26 سبتمبر 2018
البلقان معبراً انتقالياً صعباً للاجئين
اشتدّت حمّى اللجوء إلى أوروبا، بعد أن تبيّن لشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صعوبة حلّ الأزمات والحروب المشتعلة وحالة عدم الاستقرار، في المستقبل المنظور، وكي يتمكّن اللاجئون من الوصول إلى هدفهم البعيد في غرب أوروبا وبريطانيا والدول الإسكندفانية، لا بدّ أن يعبروا ويذوقوا مرارة المرحلة الانتقالية في دول البلقان وأوروبا الشرقية.
مقدونيا تعلن الطوارئ
أعلنت الحكومة المقدونية حالة الطوارئ على حدودها الشمالية والجنوبية، في محاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي، لأنّ أزمة اللجوء ليست مقدونية، بل أوروبية، ونشرت مقدونيا وحدات كبيرة من جيشها على الحدود المعنية، لمنع تدفّق اللاجئين إلى أراضيها من دون طائل. تعيد المشاهد المأساوية للاجئين الذين يحاولون جاهدين التسلّق إلى القطار المنطلق من منطقة غفغيليا المقدونية (على الحدود اليونانية) إلى الأذهان أحداث اللجوء المأساوية التي رافقت الحرب العالمية الثانية. وتشتكي مقدونيا مؤكّدة أنّ اللجوء يتمّ من دول أوروبية إلى أخرى، من دون الأخذ بالاعتبار رأي مقدونيا الرسمي وموقفها، ويتعذّر على الدولة الشابة تقديم الرعاية المطلوبة للاجئين الذين يعانون الأمرّين في مراكز اللجوء المقدونية التي لا تصلح لأيّ شكل من الحياة المدنية.
ويفضّل اللاجئون الالتفاف على بلغاريا، كيلا تعيدهم الدول الغربية، باعتبارها أولى الدول الأوروبية المانحة حقّ اللجوء، ولا يمكن إلزام مقدونيا بذلك، لأنّها ليست عضواً في اتفاقية ماستريخت التأسيسية للاتحاد الأوروبي، وليست مرشّحة، حتّى اللحظة، للانضمام إلى المنظومة الأوروبية. تعلمت مقدونيا درسًا من حالة اللجوء التي تعرّضت لها خلال العام 1999، ولم تحصل على أيّة تعويضات مقابل ذلك، مع أنّ اللجوء الذي تتعرّض له في هذه الأيام أقل بكثير منه في العام 1999، ورغبة اللاجئين تتمثّل بالاستمرار إلى الدول الغربية الغنية. لكنّ السلطات المقدونية ترفض، جملة وتفصيلاً، فتح حدودها للاجئين واستخدامها، كما دول البلقان الأخرى، حصان طروادة.
وبلغ تعداد اللاجئين القادمين من اليونان، من سوريين وعراقيين وأفغان وباكستانيين وأفارقة قرابة 2000 لاجئ يوميًا، في شهر يوليو/تموز الماضي. وحاولت السلطات المقدونية تسجيل اللاجئين، وتوثيق بصمات قرابة 41 ألف لاجئ، ولم يطلب سوى 47 مواطنًا آسيويًا منهم حقّ اللجوء السياسي، في وقت مضى فيه معظم اللاجئين إلى الغرب. ويُذكر أنّ تعداد جمهورية مقودنيا لا يزيد على مليوني مواطن، يشعر معظمهم بالقلق الشديد من الضغط السياسي الخارجي الممارس على حدود بلادهم. وتنتقد مقدونيا بشدّة اليونان، لعدم محاولتها وقف تدفّق اللاجئين إلى دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي للمضيّ إلى دول أوروبية أخرى، واعتبار مقدونيا دولة ترانزيت محضة، ويبقى الهمّ الإنساني طاغياً على هذه الأزمة، لأنّ فئات الأطفال والنساء والعجزة من اللاجئين يحتاجون عناية خاصّة، بين طعام ودواء ومسكن، وغيره من ضروريات الحياة الأساسية.
اليونان تطالب بلقاء قمّة أوروبي عاجل
طالب الرئيس اليوناني، بروكوبيس بافلوبولوس، بعقد لقاء قمّة أوروبي عاجل لقادة الاتحاد الأوروبي، لمناقشة أزمة اللجوء الكبيرة في الآونة الأخيرة. ولا يتعلق الأمر فقط بشأن الأمن والاستقرار الأوروبي، بل يتعدّاه إلى ضرورة مواجهة أزمة إنسانية على نطاق واسع وكبير، وطالب الرئيس إيجاد حلول لهذه الأزمة مع هيئة الأمم المتّحدة، ما يتطلّب سياسة أوروبية موحّدة.
