تكافح البحرين للظهور على مسرح الأعمال في منطقة الخليج الثرية، ما يدفعها إلى اتخاذ إجراءات، نادراً ما تقوم دول خليجية باتخاذها، وعلى رأسها تقليص دعم الوقود.
وقالت الهيئة الوطنية للنفط والغاز، إنها سترفع تدريجيا سعر البيع المحلي لوقود الديزل ليصل إلى مثليه تقريبا بحلول 2017. لكن الخطة ما لبثت أن وقعت في أحابيل السياسة الداخلية.
وقاطع بعض أعضاء البرلمان اجتماعاتهم الأسبوعية احتجاجا على زيادة الأسعار. وزار رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، البرلمان ليقول إنه ينبغي مراجعة الخطة. ومن غير الواضع بعد ستة أشهر إن كانت ستمضي قدما أم لا.
وتسلط قصة الدعم الضوء على العقبات التي تواجه البحرين مع سعيها لتجاوز أحداث 2011 عندما نشر حكام البلاد الدبابات في الشوارع لقمع احتجاجات للمطالبة بالديمقراطية.
ويكافح البلد الخليجي الصغير حاليا، كي يظل مركزا إقليميا للأعمال، في مواجهة قلاقل سياسية داخلية ومزاحمة شديدة من منافسين أغنى مثل دبي وقطر.
ومازال نمو القطاع المالي بطيئا، بينما تعوق الاضطرابات جهود البحرين للترويج لنفسها كمركز للخدمات اللوجستية والسياحة. وتريد الحكومة إصلاح أوضاعها المالية وتوفير المال لإنفاقه على تطوير الاقتصاد، لكنها ستواجه خطر تنامي المعارضة إذا قلصت مدفوعات الرعاية الاجتماعية السخية.
يقول جمال فخرو نائب رئيس مجلس الشورى البحريني "رغم أن خطة الدعم تتعلق بالديزل وليس البنزين المستخدم في السيارات، فإنها لن تكون مقبولة من الناس، وهو ما لا ترغب الحكومة في مواجهته".
وأضاف: "شعوب المنطقة اعتادت الرعاية الحكومية. الناس في البحرين لا يدفعون فواتير الكهرباء لأنهم يتوقعون أن يصدر الملك عفوا عنهم".
النمو
بدرجة ما تعافى اقتصاد البحرين على نحو جيد منذ احتجاجات 2011. ونما الناتج المحلي الإجمالي 5.3 في المائة في 2013 وهو أسرع معدل منذ 2008 ولا يبعد عن نتائج الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي بالمقارنة مع 3.4 في المائة في 2012.
وهناك قلاقل محدودة شبه يومية في قرى خارج العاصمة، حيث تطلق الشرطة الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش على شبان يشعلون النار في الإطارات ويقذفونها بالحجارة والقنابل الحارقة.
ولكن في المنامة تقف ناطحات السحاب في حي المال والأعمال، لا يعكر صفوها شيء، بينما تستضيف الفنادق الفاخرة المواطنين السعوديين القادمين عبر جسر الملك فهد للاستمتاع بمراكز التسوق والمطاعم وحياة الليل الأكثر تحررا في البحرين.
ورغم نقل بعض الشركات المالية الأجنبية بعض موظفيها إلى دبي، نجحت البحرين في منع انسحاب جماعي للشركات الأجنبية ومازالت تمنح التراخيص لأكثر من 400 بنك ومؤسسة مالية، وهو العدد نفسه تقريبا قبل اندلاع الاضطرابات. بل مازال البلد يستقطب قادمين جددا.
ويقول المسؤولون إن الأعوام الثلاثة الأخيرة، أظهرت قدرة البحرين على منافسة دبي وقطر، كبديل أرخص نسبيا يملك قوة عمل محلية ماهرة، في الوقت الذي يؤدي فيه ازدهار مراكز أخرى إلى ارتفاع التكلفة.
وقال كمال بن أحمد وزير النقل ومدير مجلس التنمية الاقتصادية "نرحب بالمنافسة. إنها تجبرك على التطور ورفع المعايير. كلما تسارع نمو الاقتصاد الخليجي، كان ذلك أفضل لنا".
ويبدي رجال الأعمال المحليون في أحاديثهم الخاصة سعادتهم لتعيين ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة نائبا أول لرئيس الوزراء في مارس /آذار 2013 حيث ينظر إليه كداعم للأعمال، غير أن دوره تراجع لصالح أعضاء متشددين في الأسرة الحاكمة في أعقاب المظاهرات. ويبدو أنه يستعيد دوره الآن عبر مؤسسات مثل مجلس التنمية الاقتصادية.
