06 سبتمبر 2022
الانتفاضة الإيرانية و"البيروسترويكا"
السؤال الكبير اليوم في منطقتنا، وفي العالم، بشأن انتفاضة الشعب الإيراني هو نفسه الذي طرحه العالم إبّان ما عرفت بـ"البيروسترويكا": أتراه الاتحاد السوفييتي، بكل عظمته وجبروته، يسقط؟ والسؤال الآن: أتُراها انتفاضة الشعب الإيراني تنجح في إزالة حكم ولاية الفقيه، ونتائجه على المنطقة؟
وسبب إعادة السؤال أنَّ ثمة مقابلات كثيرة بين النظامين، فكلاهما شمولي مطلق، على الرغم من اختلاف الأفكار والأيديولوجيا، وتباين القوة والنفوذ اللذيْن يميلان حتماً إلى جانب الاتحاد السوفييتي السابق. وكلا النظامين بشَّر بحل، لا لمشكلات شعبه فقط، بل لمشكلات العالم أجمع. وكلاهما أيضاً آمن بتصدير الثورة فكراً وممارسة، وأنفق على ذلك كثيرا مما تملكه بلاده، وكلا النظامين، كذلك، صنع عدواً لبلاده وللعالم، وأخذ يصارعه إعلامياً، ويعبئ الشعوب ضده.
وإذا كان الاتحاد السوفييتي، دولة عظمى على غير صعيد، قد فاجأ العالم متفوقاً في مجال علوم الفضاء، إضافة إلى ما بناه على الصعيدين، الاقتصادي والاجتماعي، دفع الشعب الروسي من ثمنه ملايين الأرواح البشرية قسراً للحياة على التوافق مع مبادئ الفلسفة الماركسية التي اتخذها "دينا"، واستطاع، بل استطاعت بذاتها، وما تملكه من تماسك ونزوع تغييري، أن تغزو عقول مفكرين ومبدعين كثيرين باحثين عن حياة أفضل، ناهيكم بالأحزاب الشيوعية العالمية التي اكتسبت قدراً من الاحترام في بلدانها، بغض النظر عن تبعيتها الكلية للاتحاد السوفييتي. وتحضر هنا مقولة أمين عام الحزب الشيوعي السوري الأسبق، خالد بكداش، على سبيل المثال، عن تلك الحال: "لنا، نحن الشيوعيين، وطنان: سورية والاتحاد السوفييتي". وبكداش هو الذي بارك مع حافظ الأسد الثورة الإيرانية، وعدّها ثورة فقراء ومستضعفين، مستشهداً في إحدى خطبه بالآية القرآنية الكريمة: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ".
إذا كان الاتحاد السوفييتي الذي امتلك تلك القوة وذلك النفوذ، وغير قليل من العظمة، قد سقط، في نهاية المطاف، سقوطاً مذهلاً أمام دهشة العالم، وفي مقدمته الشيوعيون، دونما استطاعة الحزب الشيوعي السوفييتي، ولا الجيش السوفييتي، بملايينهما الكثيرة، أن يفعلا شيئاً في وجه ما عرف في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بالبيرويسترويكا، فإنَّ العالم اليوم ينظر إلى مآل الثورة الإيرانية التي حاكت الاتحاد السوفييتي بفكرٍ نقيض مشبع بالطاقات الروحية وبقيم العدالة، والمساواة بين الناس، واستطاعت أن تكسب جمهوراً واسعاً من المتدينين البسطاء، من دون أن تحقق لهم شيئاً يذكر مع مرور الزمن، فانتفاضة الإيرانيين اليوم تشير إلى غرق الشعب بالفقر، وهو الذي يعيش في بلدٍ يمتلك ثرواتٍ هائلة، يبدّدها نظام ولاية الفقيه على مغامراتٍ خارجيةٍ، ناجمة عن أحلام بل أوهام، لا تنتمي إلى روح العصر الذي نعيشه، ولا إلى موازين قواه التي لا تسمح لدولةٍ ما أن تهيمن على ما حولها من دولٍ تكتنز الثروات بأنواعها.