وحسب وزير الصحة اليوناني، بانايوتيس كوروبليس، فإن موجات اللجوء تهدّد كيان اليونان، ووجودها دولة مستقلة فوق الخارطة السياسية، ويجب استخدام كل السبل والآليات المتاحة على المستوى الأوروبي، لمكافحة الظاهرة، وعلى بروكسل أن تعي أنّ هذه المشكلة لا تهمّ اليونان فقط بل تطاول كل دول المنظومة الأوروبية. ويشار إلى أنّ اليونان تنظم يوميًا رحلات بالقطار والحافلات التي تقلّ آلاف اللاجئين، يوميًا، إلى حدودها مع مقدونيا التي لا تتلقى أيّ دعم أوروبي أو دولي، لمواجهة هذا العدد الكبير من اللاجئين القادمين من اليونان، حسب تصريحات وزير الخارجية المقدوني، ميتكو تشافكوف، الذي زار، أخيراً، منطقة غفغيليا الحدودية، للوقوف على الأوضاع ميدانيًا، والتيقّن من تورّط السلطات اليونانية في تدفّق اللاجئين إلى مقدونيا. وأكد تشافكوف تفهّمه المأساة الإنسانية للاجئين، لكنّه أعرب عن عدم قدرة مقدونيا استقبال آلاف اللاجئين يوميًا.
روما: الأزمة تهدّد نادي الشنغن
وقال وزير الخارجية الإيطالي، باولو جنتيلوني، إنّ أزمة اللجوء الهائلة تهدّد نظام الشنغن، وقد تؤدّي إلى إعادة النظر في نظام التنقّل الحرّ للمواطنين بين دول الشنغن (روح وعمود حياة المنظومة الأوروبية). وأشار الوزير إلى مخاطر تبادل اللاجئين ونقلهم ما بين دول أعضاء وغير أعضاء في القارّة الأوروبية. ونوّه، في حديثه للصحيفة الإيطالية ميسانجيرو، إلى عمليات إنقاذ 300 لاجئ في مياه البحر المتوسط، ونقلهم إلى إيطاليا للتمتّع بنظام اللجوء الأوروبي. وقال في حديثه الذي اتّسم بالعاطفية إن هناك مخاوف من وقوع أوروبا في أسوأ ممارسة ممكنة، انطلاقًا من وازع الأنانية المفرطة، ما قد يتسبّب باتخاذها قرارات قاسية، وتورّطها في جدل عقيم بين الدول الأعضاء المتضرّرة من متاعب ومسؤوليات اللجوء الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى أوروبا أن تفتح روحها، أو أن تفقدها، بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى. ودعا جنتيلوني دول المنظومة العمل على إيجاد القرارات المناسبة لحلّ الأزمة بصورة عاجلة.
البديل عن ذلك هو فشل اتفاقية الشنغن، وإعادة النظر في جدوى النادي الذي يسمح بحرية تنقّل كل الموجودين فوق أراضي دول الشنغن، من دون تفتيش أو عوائق إدارية، فوق رقعة كبيرة من القارّة الأوروبية، من جزيرة صقلية وحتّى جزيرة كوس اليونانية، مع ارتفاع وتيرة القلق والتوتر من مقدونيا وحتى هنغاريا، وهذا يهدّد اتفاقية الشنغن. وطرح الوزير تساؤله "هل يمكن تصوّر الاتحاد الأوروبي من دون معاهدة الشنغن، والعودة إلى النظام الحدوديّ القديم؟".
بلجيكا: مخاطر الإرهاب
يتوقّع رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشيل، إمكانية إعادة النظر باتفاقية الشنغن وفرض الرقابة على الحدود المشتركة، خوفًا من ارتفاع وتائر العمليات الإرهابية في الدول المعنية. وقد جاءت تصريحاته، بعد أن حاول مواطن من أصول مغربية، في الخامسة والعشرين من العمر، مهاجمة قطار "تاليس" وفتح نيران بندقية كلاشينكوف تجاه المسافرين، ليجرح أحدهم، قبل السيطرة عليه. لكن، وبعيدًا عن هذه التفاصيل، ترك الحادث أثره البالغ على المفهوم الأمني لفضاء الشنغن، لأنّ التنقّل الحرّ يتيح المجال للإرهابيين كذلك بالتنقل لإنجاز مهامهم بسهولة، ومن دون عوائق.
وأوضح ميشيل أنّ الشنغن في منتهى الأهمية للاقتصاد الأوروبي. لكن، والحال على ما هو عليه، يمكن إعادة النظر في هذه الاتفاقية للحفاظ على أمن المنظومة الأوروبية، ولتتمكن الدول المعنية من رقابة حركة البشر والسلع والأمانات بين الدول الأعضاء.
وتناول رئيس الوزراء البلجيكي هذا الشأن مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وستتم مناقشة المسألة لاحقًا في بروكسل على أعلى المستويات، وقال إنه لا بدّ من التضحية بجزء من الحريات المتوارثة والمتعارف عليها في المنظومة الأوروبية. واقتبس مقولة الرئيس الأميركي، بنجامين فرانكلين، "الذين يجدون أنفسهم على استعداد للتضحية بأهم أسس الحرية في مقابل استقرار مؤقت لا يستحقون لا الحرية ولا الاستقرار". وقد رفعت بلجيكا، بدءاً من نهاية الثلث الأخير من أغسطس/آب الماضي، آليات الرقابة في كل محطات السفر للحافلات والقطارات الدولية، وخصوصاً القطار الدولي "تاليس"، وسيعمل رجال أمن من بلجيكا وفرنسا على حماية هذه القطارات. وكان القطار يقلّ 554 شخصاً، وكان المغربي الأصل سيحدث أضرارًا جسيمة ما بين قتيل وجريح، على الرغم من قول محاميه إنّه كان ينوي السطو على المسافرين، من دون ارتكاب عمل إرهابي.
