منذ انطلاقها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تكن الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، التي شاركت فيها غزة بمواجهات على الحدود ونقاط التماس، حركة منظمة يمكن السيطرة أو التغلب عليها بالضربة القاضية، ما مكنها من الاستمرار طوال الأشهر الماضية.
وتغلّبت الانتفاضة الفلسطينية على الكثير من العراقيل الداخلية والخارجية، رغم الرهان الإسرائيلي على القمع لمواجهتها، إلا أنّ القمع كان يزيدها قوة وحضوراً، وكأنها في حالة عناد مع المحتل الإسرائيلي، رغم كل المعوقات والعراقيل.
وارتبطت الانتفاضة الحالية (انتفاضة القدس)، والانتفاضات الفلسطينية السابقة (انتفاضة الحجارة، وانتفاضة الأقصى)، بحالة ترابط مع العدوان الإسرائيلي والوحشية، فكلما كانت القسوة الاسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين، كانت الانتفاضة تشتد ولا تتوقف.
في هذا السياق، يلفت الناشط السياسي في حركة "حماس"، حازم قاسم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "من خصائص الانتفاضة، عدم وجود مستوى معيّن من الفعاليات وعمليات المقاومة، فهي تتصاعد ثم تهدأ فترة لتعاود فعلها من جديد".
ويوضح قاسم أنّ "حماس تعتبر أنّ كل عوامل استمرار هذه الانتفاضة موجودة، فالاحتلال الإسرائيلي ما يزال يمارس هواياته الاستعمارية بنهب الأرض، وتهجير أهلها، وتوسيع الاستيطان، والتعدي على المقدسات، والتضييق الاقتصادي".
ويلفت قاسم إلى أنّ "هذا الجيل الفلسطيني قرر الانتفاض ضد الاحتلال، وضد فكرة التعايش معه مرة واحدة، إلى أن يحقق هدفه بالحرية الكاملة للأرض والإنسان الفلسطيني"، مؤكداً "دعم حركته وإسنادها للانتفاضة حتى تحقق أهدافها".
ويشير إلى "ضرورة انخراط جميع الفلسطينيين في فعاليات الانتفاضة، والابتعاد عن الاعتبارات الحزبية والفئوية الضيقة، واعتبارها فرصة استراتيجية لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتحقيق هدف التحرر من الاحتلال". ويشدد قاسم على أنّ "حماس لا تخشى من انتهاء الانتفاضة، فهبوط منسوب العمليات نتيجة متوقعة لضغط الاحتلال الإسرائيلي، وتصاعد التنسيق الأمني الذي تمارسه السلطة في الضفة والذي منع مئات العمليات، حسب اعتراف قادة السلطة أنفسهم بمن فيهم الرئيس محمود عباس".
كما يؤكد أنّ "الشعب الفلسطيني سيظلّ قادراً على خلق الوسائل وتحدي الواقع لاستمرار الانتفاضة"، موضحاً أنّ "فكرة الانتفاضة ليست ردة فعل على سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بل هي نتاج إعلان هذا الجيل تمرده على الاحتلال وأدواته، وأنه سيمارس حقه الطبيعي بمقاومة المحتل".
ويشير حبيب إلى أنّ "تنكّر الاحتلال للحقوق الفلسطينية وعدم اعترافه بها سيعزز من اشتعال الانتفاضة، إلى حين تمكن الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه وأرضه الكاملة"، داعياً إلى "ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني والتوافق على خيار الانتفاضة الشعبية كخيار أساسي في المرحلة الحالية، وتوفير الغطاء الكامل من قبل القيادة الفلسطينية لدعمها من أجل استعادة الحقوق في ظل تصاعد الجرائم الإسرائيلية".
ويوضح حبيب أنّ "انتفاضة القدس ستشهد تصاعداً عسكرياً خلال الأسابيع المقبلة، بفعل الإجراءات الإسرائيلية التي يقوم بها في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وتوسّع حالة الغضب الشعبي الفلسطيني من الاحتلال وعدوانه".
في السياق، يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، ثابت العمور في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "تتبّع الحالة الفلسطينية الثورية والنضالية والانتفاضية التي يقابلها سلوك إسرائيلي عدواني وعدائي، يجد أنّ إسرائيل استخدمت كل الوسائل بما فيها كسر العظام، لكنها لم تستطع أنّ توقف الانتفاضة وتجهضها".
ويوضح العمور أنه "حتى عندما التفّت إسرائيل على انتفاضة الحجارة عبر اتفاق أوسلو، لم يصمد هذا الاتفاق أكثر من ست سنوات، وفي عام 2000 اندلعت انتفاضة ثانية كانت أقوى وأشد وأكثر فعالية من الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1993)، والآن انتفاضة القدس بإحداثياتها وأحداثها ونوعيتها وعمقها، بدت أكثر حضوراً وضرباً في العمق الإسرائيلي".
ويشير العمور إلى أنّ "الانتفاضة فعل مستمر ومتواصل وباق ببقاء هذا الاحتلال، ولا يمكن انتفاؤه أو إنهاؤه، وقد يتراجع الفعل أحياناً، وقد تختلف أدواته ومواقعه وحساباته في أحيان أخرى، لكنّ الانتفاضة لا تتوقف، وبقاء الانتفاضة بقاء للوجود الفلسطيني". ويبينّ أنّ "جيل الانتفاضة الحالية، ولد وعاش ونشأ وتربى عقب اتفاق أوسلو أو في ظل الاتفاق، إلا أنه لم يُروّض كما كانت تظن اسرائيل، وهو الجيل الذي يخط الانتفاضة الآن ويصنعها، ولم يخدعه السلام الزائف الذي تريده إسرائيل".