25 اغسطس 2016
الانقلاب تركي والخلاف عربي
سامية أنور دنون (فلسطين)
متى كان العرب متفقين؟ ومتى كانوا أمّة واحدة؟ فجميعنا يعلم أنّه "اتفق العرب على أن لا يتفقوا"، وكأنّ خلافهم هذا في كل أمر، وأيّ أمر، أزليّ أبديّ، فالمثل: "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، مقولة عاطلة العمل عند العرب، فالعرب أعداء العرب، "وإن كان الشأن غير عربي أصلا"، فعلى الرغم من أنّ الانقلاب تركي محض؛ إلا أنّ الخلاف كان عربياً محضاً، بل ربّما كان الخلاف الدائر بين السياسات العربية من أجل الحدث التركي الراهن أشدّ وطأة من الخلاف التركي التركي!
انقسمت البلاد العربية، كعادتها، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا؛ إلى صفين متلاحمين سياسياً وإعلامياً، وتفاقم الانقسام بينهما إلى توظيفه في خلافات وصراعات سياسية داخلية، لتحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب، حتى بات الحدث التركي، المحرّك الأوّل والأساسي لجميع السياسات العربية في الآونة الاخيرة، ففريق أيّد الانقلاب على الرئيس أردوغان منذ السويعات الأولى، بكل ما أوتي من أعلام ولسان وفصاحة، حتى أنّ المتابع لإعلامهم يكاد ينفصل عن حقيقة الحدث ومجرياته، فيتأكد يقيناَ من نجاح الانقلاب وسقوط الرئيس التركي، محمّلين إياه كلّ نقيصة وبذيئة، فرحين بما أصابه وشعبه وبلده، راجين من الله زواله بلا رجعة. وفريق آخر ناصر أردوغان ونظامه، فوقف مدافعاَ عنه دفاع المستميت على ماله وعرضه، فأيّده في كلّ سبيل وطريق سلكه بعد فشل الانقلاب، ومبرراً له كل نهج ينهجه، غير متوان في إلقاء التهم على كل من أثيرت حوله الشكوك أو الظن بضلوعه أو توّرطه بالانقلاب، وكأنّ المتهم لم يكن يوماً بريئاً حتى تثبت إدانته!
كلا الفريقين كان يتحدث في قنواته الفضائية بما تهوى نفسه وتحب من تحليلاتٍ سياسية أو تصريحاتٍ بلا منطق ولا حياد، وكأنّ الساحة ساحة حرب ونزال، وليست أعلام وفكر، وبين هذا وذاك ضاع الحدث نفسه، وضاعت القضية نفسها، فلم تعد محاولة الانقلاب الفاشلة سيّد الموقف السياسي والإعلامي العربي! والتي لو نجحت لأودت بتركيا والمنطقة بأكملها إلى انزلاقات أعظم بكثير مما أودت به الانقلابات العسكرية السابقة في المنطقة، والتي أفضى عنها انقلاب حقيقي في السياسة التركية داخلياً وإقليمياً وعالمياً، بل أصبح التحليل "المنحاز" والتعليق السيء والرديء، هو سيّد الموقف والكلمة في المحطات العربية، هذا عوضاَ عن تراشق السياسات العربية وإعلامها فيما بينها، جرّاء تصريحات بعضها البعض إزاء الحدث التركي الراهن، حتى أنّ الأمر وصل بأحد الفريقين باتهام الآخر بضلوعه ومشاركته في الانقلاب على الرئيس التركي، فردّ عليه الآخر بتخوينه وتأييده للإرهاب ومنظماته، فضاع حابل العرب بنابلهم، وحوّلوا الساحة الإعلامية إلى معركة عربية عربية، الفائز فيها هو الأكثر إساءة للآخر، والأكثر اتهاماً له، فهنيئاً لكلّ متابعي القنوات العربية، والذين يمتّعون آذانهم يوميا بكل تلك الشتائم والاتهامات المتبادلة بين المحطات العربية، على ألسنة خبرائها وصفوة المفكرين السياسيين فيها.