اليمين المتطرف والاعتداء على اللاجئين
مجددًا، تعرّض مركز لجوء للاعتداء من راديكاليين يمينيين في مقاطعة ساكسونيا الألمانية، حسب ما ورد في قناة التلفزة “n24”، نقلا عن مصادر أمنية رسمية في درزدن. وشارك 150 ألمانيا متطرّفا بالاعتداء على موكب أمني، يقوم بحماية مركز اللجوء، مستخدمين عبوات زجاجية فارغة ومواد حادّة، وحاول مئات، يوم 22 أغسطس/آب، التسلّل إلى مركز اللجوء هايدناو، ما أدّى إلى جرح 31 رجل أمن، واندلعت الأحداث إثر وصول 120 لاجئا إلى المنطقة بأربع حافلات. وقد شارك ناشطون ألمان يساريون في مسيرة كبيرة للدفاع عن اللاجئين وحقوقهم، بالحصول على الحماية والأمان.
وهناك صراع خفيّ على خلفية سياسية بين اللاجئين أنفسهم، وشهدت العاصمة الصربية بلغراد قتالا بين اللاجئين، استخدمت فيه مطاوي، أدّى إلى جرح لاجئ في بطنه، وتشهد العاصمة صوفيا خلافًا وقتالاً بين لاجئين سوريين وأكراد، ما أدّى إلى رفع حالة الحنق وعدم الرضا في الدول المضيفة، نتيجة لنقل مشكلات اللاجئين من مواطنهم إلى المهجر.
وتشعر بلغاريا بأنّها مهدّدة باجتياح آلاف اللاجئين أراضيها، واتخّذت الحكومة احتياطات كبيرة للحيلولة دون ذلك، وارتفعت طائرات عمودية على طول الحدود البلغارية المقدونية، وعلى جزء من حدودها المشتركة مع اليونان، لمراقبة حركة اللاجئين وتنقلاتهم التي لا تهدأ ليل نهار.
حوار ألماني فرنسي
أخذ إيجاد حلول عاجلة لأزمة اللجوء التي تضاعفت وتائرها، أخيراً، حيّزًا أساسيًا في لقاء المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في برلين، في 24 أغسطس/آب. وناقش الطرفان شأن إعادة النظر في حصص الدول الأعضاء ونصيبها من اللاجئين الوافدين فوق الأراضي الأوروبية، أخذًا بالاعتبار ضرورة موافقة دول المنظومة الأوروبية على القرارات المتّخذة في الاجتماع. وطالبت الدول الأعضاء بعقد لقاء قمة لاتخاذ السبل الممكنة لحلّ هذه الأزمة، في وقت تستمرّ فيه مقدونيا وصربيا بالتخلّص من اللاجئين على الفور، بتحميلهم في القطارات على الحدود، ليتوجّهوا نحو الغرب، كما وصل وزير خارجية النمسا، سبستيان كورتس، إلى مثلث الرعب المأساوي على الحدود المقدونية الصربية اليونانية، للوقوف على أحوال اللاجئين وأوضاعهم في المنطقة المعنية. وتحاول كل السلطات المعنية منع عمليات استغلال اللاجئين، بتقديم خدمات نقل خاصّة بأجور باهظة وخدمات أخرى شبيهة.
وتفيد البيانات بأنّ قرابة 44 ألف لاجئ قد عبروا الحدود اليونانية المقدونية في شهرين، ليعبروا بعد ذلك إلى صربيا ثمّ إلى هنغاريا، وحال تمكنهم من الوصول إلى هنغاريا، يمكنهم الانتقال إلى أيّ مكان في أوروبا، وهناك هاربون كثيرون من جحيم التفجيرات الانتحارية في أفغانستان وباكستان. وقبل 21 قرناً، تمكّن الإسكندر المقدوني من الوصول إلى باكستان، وها هم أهالي باكستان يعيدون الصاع لمقدونيا مضاعفًا، من دون أن تتمكن الحكومة المقدونية من تقديم العون والمساعدة، سوى ما يجود به الصليب الأحمر والمؤسسات المدنية وقوات الجيش، والأطباء الذين يقدمون المساعدة عن طيب خاطر للأطفال والنساء والشيوخ والحوامل، وما تقدّمه كذلك فئات المجتمع المقدوني من طعام وكسوة، لكنّ احتياجات هذه الدفعات الكبيرة من اللاجئين تفوق مقدرات دولة مقدونيا الشابّة بكثير.