رغم اتهامات السلطة للقنوات اللبنانية بتأجيج الشارع والتحريض على الاستمرار في التظاهر، فإنّ مراجعة أداء المحطات بعد شهر من انطلاق الانتفاضة، تكشف هشاشتها، وسطحيتها في التعامل مع غضب الشارع.
القنوات التي تأسست وانطلقت وفق تقسيمة سياسية وطائفية لرخص البثّ، اعتادت طيلة أكثر من عشرين عاماً على تغطية كل التحركات في الشارع، بحسب قواعد الانقسام اللبناني المعروفة والتقليدية، أي الانقسام الطائفي، وهو ما حصل على سبيل المثال في تظاهرتَي 8 و14 مارس/آذار 2005. لكن للمرة الأولى وجدت التلفزيونات نفسها أمام انقسام طبقيّ، انقسام يتجاوز قواعد العمل التي اعتادت عليها، فبدت عاجزة للوهلة الأولى عن فهم الشارع. حاول المراسلون إعادة الكرة إلى ملعبهم في بداية التظاهرات، فرأيناهم يجوبون على المحتجين، ويسألونهم عن الطرف السياسيّ الذي شجّعهم على النزول إلى الشارع، علّهم يحصلون على إجابات تعيدهم إلى مربعهم الآمن، في مقاربة التظاهرات، مقاربة طائفية. لكن ذلك لم يحصل.
بدا الإعلام غافلاً، لا يعرف من هم هؤلاء الذين انفجر غضبهم مرة واحدة في الشارع.
ومع كل ساعة بثّ مباشر، كانت حكايات القهر والذل والغضب تزداد. تتراكم قصص اللبنانيين الذين طفح بهم الكيل. تملأ الشاشات، وتكاد لا تنتهي. لكل لبناني في الشارع حكاية: والدة ماتت من دون امتلاك عائلتها كلفة العلاج، أب اضطر إلى إرسال أطفاله إلى سوق العمل لأن لا قدرة لديه على تعليمهم، مراهقون لا يريدون الهجرة من بلدهم... وتحت وطأة كل هذا الوجع، فتحت القنوات هواءها طيلة الليل والنهار. مراسلون ومراسلات يجوبون المناطق، ويفتحون الهواء للمتظاهرين. استمع المشاهد إلى كل ما كان محرّماً قبل أسابيع فقط: اتهام هذا الوزير وذاك الرئيس بالفساد، شتائم مباشرة على الهواء من دون حذف، هتافات مناصرة للاجئين السوريين والفلسطينيين في وجه عنصرية وزير الخارجية جبران باسيل.
اقــرأ أيضاً
قناة MTV التي بدت الأكثر حماسة للتظاهرات، حاولت في الأيام الأخيرة استعادة جزء من برمجتها المعتادة وتطويعها لمجاراة الأحداث في الشارع. لكن عدا عن ذلك، فشلت في تقديم أية إضافة للمشاهد، إذ اعتمدت فقط على الهواء المفتوح، وبعض الحوارات التقليدية.
طبعاً تبقى قناة OTV محطة "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية التي قادت الثورة المضادة، عبر سلسلة لا متناهية من الأخبار الكاذبة والشائعات والتحريض وخطاب الكراهية، والتقارير التي تربط الانتفاضة بمؤامرة كونية على رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله اللبناني.
القنوات التي تأسست وانطلقت وفق تقسيمة سياسية وطائفية لرخص البثّ، اعتادت طيلة أكثر من عشرين عاماً على تغطية كل التحركات في الشارع، بحسب قواعد الانقسام اللبناني المعروفة والتقليدية، أي الانقسام الطائفي، وهو ما حصل على سبيل المثال في تظاهرتَي 8 و14 مارس/آذار 2005. لكن للمرة الأولى وجدت التلفزيونات نفسها أمام انقسام طبقيّ، انقسام يتجاوز قواعد العمل التي اعتادت عليها، فبدت عاجزة للوهلة الأولى عن فهم الشارع. حاول المراسلون إعادة الكرة إلى ملعبهم في بداية التظاهرات، فرأيناهم يجوبون على المحتجين، ويسألونهم عن الطرف السياسيّ الذي شجّعهم على النزول إلى الشارع، علّهم يحصلون على إجابات تعيدهم إلى مربعهم الآمن، في مقاربة التظاهرات، مقاربة طائفية. لكن ذلك لم يحصل.