لكن نظرة على مصادر نمو البحرين تكشف عن صورة أقل إشراقا. فمعظم النمو من صناعة النفط المعرضة لمخاطر تقلبات الأسعار العالمية. وتملك البحرين احتياطيات نفطية أقل من جاراتها وبحسب تقديرات الحكومة الأميركية، فقد تنفد احتياطاتها المؤكدة خلال عشر سنوات بمعدلات الإنتاج الحالية.
وقاد قطاع الموارد، الذي يشكل النفط معظمه، ويسهم بأكثر من خمس الناتج المحلي الإجمالي، النمو في الربع الأخير من 2013، ونما 14.6 في المائة على أساس سنوي.
في المقابل لم يزد معدل النمو في قطاعي البناء والخدمات المالية على 1.5 في المائة، وهو ما يتناقض مع مسار تطور البحرين الذي كان أكثر تنوعا في السنوات العشر السابقة على اندلاع القلاقل ومع النمو السريع الحالي لقطاعات شتى في دبي وقطر.
وفي حين مازالت عجلة القطاع المالي للبحرين تدور، فإنها أبعد ما تكون عن حيوية دبي. وتراجعت الاستثمارات القائمة في الصناديق المشتركة البحرينية، وهي مؤشر على ثقة المستثمرين، نحو 24 في المائة، منذ فبراير/ شباط 2011 إلى 6.9 مليار دولار في نهاية 2013 وهو أدنى مستوى منذ نهاية 2005.
المستقبل
وتبدو البحرين قادرة على تفادي أي أزمة اقتصادية في المستقبل، بفضل دعم السعودية التي يرى حكامها السنّة مصالح جيوسياسية في مساندة جارتهم.
وفي أعقاب أحداث 2011 تعهدت السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، بتقديم مساعدة قيمتها عشرة مليارات دولار للمنامة. وشجع ذلك الشركات الخليجية والأفراد على عدم تغيير نظرتهم إلى البحرين كمركز أعمال آمن ومناسب.
وفي العام الماضي، اعتمدت المنامة على إنتاج حقل أبو سعفة النفطي الذي تتقاسمه مع السعودية في نحو 71 في المائة من إيراداتها ارتفاعا من 67 في المائة في 2012. ويعتقد المحللون أن الرياض قد تزيد حصة البحرين من النفط إذا واجهت المنامة مشاكل مالية.
لكن ما أبعد الدوران في فلك الاقتصاد السعودي عن المستقبل الباهر الذي بدا في متناول البحرين كمركز تجاري كبير للمنطقة قبيل اندلاع الاضطرابات.
وإذا تراجعت أسعار النفط في السنوات المقبلة، كما يتوقع بعض المحللين، فقد تجد البحرين نفسها عاجزة عن الاستثمار في مستقبلها الاقتصادي البعيد مع مواصلة الإنفاق بكثافة على الرعاية الاجتماعية لاحتواء السخط الشعبي. وتشير أحدث بيانات الميزانية الحكومية إلى تلك المعضلة.
وارتفع العجز لمثليه تقريبا إلى 410 ملايين دينار (1.1 مليار دولار) بما يعادل 3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013. وزادت المصروفات المتكررة في مجالات مثل الأجور والخدمات 14 في المائة إلى 2.9 مليار دينار، في حين هوى الإنفاق على مشاريع التنمية 35 في المائة إلى 477 مليون دينار.
وفي تقرير صدر في إبريل/نيسان، قال صندوق النقد الدولي إن من المرجح أن ترتفع ديون الحكومة إلى مستوى قياسي عند حوالى 68 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 مقارنة مع 44 في المائة في 2013، مضيفا أن البحرين بحاجة ماسة إلى إصلاح اقتصادها كي تستطيع الاستمرار في خدمة ديونها.
ومن غير الواضح في ظل الطريق المسدود الذي بلغته المحادثات بين الحكومة والمعارضة لإنهاء الاضطرابات، إن كانت البحرين قادرة على امتلاك الإرادة السياسية لإصلاح أنظمة الضرائب والدعم.
ويقول جاسم حسين الاقتصادي وعضو جمعية الوفاق المعارضة "من الخطورة بمكان استمرار الدين الحكومي الحالي. الاقتصاد مازال رهن التغيرات في سوق النفط وإيرادات الدولة تعتمد اعتمادا كبيرا على النفط". وأضاف: "لا يمكن حل الأزمة الاقتصادية في وجود أزمة سياسية متواصلة".