بعد حملات انتخابية كانت الأسخن، على حد وصف الصحافة البريطانية، تكشف صناديق الاقتراع، اليوم الجمعة، عن خيار الناخب البريطاني، إما بالتجديد لحزب المحافظين بزعامة تيريزا ماي، أو بمنح التفويض الشعبي لحزب العمال بزعامة جيرمي كوربين، أو بحجب الأغلبية المطلقة عن كليهما، وبالتالي العودة إلى صيغة الحكم الائتلافي، كما حدث في انتخابات العام 2010، إذ اضطر حزب المحافظين، بزعامة ديفيد كاميرون آنذاك، لتشكيل حكومة ائتلاف مع الحزب الليبرالي الديمقراطي.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة السابعة صباحاً في المملكة المتحدة، وسط إجراءات أمنية مشددة بعد ثلاثة اعتداءات شهدتها البلاد منذ نهاية مارس/آذار. ومن كورنويل إلى اسكتلندا مروراً بلندن وبرمنغهام ومانشستر وليفربول وغلاسكو، أدلى الناخبون بأصواتهم، في الوقت الذي كانت فيه السلطات تعلن أنها ستفرض إجراءات أمنية "بالغة المرونة" في لندن ليتاح نشر قوات للشرطة بالسرعة القصوى، بعد أيام على اعتداء أسفر عن سقوط ثمانية قتلى في العاصمة البريطانية.
وتنص القواعد المنظمة لعمل البرلمان على عقد الجلسة الأولى لمجلس العموم المنتخب بعد 11 يوماً من الانتخابات، أي في 19 يونيو/حزيران الحالي. ويكون البند الأول في جدول الأعمال هو انتخاب أو إعادة انتخاب رئيس المجلس، الذي يترأس لاحقاً جلسة أداء اليمين الدستورية للنواب المنتخبين لأول مرة.
وبعد خطاب التكليف الملكي تبدأ المشاورات لأربعة أو خمسة أيام قبل إجراء التصويت الرسمي بالثقة للحكومة الجديدة، وإذا ما كان هناك أي شك في نتيجة التصويت، يُكلف رئيس مجلس اللوردات بقراءة الخطاب الملكي بالنيابة عن الملكة التي تفضل أن تبقى بعيدة عن المشهد السياسي غير المستقر.
فوز ماي في استطلاع للرأي
وأظهر آخر استطلاع للرأي أمس الخميس، أن حزب المحافظين عزز صدارته في السباق إلى ثماني نقاط مائوية من خمس نقاط في الاستطلاع السابق. وأظهر استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة "إبسوس موري" ونشرته صحيفة "لندن إيفننغ ستاندرد"، أن حصة المحافظين من الأصوات ارتفعت إلى 46 بالمائة من 45 في المائة مقارنةً باستطلاع سابق أجرته في الثاني من يونيو/حزيران، في حين توقع الاستطلاع حصول حزب العمال على 36 في المائة من الأصوات مقارنةً مع التوقعات السابقة بحصة 40 في المائة. وشارك في استطلاع الرأي 1291 شخصاً يومي 6 و7 يونيو.
كوربين مفاجأة الانتخابات
مهما كانت نتيجة الانتخابات البريطانية، إلا أن الأوساط السياسية والإعلامية البريطانية، بمن فيها خصومه، قد أجمعت على أن اليساري العنيد جيرمي كوربين شكل مفاجأة انتخابات 2017. وقد فاجأ الدعم الشعبي الواسع الذي حظي به، معظم السياسيين العماليين الذين لم يكونوا يتوقعون ذلك، وفق ما ذكرت صحيفة "ليندسي جيرمان"، ناهيك عن الصدمة التي أحدثها في صفوف خصومه الذين كانوا يرتاحون في مواجهة خصم ضعيف مثله، ويشككون في قدراته. وقد وصفه أحدهم بأنه أجمل هدية يقدمها حزب العمال لمنافسه حزب المحافظين. وكما قال الصحافي البريطاني، بيتر أوربون، فإنه "لو كتب له النجاح فإن جيرمي كوربين سيكون أول رئيس حزب بريطاني يأتي تماماً من خارج المؤسسة السياسية البريطانية السائدة منذ مارغريت تاتشر في عام 1975"، وفق تعبير الصحافي.
بغض النظر عن هوية الحزب الذي سينجح في تشكيل الحكومة البريطانية المقبلة، سيكون الطرف المنتصر على مسافة 10 أيام من الانخراط في مفاوضات شاقة ومعقدة مع الدول الأوروبية لضمان خروج سلس وغير مُكلف لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويتعين على الجانبين الجلوس والبدء في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد خلال الأسبوع الذي يبدأ في 19 يونيو/حزيران الحالي، وهو اليوم الذي حددته المفوضية الأوروبية واستعدت له بمطالب رئيسية.
ومما لا شك فيه أن نتيجة انتخابات الخميس ستؤدي دوراً حاسماً في شكل هذه المفاوضات. وتتباين وجهتا نظر الحزبين الرئيسيين، العمال والمحافظين، حول مسار ومصير المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. وبينما تؤكد الزعيمة المحافظة، ماي، أنها مستعدة للخروج من مفاوضات "بريكست" من دون اتفاق ما لم تلب أوروبا احتياجات بريطانيا، يُصر الزعيم العمالي، كوربين، على ضرورة وصول المفاوضات مع الجانب الأوروبي إلى حل. وخلال مناظرة تلفزيونية جرت بين ماي وكوربين يوم 29 مايو/ أيار الماضي، وعدت ماي بأن تكون "حازمة قدر الإمكان" خلال المفاوضات، مفضلة ألا يكون هناك اتفاق بدلاً من القبول بإبرام اتفاق "سيئ".
ويتعهد البرنامج الانتخابي لحزب المحافظين بالخروج من السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي الأوروبي، مع السعي نحو شراكة خاصة وعميقة مع الاتحاد الأوروبي تتضمن اتفاقية شاملة في مجال التجارة الحرة والجمارك.
في المقابل، يقول كوربين إنه سيسعى للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. ويقترح حزب العمال نهجاً بديلاً للخروج الصعب، على أساس استمرار وصول البضائع والسلع والخدمات البريطانية إلى السوق الأوروبية الموحدة، وضمان حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا مقابل ضمان حقوق البريطانيين المقيمين في دول الاتحاد.