هذه الانتفاضة الشعبية، كما البيروسترويكا الروسية، تشيران إلى أنَّ الموقف من الإنسان هو جوهر أي نظام، وعلى وجود حريته، وكرامته، وعيشه الهانئ يتوقف كل شيء. فما يحدث اليوم في المدن الإيرانية متوقع، ومنتظر حدوثه، إذ تنبئ عوامل كثيرة بمثله، وبخلخلة النظام الإيراني من أساسه، منها بنيته الفكرية التي تتعارض مع روح العصر، وخصوصاً ما يتعلق منها بالموقف من المرأة في اللباس والزواج وغيرهما. ومن تلك العوامل أيضاً، ولعله الأهم في معايير الانتفاضات، الواقع الاقتصادي الذي تراجع بسبب التوجه نحو التسلح، وما يتطلبه من نفقات باهظة في ظل العقوبات الاقتصادية الأميركية، وكذلك بسبب الإنفاق الفائق القدرة على التدخل في شؤون دول الجوار ما يكره الشعب على التقشّف أكثر فأكثر. وهذا ما حصل، فالأوضاع الداخلية في حالة بؤس، إذ تجاوزت نسبة الفقر 40% من تعداد السكان، منها 20% تحت مستوى خط الفقر بحسب إحصاءات رسمية، وفاقم هذا الأمر إفلاس بنوك عديدة نتيجة التضخم في العملة الإيرانية، في وقتٍ تتنعم فيه الفئات الحاكمة بحياة هانئة، وأملاك واسعة، وأموال فائضة، وبفساد غير مسبوق، يتعارض مع جوهر الفكر الديني، الأمر الذي زاد في عمق الهوَّة اتساعاً، وأفقد رجل الدين الحاكم احترامه الافتراضي.
إضافة إلى أن العدو المفترض لم يتزحزح من مكانه، بل ازداد قوَّة وبأساً، إذ إنَّ أحداً من روسيا وإيران لم يستطع أن يقضي عليه، أو يجعله يتراجع قليلاً، بل إن أحداً من الاثنتين لم يستطع أن يلحق به حضارياً، ما يعني أنَّ الدولتين اللتين نتحدّث عنهما لم تبلغا قوة ذلك العدو في أيِّ مجال من مجالات التنافس الحضاري، اللهم إلا إذا كانتا قد جاريتاه في بعض جوانب القوة العسكرية، ذلك إن لم نتحدّث عن قضية الشعب الفلسطيني التي تُوجر بها، من دون عمل فعلي إيجابي على الأرض.
ويمكن أن تُضاف إلى سوء الأوضاع الداخلية الإيرانية مسألة اضطهاد القوميات الأخرى التي تستعر نارها تحت الرماد منذ عقود طويلة، إذ تركها قمعها واغتيال قادتها جريحة، تتطلع إلى الثأر ما إن تسنح الفرصة بذلك، ناهيكم عن أن شباب بعض تلك القوميات يُسَخَّرون للموت في بلاد الجوار لينالوا بذلك بعض حقوق المواطنة.
وثمة إضافتان أخريان إلى كل ما تقدّم: أنَّ قوى دولية وإقليمية كثيرة غير راضية عمّا تقوم به إيران من تجاوزاتٍ في سياستها الخارجية، ومن تدخلاتها غير المبرّرة. وأن المعارضة الإيرانية عميقة الجذور، وأظنُّها منظمة بما يكفي، ناهيكم عن أن نظام ولاية الفقيه قد نكَّل بقياداتها وكوادرها، وهي التي رافقته في مرحلة النضال ضد نظام الشاه، فأعدم آلافا بالجملة ممن يسمون إخوة أو رفاق درب وكفاح، سواء أكانوا أعضاء منظمة مجاهدي خلق وقيادتها، أم قياديي حزب تودة الذين شاركوا الملالي سجون الشاه، أم أصحاب حقوق قومية مواطنية.
