08 نوفمبر 2024
الانفصال الانتحاري
لا يمكن التكهن بما كان يدور في أذهان المسؤولين في إقليم كردستان العراقي ومقاطعة كتالونيا الإسبانية، عندما أصروا على المضي في خطوتي الاستفتاء على الانفصال، في ظل معطيات سياسية لا تصب بالمطلق في صالحهما. وهي معطياتٌ كانت ظاهرةً قبل المضي في الخطوة المتهورة، سواء بالنسبة إلى الأكراد في العراق أو الكتالونيين في إسبانيا، مع فارق الإمكانات الكبير بين الاثنين، في المعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية، إلا أنه بالمحصلة جاءت النتيجة واحدة بالنسبة إلى الاثنين، لتتلخص بـ "الانتحار السياسي".
بالنسبة إلى إقليم كردستان، لم تمض الأمور كما خطط لها مسؤولوه، بل انزلقت إلى ما هو أكثر خطورة، ويطاول القضية الكردية بالمطلق، بعدما اختار الإقليم الذهاب إلى الاستفتاء، على الرغم من التحذيرات الكثيرة والجدية التي سبقته، والتي أوحت أن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه اليوم. ضرب المسؤولون الأكراد كل هذه التحذيرات عرض الحائط، وذهبوا إلى التصويت وإعلان النتائج. وعلى الرغم من عدم إقرار خطوة الانفصال، إلا أن التداعيات العسكرية لم تتأخر، عبر المعارك في كركوك التي سارعت بغداد إلى السيطرة عليها، ليصبح المطلب الكردي الأساس هو العودة إلى الأوضاع التي كانت سائدة بعد عام 2003، وهو مطلبٌ غير مضمون التحقق إلى الآن. إذ يبدو أن هناك قراراً بمعاقبة مسؤولي كردستان على تعنّتهم، وخصوصاً من الولايات المتحدة التي لم تكن رافضة بالمطلق للاستفتاء، بقدر ما كانت متحفظةً على توقيته، وهو ما أوصله المسؤولون الأميركيون إلى قادة الإقليم، غير أنه لم يلق آذاناً صاغية. لتتدحرج الأوضاع إلى المواجهات العسكرية القائمة بين القوات العراقية، المدعومة من الحشد الشعبي، والبشمركة الكردية، والتي تنذر، في حال تطورها، بالوصول إلى أربيل، وإسقاط الاستقلالية القائمة في الإقليم.
هذا السيناريو، وإن كان مستبعداً أو بعيداً في كردستان، إلا أنه بات قريباً جداً في كتالونيا، والتي سار مسؤولوها أيضاً على هدي نظرائهم الأكراد، على الرغم من الفارق في الإمكانات، العسكرية تحديداً، بين الجانبين. فإذا كان الأكراد يعولون على امتلاكهم جيشاً شبه نظامي يمكّنهم من تأمين الحد الأدنى من الدفاع عن النفس، فإن المسؤولين في كتالونيا لا يمتلكون أكثر من قوات شرطية منخفضة التسليح، لا يكون في وسعها التصدي للقوات الإسبانية في حال قرّرت الدخول إلى المقاطعة لفرض الوصاية عليها بالقوة، وهو ما بات قاب قوسين أو أدنى، في حال أصر مسؤولو كتالونيا على رفض قرارات مدريد، والتي تحظى بضوء أخضر أميركي وأوروبي للحفاظ على الوحدة الإسبانية بكل الوسائل الممكنة، وهو ما ظهر في بيان الخارجية الأميركية، إضافة إلى مواقف كل من فرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية. فبالنسبة لهؤلاء، يمثل انفصال كتالونيا حجر الدومينو الأول الذي سيقود مناطق أوروبية كثيرة إلى الاحتذاء بالمقاطعة الإسبانية، وهو ما لا يحتمله الاتحاد الأوروبي حالياً.