باتت سياسة الخلاف والاختلاف عند العرب أمراً بديهي، في كلّ أمر وأيّ أمر؛ وإنّ كان ما يختلفون عليه بعيداً عن قضاياهم ونزاعاتهم الإقليمية والمحلية، فلو كان محل الخلاف هو شأن داخلي لإحدى الدول العربية؛ لكان بمقدور استطاعتنا أن نستوعب، ولو قليلا، أنّ المصالح المتضاربة بين العرب، هي الدافع وراء اختلافهم. ولكن، عندما يكون الشأن هو شأن خارجي برمته؛ فكيف لنا أن ندرك سبب كلّ هذا الكم من الخلاف بل من التناحر بين الدول العربية، فإن كانت مصالح بعض الدول العربية منسجمة مع سياسة أردوغان ونظامه ومؤيدة له؛ وإن كانت مصالح وسياسة دول عربية أخرى لا تنسجم والنظام الرئاسي التركي، فهذا لا يعني نبتعد كل هذا البعد عن التحليل المنطقي الذي افتقدته أكثرية محطات الدول العربية، وتميّزت به المحطات الإعلامية الاجنبية، التي ناقشت الحدث بكثير من الموضوعية والحياد، على الرغم من تضارب المصالح السياسية بين تركيا وأنظمة بلادها، ولا يعني أيضاً أن تلقي كل بلد عربية على شقيقتها الأخرى تهمة دعم الإرهاب والخيانة، وتجعل منها مرمىً لقذائفها الإعلامية الفاضحة، ولا يعني أيضاً أن قتل المنطق والحياد في مناقشة الأمر على وجهه الصحيح والسليم، من دون أن يغفل الأول عينه عن بعض التجاوزات المناهضة للقانون والحريات التي قد تقع من النظام التركي، كحالة الاعتقالات الواسعة، واتهام كل منتسب لمؤسسات غولن بالخيانة، وطلب الإعدام لكل مشترك أو مؤيد للانقلاب، كما أنه لا يعني أن يميل الفريق الثاني كل هذا الميل في العداء والكراهية لنظام أردوغان، متمنياً له الانغماس في ظلمات الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية.
انقسمت البلاد العربية، كعادتها، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا؛ إلى صفين متلاحمين سياسياً وإعلامياً، وتفاقم الانقسام بينهما إلى توظيفه في خلافات وصراعات سياسية داخلية، لتحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب، حتى بات الحدث التركي، المحرّك الأوّل والأساسي لجميع السياسات العربية في الآونة الاخيرة، ففريق أيّد الانقلاب على الرئيس أردوغان منذ السويعات الأولى، بكل ما أوتي من أعلام ولسان وفصاحة، حتى أنّ المتابع لإعلامهم يكاد ينفصل عن حقيقة الحدث ومجرياته، فيتأكد يقيناَ من نجاح الانقلاب وسقوط الرئيس التركي، محمّلين إياه كلّ نقيصة وبذيئة، فرحين بما أصابه وشعبه وبلده، راجين من الله زواله بلا رجعة. وفريق آخر ناصر أردوغان ونظامه، فوقف مدافعاَ عنه دفاع المستميت على ماله وعرضه، فأيّده في كلّ سبيل وطريق سلكه بعد فشل الانقلاب، ومبرراً له كل نهج ينهجه، غير متوان في إلقاء التهم على كل من أثيرت حوله الشكوك أو الظن بضلوعه أو توّرطه بالانقلاب، وكأنّ المتهم لم يكن يوماً بريئاً حتى تثبت إدانته!