ويبقى السؤال: هل تنجح هذه الانتفاضة، فتغير خريطة المنطقة السياسية، وخصوصاً في هذه المرحلة بالذات التي تشهد محاولاتٍ حثيثة لتصفية أوطان وقضايا؟ ذلك متوقف على كل ما ذكرت، وعلى حركة الحياة التي لا تعرف التوقف أبداً.
وسبب إعادة السؤال أنَّ ثمة مقابلات كثيرة بين النظامين، فكلاهما شمولي مطلق، على الرغم من اختلاف الأفكار والأيديولوجيا، وتباين القوة والنفوذ اللذيْن يميلان حتماً إلى جانب الاتحاد السوفييتي السابق. وكلا النظامين بشَّر بحل، لا لمشكلات شعبه فقط، بل لمشكلات العالم أجمع. وكلاهما أيضاً آمن بتصدير الثورة فكراً وممارسة، وأنفق على ذلك كثيرا مما تملكه بلاده، وكلا النظامين، كذلك، صنع عدواً لبلاده وللعالم، وأخذ يصارعه إعلامياً، ويعبئ الشعوب ضده.
وإذا كان الاتحاد السوفييتي، دولة عظمى على غير صعيد، قد فاجأ العالم متفوقاً في مجال علوم الفضاء، إضافة إلى ما بناه على الصعيدين، الاقتصادي والاجتماعي، دفع الشعب الروسي من ثمنه ملايين الأرواح البشرية قسراً للحياة على التوافق مع مبادئ الفلسفة الماركسية التي اتخذها "دينا"، واستطاع، بل استطاعت بذاتها، وما تملكه من تماسك ونزوع تغييري، أن تغزو عقول مفكرين ومبدعين كثيرين باحثين عن حياة أفضل، ناهيكم بالأحزاب الشيوعية العالمية التي اكتسبت قدراً من الاحترام في بلدانها، بغض النظر عن تبعيتها الكلية للاتحاد السوفييتي. وتحضر هنا مقولة أمين عام الحزب الشيوعي السوري الأسبق، خالد بكداش، على سبيل المثال، عن تلك الحال: "لنا، نحن الشيوعيين، وطنان: سورية والاتحاد السوفييتي". وبكداش هو الذي بارك مع حافظ الأسد الثورة الإيرانية، وعدّها ثورة فقراء ومستضعفين، مستشهداً في إحدى خطبه بالآية القرآنية الكريمة: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ".
إذا كان الاتحاد السوفييتي الذي امتلك تلك القوة وذلك النفوذ، وغير قليل من العظمة، قد سقط، في نهاية المطاف، سقوطاً مذهلاً أمام دهشة العالم، وفي مقدمته الشيوعيون، دونما استطاعة الحزب الشيوعي السوفييتي، ولا الجيش السوفييتي، بملايينهما الكثيرة، أن يفعلا شيئاً في وجه ما عرف في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بالبيرويسترويكا، فإنَّ العالم اليوم ينظر إلى مآل الثورة الإيرانية التي حاكت الاتحاد السوفييتي بفكرٍ نقيض مشبع بالطاقات الروحية وبقيم العدالة، والمساواة بين الناس، واستطاعت أن تكسب جمهوراً واسعاً من المتدينين البسطاء، من دون أن تحقق لهم شيئاً يذكر مع مرور الزمن، فانتفاضة الإيرانيين اليوم تشير إلى غرق الشعب بالفقر، وهو الذي يعيش في بلدٍ يمتلك ثرواتٍ هائلة، يبدّدها نظام ولاية الفقيه على مغامراتٍ خارجيةٍ، ناجمة عن أحلام بل أوهام، لا تنتمي إلى روح العصر الذي نعيشه، ولا إلى موازين قواه التي لا تسمح لدولةٍ ما أن تهيمن على ما حولها من دولٍ تكتنز الثروات بأنواعها.
