لم تتوصّل المفاوضات التي انطلقت في أديس أبابا، قبل أسبوع، بين الحكومة السودانيّة والحركة الشعبيّة، قطاع الشمال، برعاية اللجنة الأفريقية بقيادة ثامبو أمبيكي، إلى اتفاق ينهي الحرب الأهليّة، التي اندلعت في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وتُعدّ الجولة الأخيرة، الجولة السابعة التي يعتلي فيها الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي منصّة المؤتمرات الصحافيّة داخل مقر المفاوضات، لينعيها تارة، ويؤكد تعليقها تارة أخرى، بحجّة منح الأطراف فرصة إضافيّة للتشاور مع قياداتهم، بشأن الحلول التوفيقيّة، التي عادة ما تطرحهها الوساطة على الطرفين، من دون أن يتغاضى عن ترك بصيص أمل، بتأكيده على رغبة الطرفين في التوصّل إلى حلّ.
وفي كلّ مرّة، يستهلّ أمبيكي مسلسلاً جديداً بعد المفاوضات، فيزور الخرطوم، حيث يلتقي الرئيس السوداني عمر البشير، في محاولة لإقناعه بتقديم تنازلات، من شأنها أن تُسهم بتحريك التفاوض، حتى يُكتب للجولة اللاحقة النجاح، علماً أنّ المفاوضات مستمرّة منذ عام 2011.
وكانت جولة التفاوض الأخيرة، التي بدأت قبل أسبوع واستمرت ستة أيام، قد فشلت في دفع الأطراف إلى الاتفاق على أجندة التفاوض، بسبب تباعد الرؤى بين "الحكومة" و"الحركة" بشأن القضايا التي يفترض مناقشتها. ودفعت الحركة بورقة من سبع نقاط، حدّدت بموجبها رؤيتها للتفاوض، وتتضمّن الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور، بالتزامن مع التزام الحكومة بتأجيل الانتخابات حتّى الاتفاق على حكومة انتقاليّة، بمشاركة كافة القوى السياسية بدون استثناء، الأمر الذي رفضه الوفد الحكومي جملة وتفصيلاً.
وتقدّم الأخير بورقة طالب فيها باقتصار المحادثات على قضيّة المنطقتين فقط، بموازاة تحفّظه على ورقة توافقيّة اقترحتها الوساطة الأفريقيّة، في محاولة لإنقاذ المفاوضات من الانهيار، لا سيّما أنّ الورقة أيّدت ضمنياً ما بقيت تنادي به الحركة واقترحت شموليّة الحلّ عبر منبرين. وتوسّعت الخلافات أكثر بعد اقتراح وفد الحركة، منح ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، حكماً ذاتياً، ضمن نظام فدرالي كامل، الأمر الذي عدّته الحكومة خطاً أحمر.
ويجد المراقب للعمليّة التفاوضيّة، أنّ الحكومة تتخوّف من تمسّك الحركة الشعبيّة بمطلب الحلّ الشامل، والحوار معها تحت مسمّى "الجبهة الثوريّة"، في إشارة إلى التحالف، الذي يضمّ الحركة الشعبيّة وحركات دارفور المتمرّدة، باعتبار أنّه من شأن ذلك أن يجبرها على تقديم المزيد من التنازلات، على عكس التفاوض بشكل منفصل وعبر منابر مختلفة.
ويذكر أنّ حزب الأمّة القومي المعارض، بزعامة الصادق المهدي، كان قد انضمّ إلى الجبهة الثورية، بعد توقيع الطرفين إعلان باريس، الذي حمل مواقف موحّدة بشأن الحوار الوطني الذي دعا إليه البشير، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
وحرصت الحركة الشعبيّة في جولة التفاوض الأخيرة، على اصطحاب وفد من قيادات الجبهة الثوريّة، وعمدت إلى التشاور معهم عقب كل جلسة عقدتها مع الحكومة والوساطة الأفريقية، لتعبّر بذلك عن مواقفها الثابتة تجاه تحالفها مع الجبهة، وحرصها على النظر في قضايا البلاد ككتلة واحدة، الأمر الذي قاد الوفد الحكومي إلى اتّهام الحركة بالمماطلة ومحاولة تشتيت التفاوض.
ويقول المحلّل السياسي خالد التجاني لـ"العربي الجديد"، إنّ "النظام الحاكم في الخرطوم غير مستعد لتسوية شاملة، باعتبار أنّ نتائجها قد تقوده لأن يفقد جزءاً من السلطة، ما يدفعه إلى تفضيل عقد صفقات تطيل بقاءه في الحكم"، موضحاً أنّه "إذا كان جاداً في دعوة الحوار نفسها، فكان الأجدى به أن يرفض أيّ تجزئة للقضايا وتشتيتها عبر المنابر، وأن يحرص على أن تُحلّ ضمن المنظومة الكليّة للحوار، بهدف التوصّل إلى حلّ حقيقي لأزمات البلاد لا أن "يترك المرض ويعالج العرض"، في إشارة إلى أنّ الحرب في المنطقتين وإقليم دارفور، هي سبب أزمة الحكم في السودان.
ويرى التجاني أنّ "انهيار الجولة السابعة من المفاوضات مع الحركة، يعدّ مؤشّراً على فشل الأسلوب الذي تدار به أزمات البلاد"، مؤكّداً أنّ أيّ "محاولة لتجزئة قضايا السودان وإبرام اتفاقات ثنائيّة، سيعيد إنتاج الأزمة ويضيّع فرص السلام ويهدر الوقت"، مستدلاً في ذلك باتفاقية السلام الشامل "نيفاشا"، التي وقعتها الحكومة مع الحركة الشعبيّة، وكان من بين نتائجها، انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة.
ويدافع رئيس الوفد الحكومي في المفاوضات، مساعد رئيس الجمهوريّة إبراهيم غندور، عن موقفه بشأن قضيّة المنطقتين، انطلاقاً من أنّ "القضايا القومية تُناقش في الحوار الوطني"، معتبراً في تصريحات لـ"شبكة الشروق"، أنّ مشاركة قيادات من الجبهة الثوريّة في المفاوضات، هو بمثابة محاولة لإفشال مبكر للجولة، ومحاولة من الحركة لتوسيع مشروعيتها".
وتعمد الحركة الشعبيّة، من خلال تمسّكها بالحلّ الشامل، إلى عدم تكرار تجربة "نيفاشا"، التي كانت أول من دفع ثمنها، مع انتقال الحركة الشعبية، أي التنظيم الأم، إلى دولة جنوب السودان، من دون أن تصل مع الحكومة في الخرطوم إلى تفاهمات فيما يتّصل بتنفيذ بروتوكول المنطقتين، الوارد ضمن اتفاقيّة السلام الشامل، ليعود سيناريو الحرب مجدداً، وتجد نفسها بمواجهة الحكومة.
ويبدو أنّ الحركة الشعبيّة، هذه المرّة، على دراية تامة بتكتيكاتها التفاوضيّة، لا سيّما أنّ قادتها سبق وشكلوا وفد الحركة المفاوض مع الحكومة، منذ بداية انطلاقها في التسعينيات وشهدوا الفترة الانتقالية بكل تبعاتها.
ويرسم انهيار المفاوضات مع الحركة الشعبيّة، صورة قاتمة للمفاوضات المرتقبة بين الحكومة والحركات الدارفورية، التي ستنطلق في أديس أبابا، السبت المقبل، مع ترجيحات بألا تحدث الجولة أي اختراقات، باعتبار أن الخلافات ذاتها سترحّل على ذلك المنبر.