كلا الفريقين كان يتحدث في قنواته الفضائية بما تهوى نفسه وتحب من تحليلاتٍ سياسية أو تصريحاتٍ بلا منطق ولا حياد، وكأنّ الساحة ساحة حرب ونزال، وليست أعلام وفكر، وبين هذا وذاك ضاع الحدث نفسه، وضاعت القضية نفسها، فلم تعد محاولة الانقلاب الفاشلة سيّد الموقف السياسي والإعلامي العربي! والتي لو نجحت لأودت بتركيا والمنطقة بأكملها إلى انزلاقات أعظم بكثير مما أودت به الانقلابات العسكرية السابقة في المنطقة، والتي أفضى عنها انقلاب حقيقي في السياسة التركية داخلياً وإقليمياً وعالمياً، بل أصبح التحليل "المنحاز" والتعليق السيء والرديء، هو سيّد الموقف والكلمة في المحطات العربية، هذا عوضاَ عن تراشق السياسات العربية وإعلامها فيما بينها، جرّاء تصريحات بعضها البعض إزاء الحدث التركي الراهن، حتى أنّ الأمر وصل بأحد الفريقين باتهام الآخر بضلوعه ومشاركته في الانقلاب على الرئيس التركي، فردّ عليه الآخر بتخوينه وتأييده للإرهاب ومنظماته، فضاع حابل العرب بنابلهم، وحوّلوا الساحة الإعلامية إلى معركة عربية عربية، الفائز فيها هو الأكثر إساءة للآخر، والأكثر اتهاماً له، فهنيئاً لكلّ متابعي القنوات العربية، والذين يمتّعون آذانهم يوميا بكل تلك الشتائم والاتهامات المتبادلة بين المحطات العربية، على ألسنة خبرائها وصفوة المفكرين السياسيين فيها.
باتت سياسة الخلاف والاختلاف عند العرب أمراً بديهي، في كلّ أمر وأيّ أمر؛ وإنّ كان ما يختلفون عليه بعيداً عن قضاياهم ونزاعاتهم الإقليمية والمحلية، فلو كان محل الخلاف هو شأن داخلي لإحدى الدول العربية؛ لكان بمقدور استطاعتنا أن نستوعب، ولو قليلا، أنّ المصالح المتضاربة بين العرب، هي الدافع وراء اختلافهم. ولكن، عندما يكون الشأن هو شأن خارجي برمته؛ فكيف لنا أن ندرك سبب كلّ هذا الكم من الخلاف بل من التناحر بين الدول العربية، فإن كانت مصالح بعض الدول العربية منسجمة مع سياسة أردوغان ونظامه ومؤيدة له؛ وإن كانت مصالح وسياسة دول عربية أخرى لا تنسجم والنظام الرئاسي التركي، فهذا لا يعني نبتعد كل هذا البعد عن التحليل المنطقي الذي افتقدته أكثرية محطات الدول العربية، وتميّزت به المحطات الإعلامية الاجنبية، التي ناقشت الحدث بكثير من الموضوعية والحياد، على الرغم من تضارب المصالح السياسية بين تركيا وأنظمة بلادها، ولا يعني أيضاً أن تلقي كل بلد عربية على شقيقتها الأخرى تهمة دعم الإرهاب والخيانة، وتجعل منها مرمىً لقذائفها الإعلامية الفاضحة، ولا يعني أيضاً أن قتل المنطق والحياد في مناقشة الأمر على وجهه الصحيح والسليم، من دون أن يغفل الأول عينه عن بعض التجاوزات المناهضة للقانون والحريات التي قد تقع من النظام التركي، كحالة الاعتقالات الواسعة، واتهام كل منتسب لمؤسسات غولن بالخيانة، وطلب الإعدام لكل مشترك أو مؤيد للانقلاب، كما أنه لا يعني أن يميل الفريق الثاني كل هذا الميل في العداء والكراهية لنظام أردوغان، متمنياً له الانغماس في ظلمات الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية.
مقالات أخرى
18 اغسطس 2016
30 يوليو 2016
05 مايو 2016