هذه الانتفاضة الشعبية، كما البيروسترويكا الروسية، تشيران إلى أنَّ الموقف من الإنسان هو جوهر أي نظام، وعلى وجود حريته، وكرامته، وعيشه الهانئ يتوقف كل شيء. فما يحدث اليوم في المدن الإيرانية متوقع، ومنتظر حدوثه، إذ تنبئ عوامل كثيرة بمثله، وبخلخلة النظام الإيراني من أساسه، منها بنيته الفكرية التي تتعارض مع روح العصر، وخصوصاً ما يتعلق منها بالموقف من المرأة في اللباس والزواج وغيرهما. ومن تلك العوامل أيضاً، ولعله الأهم في معايير الانتفاضات، الواقع الاقتصادي الذي تراجع بسبب التوجه نحو التسلح، وما يتطلبه من نفقات باهظة في ظل العقوبات الاقتصادية الأميركية، وكذلك بسبب الإنفاق الفائق القدرة على التدخل في شؤون دول الجوار ما يكره الشعب على التقشّف أكثر فأكثر. وهذا ما حصل، فالأوضاع الداخلية في حالة بؤس، إذ تجاوزت نسبة الفقر 40% من تعداد السكان، منها 20% تحت مستوى خط الفقر بحسب إحصاءات رسمية، وفاقم هذا الأمر إفلاس بنوك عديدة نتيجة التضخم في العملة الإيرانية، في وقتٍ تتنعم فيه الفئات الحاكمة بحياة هانئة، وأملاك واسعة، وأموال فائضة، وبفساد غير مسبوق، يتعارض مع جوهر الفكر الديني، الأمر الذي زاد في عمق الهوَّة اتساعاً، وأفقد رجل الدين الحاكم احترامه الافتراضي.
إضافة إلى أن العدو المفترض لم يتزحزح من مكانه، بل ازداد قوَّة وبأساً، إذ إنَّ أحداً من روسيا وإيران لم يستطع أن يقضي عليه، أو يجعله يتراجع قليلاً، بل إن أحداً من الاثنتين لم يستطع أن يلحق به حضارياً، ما يعني أنَّ الدولتين اللتين نتحدّث عنهما لم تبلغا قوة ذلك العدو في أيِّ مجال من مجالات التنافس الحضاري، اللهم إلا إذا كانتا قد جاريتاه في بعض جوانب القوة العسكرية، ذلك إن لم نتحدّث عن قضية الشعب الفلسطيني التي تُوجر بها، من دون عمل فعلي إيجابي على الأرض.
ويمكن أن تُضاف إلى سوء الأوضاع الداخلية الإيرانية مسألة اضطهاد القوميات الأخرى التي تستعر نارها تحت الرماد منذ عقود طويلة، إذ تركها قمعها واغتيال قادتها جريحة، تتطلع إلى الثأر ما إن تسنح الفرصة بذلك، ناهيكم عن أن شباب بعض تلك القوميات يُسَخَّرون للموت في بلاد الجوار لينالوا بذلك بعض حقوق المواطنة.
وثمة إضافتان أخريان إلى كل ما تقدّم: أنَّ قوى دولية وإقليمية كثيرة غير راضية عمّا تقوم به إيران من تجاوزاتٍ في سياستها الخارجية، ومن تدخلاتها غير المبرّرة. وأن المعارضة الإيرانية عميقة الجذور، وأظنُّها منظمة بما يكفي، ناهيكم عن أن نظام ولاية الفقيه قد نكَّل بقياداتها وكوادرها، وهي التي رافقته في مرحلة النضال ضد نظام الشاه، فأعدم آلافا بالجملة ممن يسمون إخوة أو رفاق درب وكفاح، سواء أكانوا أعضاء منظمة مجاهدي خلق وقيادتها، أم قياديي حزب تودة الذين شاركوا الملالي سجون الشاه، أم أصحاب حقوق قومية مواطنية.
ويبقى السؤال: هل تنجح هذه الانتفاضة، فتغير خريطة المنطقة السياسية، وخصوصاً في هذه المرحلة بالذات التي تشهد محاولاتٍ حثيثة لتصفية أوطان وقضايا؟ ذلك متوقف على كل ما ذكرت، وعلى حركة الحياة التي لا تعرف التوقف أبداً.