بدا الإعلام غافلاً، لا يعرف من هم هؤلاء الذين انفجر غضبهم مرة واحدة في الشارع.
ومع كل ساعة بثّ مباشر، كانت حكايات القهر والذل والغضب تزداد. تتراكم قصص اللبنانيين الذين طفح بهم الكيل. تملأ الشاشات، وتكاد لا تنتهي. لكل لبناني في الشارع حكاية: والدة ماتت من دون امتلاك عائلتها كلفة العلاج، أب اضطر إلى إرسال أطفاله إلى سوق العمل لأن لا قدرة لديه على تعليمهم، مراهقون لا يريدون الهجرة من بلدهم... وتحت وطأة كل هذا الوجع، فتحت القنوات هواءها طيلة الليل والنهار. مراسلون ومراسلات يجوبون المناطق، ويفتحون الهواء للمتظاهرين. استمع المشاهد إلى كل ما كان محرّماً قبل أسابيع فقط: اتهام هذا الوزير وذاك الرئيس بالفساد، شتائم مباشرة على الهواء من دون حذف، هتافات مناصرة للاجئين السوريين والفلسطينيين في وجه عنصرية وزير الخارجية جبران باسيل.
لكن عدا البث المباشر، والهواء المفتوح لم تقدّم القنوات أي عمل إعلامي حقيقي في الأسبوعَين الأولين من الانتفاضة. بدت التلفزيونات بكل كوادرها، وملايينها، وعلاقاتها عاجزة عن اللحاق بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي. هناك كان الإعلام الحقيقي. فيديوهات تعيدنا إلى حقيقة الفساد المعشش في كل مؤسسات الدولة منذ عام 1990، ملصقات لأماكن التظاهرات وإقفال الطرقات، نقل حيّ لنقاشات سياسية واقتصادية وثقافية كانت تدور في الساحات، وتغريدات لصحافيين وأساتذة متخصصين عن أساليب الخروج من الأزمة الاقتصادي والمالية. من يحتاج إلى التلفزيون بينما "تويتر"، و"فيسبوك" يقدّمان كل ما يحتاجه المواطن من معلومات؟
أدركت المحطات المحلية هذا الواقع، ومع انتصاف الشهر الأول من الانتفاضة بدأت قناة "الجديد" بإعادة فتح ملفات الفساد التي سبق أن عرضت تفاصيلها قبل أشهر من دون التفات القضاء أو الرأي العام لها. هذه المرة بدت الخطوة موفّقة، وبات الفاسدون يسمّون بأسمائهم. قناة LBCI من جهتها حاولت اللحاق بزميلتها "الجديد"، لكن بطريقة مختلفة. قدّمت كل ليلة حلقة حوارية مباشرة من إحدى ساحات التظاهر. ثمّ ابتكرت استديو خاصاً تستقبل فيه سياسيين ومحللين ومن سمّتهم "إنفلونسرز الثورة". قناة MTV التي بدت الأكثر حماسة للتظاهرات، حاولت في الأيام الأخيرة استعادة جزء من برمجتها المعتادة وتطويعها لمجاراة الأحداث في الشارع. لكن عدا عن ذلك، فشلت في تقديم أية إضافة للمشاهد، إذ اعتمدت فقط على الهواء المفتوح، وبعض الحوارات التقليدية.
طبعاً تبقى قناة OTV محطة "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية التي قادت الثورة المضادة، عبر سلسلة لا متناهية من الأخبار الكاذبة والشائعات والتحريض وخطاب الكراهية، والتقارير التي تربط الانتفاضة بمؤامرة كونية على رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله اللبناني.