يمكن القول إنّ السؤال الأبرز الذي يشغل أصحاب القرار الأميركي خصوصاً، هو أين هو زعيم تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) أبو بكر البغدادي؟ سؤال تشير معطيات عديدة، بعضها يركّز عليها الإعلام الأميركي اهتماماً كبيراً، إلى أن الجواب عنه كان حاسماً في قرار بدء الحملة المكثفة من القصف على سورية تحديداً.
وصحيح أن غارات الأيام الثلاثة الماضية لم توفّر الأراضي العراقية، لكن الواضح هو أن التركيز ينصبّ على سورية. إحدى الفرضيات تفيد بأن السبب وراء ذلك هو تأكيد الأميركيين، أن البغدادي أصبح في سورية، بعدما غادر الموصل، منذ فهم أن القرار الدولي حاسم بالقضاء عليه وعلى تنظيمه.
وفي السياق، كشف ضابط في رئاسة أركان الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، أن "المعلومات الحالية تشير إلى أن البغدادي يتواجد حالياً في سورية، لا في العراق، يتنقل بين مناطق في ريف الرقة ودير الزور بصحبة ثلاثة من مساعديه، وهم عراقيان وسوري، والتقى أخيراً بأمراء التنظيم لرفع المعنويات".
وبرر المصدر الأمني انتقال البغدادي بتجنيد الولايات المتحدة العشرات من المخبرين في العراق لتتبع تحركاته للقضاء عليه وفق نظرية "قطع رأس الأفعى" علّ ذلك ينهي التنظيم، تماماً مثلما أضعف اغتيال أسامة بن لادن "القاعدة".
ووفق معلومات "العربي الجديد"، أناب البغدادي شخصية قيادية عراقية في التنظيم، مقربة منه، لإدارة العمليات في العراق، وهي شخصية جديدة ومغمورة".
وتتدارس القيادات العراقية حالياً، احتمالات سيئة بالنسبة إليها، تفيد "بإمكانية أن تلعب التضاريس في العراق دوراً مساعداً لـ"داعش"، فيكون انسحابها من سورية إلى العراق، بشكل معاكس لما كان متوقعاً، وهو ما أبلغنا به الأميركيين".
وتابع المصدر أن" التقارير والمؤشرات الحالية تؤكد أن رد التنظيم على غارات التحالف سيكون داخل العراق وليس في سورية، وهو السبب الذي دعا إلى وضع خطة طوارئ لتأمين العاصمة بغداد، وتمديد ساعات حظر التجوال، وإغلاق الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء".
وتشير القيادات العراقية الأمنية إلى أن قيام الولايات المتحدة برفع خمسة مناطيد مراقبة في مناطق مختلفة من بغداد، أمس الخميس، يندرج في هذا الإطار الأمني. وفي السياق، علمت "العربي الجديد" أن فريقاً عسكرياً أميركياً وصل إلى بغداد، أمس الخميس، والتقى مسؤولين عراقيين لبحث موضوع مركزي: "مَن سيخلف داعش في المناطق التي سينحسر منها؟".
وقال عضو غرفة التنسيق المشترك الأميركية العراقية (GCC)، العميد الركن أحمد علي، إن "الأميركيين يشعرون بالقلق من سيطرة الميليشيات على قرى في ديالى وصلاح الدين كانت تحت سيطرة داعش، قبل أن تقوم الطائرات الأميركية بشن غارات عليها أدت إلى انسحاب التنظيم منها".
وأوضح علي أن "الأميركيين أبلغوا المسؤولين العراقيين قلقهم من استثمار الميليشيات المقربة من إيران، للغارات الأميركية، وقيامهم بالسيطرة على بعض القرى بعد اضطرار داعش إلى الانسحاب منها، وحالياً يضغطون لتسريع آلية تشكيل قوات الحرس الوطني السنية كي يكونوا البديل في أي منطقة محررة".
وتابع علي أن "الأمر نفسه سيكون في سورية حيث إن الأميركيين سيسهّلون، اعتباراً من الأسبوع المقبل، تحرك الجيش الحر في مناطق انسحب منها داعش بفعل الغارات، ويجري ترتيب ذلك مع الائتلاف الوطني السوري في تركيا، وهو ما سيكون بمثابة دعاية إعلامية للولايات المتحدة بتحقيقها نصراً بإظهار عناصر الجيش الحر وهم يسيطرون على مواقع لداعش".
على صعيد متصل بحملة القضاء على "داعش" في العراق، علمت "العربي الجديد" من مصادر قبلية عراقية في مدينة الموصل، "عاصمة" التنظيم، بارتفاع عدد قتلى أعضائه في العراق والمدن السورية المحاذية للموصل، منذ بدء هجوم التحالف الدولي على سورية، إلى أكثر من 60 شخصاً، من بينهم 13 جهادياً من جنسيات أوروبية مختلفة، فضلًا عن جرح عشرات آخرين تم توزيعهم في عيادات خاصة سرية بعد مخاوف من قصف مستشفى الموصل العام.
وقال زعيم قبلي بارز في مدينة الموصل لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى مساء الخميس، بلغت حصيلة غارات التحالف على مواقع داعش أكثر من 60 قتيلاً ونحو 80 شخصاً أصيبوا بجروح متفاوتة بالهجمات التي استهدفت الموصل وضواحيها والمدن السورية المحاذية للعراق من جهة الموصل في دير الزور، ودفن غالبيتهم في مناطق صحراوية". أشار الزعيم القبلي إلى أن "من بين القتلى 13 جهادياً من جنسيات أوروبية مختلفة قتلوا بتلك الغارات، فضلاً عن أربعة قادة بارزين".
غير أن مسؤولاً عسكرياً عراقياً شدد على أن التنظيم "عوّض خسائره بثلاثة أضعاف منذ بدء الحملة الدولية ضده، إذ وصل مقاتلون عرب وأجانب للعراق يقدرون بالعشرات". أمر اعترف ضابط في رئاسة أركان الجيش العراقي لـ"العربي الجديد" بصحته، لافتاً إلى أن الحملة الدولية باتت تمثل عامل جذب للجهاديين من مختلف الدول يفدون إلى العراق أكثر من سورية، وعلى ما يبدو فإن التنظيم وجد طرقاً عدّة تجنّبه الغارات أو على الأقل تقلل من خسائره البشرية من خلال توزعه على أكثر من منطقة وعدم التجمع بأعداد كبيرة، وحفر خنادق شقيّة تحت الأرض يلجأ إليها ليلاً لتجنّب القصف".