظلّ التحديات الخارجية وعلى رأسها "خطر الإسلام الأصولي" وخطر "داعش" من جهة، بالتوازي مع "الخطر الإيراني".
ويضيف نتنياهو إلى هذه العناوين، "الخطر الداخلي" الذي يدفعه إلى الإصرار، حسب ادعائه، على قانون "القوميّة اليهوديّة"، وهو تفادى تحوّل إسرائيل إلى دولة ثنائيّة القوميّة، ومنع حالة قد تفضي إلى مطالب فلسطينية بإقامة حكم ذاتي في الجليل والنقب.
في المقابل، ستحاول أحزاب اليسار والوسط الصهيونية، بدورها تصوير المعركة الانتخابيّة على أنها حول مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطيّة، وبالتالي أي أنّها تتعلق بمستقبل إسرائيل الديمقراطية في مواجهة خطر اليمين المتطرف الذي يمثّله نتنياهو وزعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينيت، مصحوباً بدولة التوراة كما ستعكسها الحكومة المقبلة في حال انضمام أحزاب "الحريديم" إلى "الليكود".
وليس واضحاً ما إذا كانت أحزاب الوسط واليسار الإسرائيلية ستتمكن من خوض الانتخابات في تحالف مشترك، أو على الأقل الالتزام بتشكيل تحالف من شأنه أن يكون بعد الانتخابات جسماً مانعاً يحول دون عودة نتنياهو للحكم.
وبحسب الكاتبين الإسرائيليين سيما كدمون وناحوم برنيع، سيكون على معسكر الوسط واليسار تحريك ديناميكيّة تدفع مؤيديه الذين يتقاعسون عن الإدلاء بأصواتهم، للخروج للتصويت أملاً في تغيير موازين القوى الحزبية في السياسة الإسرائيلية.
ويرى برنيع أنّ اليأس من التغيير كان قاتلاً في إنتاج الصورة الحزبيّة القائمة، وأن الدفاع عن الديمقراطيّة الإسرائيليّة وحمايتها يحتّم التوجّه إلى صناديق الاقتراع لموازنة الارتفاع الملحوظ والدائم في نسبة المصوّتين من اليمين، بمن فيهم "الحريديم" وأتباع التيار الديني القومي الممثّل بحزب "بينيت".
وعلى صعيد الفلسطينيين في الداخل، فإن معركة الانتخابات الحالية ستُشكّل فرصة مؤاتية للسلطة والأحزاب الصهيونية في حربها ضد التيار القومي في الداخل الذي يمثّله حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي يرفض نوابه يهوديّة الدولة، كما يرفضون استنكار حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.
ومن المتوقع أن يقدّم نواب من اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسهم نائب الوزير في ديوان نتنياهو، أوفير أكونيس، وحزب "يسرائيل بيتينو"، طلبات رسميّة إلى لجنة الانتخابات المركزيّة لشطب "التجمّع الوطني الديمقراطي" ومنعه من خوض الانتخابات في الكنيست لرفضه الاعتراف بيهوديّة إسرائيل، وتأييده لحق الفلسطينيين بمقاومة الاحتلال.
وسبق أن أعلن كل من أكونيس وعضو الكنيست دافيد روتيم، أنهما وإضافة إلى تقديم اقتراح قانون لإبعاد النائب حنين زعبي عن الكنيست، سيسعيان إلى منعها من الترشح لانتخابات الكنيست المقبلة على قائمة "التجمع الوطني الديمقراطي"، بحجة تأييدها للإرهاب. وسيضطر التجمع إلى خوض معركة قضائيّة بهذا الخصوص.
إلى ذلك، سيكون على الأحزاب العربيّة تخطّي العقبة الأولى التي شرّعها الكنيست لتفادي نجاح الأحزاب العربيّة وهي نسبة الحسم. فقد أقر الكنيست هذا العام رفع نسبة الحسم إلى ثلاثة في المائة من مجمل الأصوات الصالحة. ويعني رفع هذه النسبة أنه لن يكون في مقدور الأحزاب العربيّة أن تخوض الانتخابات منفردة، بل عليها التوصل إلى صيغة لقائمة مشتركة تجمع كلاً من "التجمع الوطني الديمقراطي"، و"القائمة العربية الموحّدة" و"الجبهة الديمقراطية" (وهي قائمة يهودية عربية أساسها الحزب الشيوعي الإسرائيلي).
وكانت الجبهة قد أعلنت في أكثر من مناسبة إصرارها على مبدأ الشراكة اليهودية العربية، وأنها لا تسقط من خياراتها إمكانية تشكيل قائمتين، إحداهما للجبهة والثانية للحزبين الآخرين، لا أن تذهب بالضرورة إلى قائمة واحدة تشمل الأحزاب الثلاثة.