النقلات النوعية التي نعيشها عبر مواقع التواصل الاجتماعي كل يوم مثيرة، وما كنا نعتبره بالأمس القريب أمراً يحتاج إلى تجهيزات كبيرة وأدوات مختلفة ليتحقق أصبح اليوم أمراً من بديهيات الحياة اليومية، ولعل ظهورك ببث مباشر وحي من أي مكان في العالم كانت تُعنى به شاشات التلفزة فقط، اليوم أصبح جزءا من مزايا لا تعد ولا تحصى لمواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها فيسبوك وتويتر اللذان تفوقا على أنفسهما بإتاحة خدمة كانت تحتاج إلى ترتيبات معقدة حتى تظهر لدقائق عبر شاشات التلفزة ببث مباشر، وكانت محصورة بشكل أساسي بعالم الصحافة والأخبار والبرامج، فأصبحت اليوم في متناول الجميع وبأبسط التجهيزات.
المعادلة اليوم اختلفت تماماً، فقد قام كل من فيسبوك وتويتر بإطلاق برامج خاصة بهذه الخدمة وحاول كل منهما أن يبرز عضلاته قدر المستطاع ليجذب مستخدمي مواقع التواصل لها، والحقيقة أن كليهما أبدع في فكرته وطريقة بنية برنامجه، وجذب الجماهير الغفيرة حول العالم لاستخدام هذه الميزة، مع الملاحظة أن تويتر أتاح الخدمة للجميع منذ اللحظة الأولى أما فيسبوك فقد بدأها مع المشاهير وأصحاب الصفحات الموثقة بالعلامة الزرقاء، ومن ثم أتاحها مؤخراً لجميع مستخدمي أجهزة آبل.
مسار جديد
في ظل الانتشار المتسارع للإنترنت، والتطور الملحوظ في مواصفاته بدأت شريحة كبيرة تبتعد تماما عن شاشة التلفاز وتعتمد بشكل كبير على هواتفها الذكية، ما جعل أكبر المؤسسات الإعلامية تتخذ مسارا جديدا كليا في التعامل مع جمهورها وتنتقل بشكل ملحوظ من التعامل مع الشاشات الكبيرة فقط، إلى إيلاء الشاشات الصغيرة اهتماما يساوي أو ربما يتعدى شاشات التلفزة، ولعل خدمة البث المُباشر أحد أبرز أشكال هذا الاهتمام، فقد انساقت أكبر المؤسسات الإعلامية إلى تخصيص برامج مباشرة خصصت لجمهور هذه المواقع، وأصبحت أهم التغطيات الإخبارية من أصعب الأماكن جزءا بارزا من إنتاجها عبر مواقع التواصل، وبدأت تنقل هذه الثقافة إلى نجوم شاشاتها ومراسليها حول العالم، فأصبح المراسل لا يحتاج أكثر من هاتفه النقال ليبدأ بثا مُباشرا، ليس هذا فحسب بل ويتفاعل معه الآلاف لحظيا ويتلقى أسئلتهم وملاحظاتهم.
اقترب أكثر
جمهور مواقع التواصل الاجتماعي يحب الاقتراب أكثر، يحب أن يتفاعل أكثر، علاقة مبنية على الأخذ والعطاء، خدمة كهذه أتاحت للجمهور أن يتابع المشاهير والفنانين والمثقفين في بث مباشر لحظي ويتفاعل معهم، وهذا بالفعل قد حدث في العديد من المؤسسات الإعلامية ونخبة من النجوم والمثقفين، يوجهون الأسئلة والملاحظات والأفكار والآخر يجيب ويتفاعل معهم، هذا الجمهور ما عاد يتحمل أن يتابع شاشات التلفزة دون أن يتفاعل مع من بداخلها، وأن يكون أقرب ويعطي كما يأخذ، وأن يجعل العالم حارة صغيرة، بل ربما غرفة صغيرة.
الخبر والبث المباشر
رغم كل النقلات النوعية الحاصلة اليوم خصوصا في مجال البث المباشر، إلا أنني لا أستغرب بتاتا أن نصل خلال الأيام القليلة المقبلة إلى ما هو أكثر من ذلك خصوصا في ظل الجهود الكبيرة لإيصال الإنترنت لأكثر الأماكن صعوبة، وهو ما يجعلني أتخيل أن التغطيات الإخبارية ستكون قريبا جدا انطلاقتها من شبكات التواصل الاجتماعي، وأن يصبح البث المباشر بداية من السوشال ميديا، وسيصبح التعامل مع الأحداث السريعة أولا من هذه المواقع.
ولا أستغرب البتة في حال مثلا حدث انفجار ما - لا قدر الله - أن يقوم الصحافي بإخراج هاتفه الذكي ويبدأ بثا مُباشرا، متخليا عن كل البروتوكولات الصحفية والتعقيدات التجهيزية للبث التلفزيوني المباشر.. بالفعل سيحدث!
إلى أين؟
حقيقة ما نمر به اليوم من "قفزات" في عالم مواقع التواصل يجعل الإجابة عن تساؤل كهذا أمراً ليس بالهين، إلا أن المؤشرات تؤكد أن الاهتمام بجانب الفيديو أصبح من أولويات هذه المواقع، ولا أستبعد بتاتا أن نرى قنوات بكامل طواقمها تنتقل من شاشات التلفزة بشكل كامل وتحط رحالها على السوشال ميديا، وتبدأ مرحلة جديدة من الانتقال الكامل إلى عالم الإنترنت والهواتف الذكية، خصوصا أن شركات صناعة شاشات التلفزة أصبحت تولي مواقع التواصل الاجتماعي اهتماما خاصا بما يعرف اليوم بـ smart TV وهو ما سيجعل جمهورا كبيرا جدا يستغني عن القنوات الفضائية ويبدأ الانتقال تدريجيا إلى التطبيقات الخاصة بهذه الشاشات، ولعلها بداية النهاية.
(سورية)