جلساتٌ معدودة للحكومة كانت كافيةً لولادة البيان الوزاري، على أن يُقرّ اليوم الخميس في جلسة الحكومة، ليعرض على مجلس النواب للحصول على الثقة المنشودة.
في سرعة إنجاز البيان الوزاري، يبدو أن الطبقة السياسية اللبنانية باتت تسير وفق أجندة سياسية واضحة، في الشق الاقتصادي لمصلحة التوافق بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل"، وفي الشق السياسي لمصلحة "حزب الله"، بمنافع قد تعود على ثنائي رئاسة الجمهورية – رئاسة الحكومة. أجواء صفقات تذكر البعض بالتي كانت سائدة يوماً في لبنان إبان عهد الوصاية السورية (قبل العام 2005)، حين كان الملفان الأمني والسياسي في لبنان في عهدة النظام السوري حصراً، فيما منح الراحل رفيق الحريري صلاحية إدارة الملف الاقتصادي.
لكن الواضح اليوم هو أن رئيس الحكومة سعد الحريري ارتضى بهذه الصفقة، خصوصاً في ظلّ ما بات واضحاً بتسليمه بموازين القوى السياسية في الداخل اللبناني وفي المنطقة، وابتعاده عن السياسة لصالح الملف الإقتصادي، محاولاً استنساخ تجربة والده السياسية، تحت شعار "البرغماتية" السياسية، على الرغم من اختلاف الظروف السياسية الداخلية والإقليمية بين المرحلتين.
الواضح أيضاً من صيغة "البيان الوزاري" الذي بات منجزاً، أن لبنان، وللمرة الأولى، يتوافق كلياً مع الرؤية الروسية، وتالياً سياسياً بما يتوافق مع توجهات "حزب الله" والنظام السوري، على الرغم من محاولة البيان الوزاري إبقاء بند العلاقات مع النظام السوري خارج البيان الوزاري.
وعملياً، أيضاً يبدو أن بند العلاقة مع سورية بات تفصيلاً، بعدما وضع سابقاً في عهدة رئيس الجمهورية ميشال عون منعاً للإحراج، وبعدما سلّم الجميع بحتمية عودة هذه العلاقات، في انتظار القرار العربي في هذا السياق، خصوصاً أن تبني البيان الوزاري للخطة الروسية لعودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلدهم، يفرض عملياً تنسيقاً مع النظام السوري.
وفي الصفقة أيضاً التي باتت واضحة في الداخل اللبناني، ما يمكن ملاحظته بوضوح في البيان الوزاري الذي خصص معظم صفحاته الـ10 للشق الإقتصادي، بمعدل 8 صفحات، وجاء الشق السياسي عرضياً في الصفحتين الأخيرتين، ويلخص ذلك أيضاً أولويات الحكومة التي ترى في الوضع الإقتصادي أولوية، فيما الوضع السياسي بات تفصيلاً بالنسبة لهم.
وفي الشق السياسي، لم تقدم الحكومة أي مقاربة جديدة، باستثناء العودة إلى الصيغ السابقة، إن بالنسبة للمقاومة والصراع مع العدو الإسرائيلي، أو بالنسبة للقرارات الدولية والإلتزام بها، أو سياسة "النأي بالنفس" التي لم يفهم بعد سبب إدراجها في البيان الوزاري، مع استمرار "حزب الله" في التدخل بصراعات المنطقة، وإعلان الحكومة اللبنانية بوضوح اصطفافها في المعسكر الإيراني ـ الروسي.
وليس أدل على التوجهات السياسية اللبنانية الجديدة، ما أكده وزير "حزب الله" محمد فنيش، عندما قال ما مفاده "نحن مع روسيا" في ما يتعلق بخطة إعادة اللاجئين السوريين إلى سورية، وذلك عندما سئل قبل دخوله إلى جلسة اللجنة التي صاغت البيان الوزاري.
وأمام الموقف الدولي الرافض لأي إعادة للاجئين، ولأي مشاركة في إعادة إعمار سورية قبل التوصل إلى حل سياسي في هذا البلد، يصبح مشروعاً السؤال عن خلفيات هذا التأييد اللبناني، ووضع الأوراق اللبنانية في الحضن الروسي، ولهذا السؤال إجابات يرى البعض أنها واضحة، خصوصاً أن "التيار الوطني الحر" يرى أن هذا الملف في حال نجاحه فيه، يحقق له مكاسب شعبية يمكن استثمارها في ما يسمى في بيروت بـ"الشارع المسيحي"، فيما يعول أيضاً رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل على إعمار سورية، علهما يتحولان لاحقاً إلى شركاء في الإعمار، خصوصاً أن كليهما يرتبطان بعلاقات قوية مع الكرملين.
أبقى البيان الوزاري، القديم على قدمه، في المواضيع الأساسية على الرغم من تحفظات "القوات اللبنانية"، وتحديداً على بند المقاومة، فيما لم يقارب الحديث عن الإستراتيجية الدفاعية، التي كرر لبنان أمام المحافل الدولية الحديث عنها، وباتت تعهداً ينتظر التنفيذ. ووفق ذلك، يمكن أن يسمى البيان الوزاري سياسياً بـ"بيان الخطة الروسية"، فيما خصص الشق الإقتصادي بكليته لمؤتمر "سيدر" لإقراض لبنان، إن لجهة التعهدات التي التزم بها لبنان للحصول على الأموال الموعودة، أو لجهة المشاريع التي تضمنها، إضافة الى بند مخصص للنفط.
فعلياً، لم تقدم الحكومة أي تصورات اقتصادية جديدة، خصوصاً أن البيان بدا مقتبساً من شروط مؤتمر "سيدر" ومن دراسة "ماكينزي" (لجنة قيّمت وضع الاقتصاد اللبناني العام الماضي وأوصت بمجموعة إجراءات نيوليبرالية وتقشفية)، وربط هذه الخطوات بمهمة الحكومة والتي جاءت اختصاراً بجملة: "نريدها حكومة أفعال لا حكومة أقوال، ونريدها حكومة للقرارات الجريئة والاصلاحات التي لا مجال للتهرب منها بعد اليوم، حكومة تتصدى لأسباب الخلل الإداري والفساد المالي والتهرب الضريبي".