هذه المعطيات كان من المفترض أن تكون واضحة للمسؤولين الكتالونيين، إذ إنه لم يصدر أي موقف يعلن دعم خطوة "الاستقلال" أو يؤكد نيته الاعتراف بـ "الجمهورية الوليدة" الطامحة للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك مضوا إلى النهاية في خطوتهم الانفصالية.
ما بين كتالونيا وكردستان، هو انتحار سياسي واحد، سيدفع ثمنه أبناء المقاطعة والإقليم، لفترة قد تطول.
بالنسبة إلى إقليم كردستان، لم تمض الأمور كما خطط لها مسؤولوه، بل انزلقت إلى ما هو أكثر خطورة، ويطاول القضية الكردية بالمطلق، بعدما اختار الإقليم الذهاب إلى الاستفتاء، على الرغم من التحذيرات الكثيرة والجدية التي سبقته، والتي أوحت أن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه اليوم. ضرب المسؤولون الأكراد كل هذه التحذيرات عرض الحائط، وذهبوا إلى التصويت وإعلان النتائج. وعلى الرغم من عدم إقرار خطوة الانفصال، إلا أن التداعيات العسكرية لم تتأخر، عبر المعارك في كركوك التي سارعت بغداد إلى السيطرة عليها، ليصبح المطلب الكردي الأساس هو العودة إلى الأوضاع التي كانت سائدة بعد عام 2003، وهو مطلبٌ غير مضمون التحقق إلى الآن. إذ يبدو أن هناك قراراً بمعاقبة مسؤولي كردستان على تعنّتهم، وخصوصاً من الولايات المتحدة التي لم تكن رافضة بالمطلق للاستفتاء، بقدر ما كانت متحفظةً على توقيته، وهو ما أوصله المسؤولون الأميركيون إلى قادة الإقليم، غير أنه لم يلق آذاناً صاغية. لتتدحرج الأوضاع إلى المواجهات العسكرية القائمة بين القوات العراقية، المدعومة من الحشد الشعبي، والبشمركة الكردية، والتي تنذر، في حال تطورها، بالوصول إلى أربيل، وإسقاط الاستقلالية القائمة في الإقليم.
هذا السيناريو، وإن كان مستبعداً أو بعيداً في كردستان، إلا أنه بات قريباً جداً في كتالونيا، والتي سار مسؤولوها أيضاً على هدي نظرائهم الأكراد، على الرغم من الفارق في الإمكانات، العسكرية تحديداً، بين الجانبين. فإذا كان الأكراد يعولون على امتلاكهم جيشاً شبه نظامي يمكّنهم من تأمين الحد الأدنى من الدفاع عن النفس، فإن المسؤولين في كتالونيا لا يمتلكون أكثر من قوات شرطية منخفضة التسليح، لا يكون في وسعها التصدي للقوات الإسبانية في حال قرّرت الدخول إلى المقاطعة لفرض الوصاية عليها بالقوة، وهو ما بات قاب قوسين أو أدنى، في حال أصر مسؤولو كتالونيا على رفض قرارات مدريد، والتي تحظى بضوء أخضر أميركي وأوروبي للحفاظ على الوحدة الإسبانية بكل الوسائل الممكنة، وهو ما ظهر في بيان الخارجية الأميركية، إضافة إلى مواقف كل من فرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية. فبالنسبة لهؤلاء، يمثل انفصال كتالونيا حجر الدومينو الأول الذي سيقود مناطق أوروبية كثيرة إلى الاحتذاء بالمقاطعة الإسبانية، وهو ما لا يحتمله الاتحاد الأوروبي حالياً.
هذه المعطيات كان من المفترض أن تكون واضحة للمسؤولين الكتالونيين، إذ إنه لم يصدر أي موقف يعلن دعم خطوة "الاستقلال" أو يؤكد نيته الاعتراف بـ "الجمهورية الوليدة" الطامحة للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك مضوا إلى النهاية في خطوتهم الانفصالية.
ما بين كتالونيا وكردستان، هو انتحار سياسي واحد، سيدفع ثمنه أبناء المقاطعة والإقليم، لفترة قد تطول.