التباينات تعطّل حل أزمات غزة

07 يناير 2015
معاناة أصحاب المنازل المدمرة مستمرة (محمود همس/فرانس برس)
+ الخط -

قبل سبعة أشهر، شُكلت حكومة التوافق الوطني الفلسطينية، وعلق الفلسطينيون، في قطاع غزة بالذات، آمالا عريضة عليها، طمعاً في أن تُنهي أزماتهم التي تراكمت على مدار أكثر من سبعة أعوام متواصلة من الحصار الإسرائيلي والانقسام في النظام السياسي، وحوّلت حياتهم إلى جحيم لا ينتهي. وبعد مرور كل هذا الوقت من عمر الحكومة، ما زالت الأزمات في القطاع تراوح مكانها، ومنها ما زاد حدة، وظل الانقسام سيد الموقف.

وشنّت إسرائيل ثلاث حروب شرسة على قطاع غزة خلال الأعوام الستة الماضية، تسببت، بالإضافة إلى الحصار الذي تفرضه على القطاع منذ سيطرة حركة "حماس" عليه عام 2007، بتشكّل أزمات عدة، من أبرزها الكهرباء، والوقود والغاز، وإعادة إعمار ما دمرته الحروب الثلاث بالإضافة إلى أزمة الإغلاق المتواصل لمعبر رفح التي تحرم عشرات آلاف من أصحاب الحالات الإنسانية والمرضى من السفر، وأخيراً أزمة رواتب موظفي حكومة حركة "حماس" السابقة، التي ولدت بولادة حكومة التوافق، والتي تبعها أزمات تتعلق بعمل الوزارات، ولا سيما المستشفيات والمرافق الصحية.

يرفض القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، يحيى موسى، في حديث لـ "العربي الجديد" ما يقال من أن حركة "حماس" هي من ترفض تسليم القطاع لحكومة التوافق والسلطة الفلسطينية. ويضيف "هذا كلام غير صحيح، فالحكومة ترفض أن تمارس مسؤوليتها بالقطاع وهي تمتلك قراراً سياسياً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتعطيل عملها. ومن بعض الأدلة على ذلك حديثهم عن تشكيل لجنة إدارية وقانونية لبحث ملف موظفي حكومة غزة السابقة وبعد مرور نحو سبعة أشهر على عمل هذه اللجنة خرج بعض الوزراء ليقولوا إن الرئيس عباس أعطى أوامر بوقف عملها".

ويلفت موسى إلى أنه "عندما ترفض الحكومة توريد وقود لمحطة توليد الكهرباء في غزة، فما علاقة هذا بتمكين عملها. وعندما تمنع عملية الإعمار بذريعة أن حماس ترفض تسليم المعابر رغم أن معبر كرم أبو سالم الذي تدخل عبره مواد ومستلزمات البناء تسيطر عليه السلطة الفلسطينية منذ عام 2007، فهذه عملية تعذيب للفلسطينيين". ويشدد على أن الواقع الفلسطيني يمر بحالة "غير وطنية عدائية ثأرية ترغب في احتواء النضال الوطني الفلسطيني".

على الجهة المقابلة، اتهم القيادي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، يحيى رباح، حركة "حماس" بافتعال الأزمات في غزة من خلال رفضها تسليم حكومة الوفاق لمهامها. ويقول رباح لـ "العربي الجديد" إن "حديث حماس أن السبب في أزمات القطاع، قرار سياسي من عباس أمر محزن لأن الشعب الفلسطيني وفي مقدمته القيادة الفلسطينية تدخل الآن في ذروة الاشتباك مع إسرائيل والولايات المتحدة التي تنحاز للاحتلال وتغطي جرائمها بحق شعبنا".

واتهم رباح "حماس" بأنها لم تسمح لوزراء الحكومة الذين زاروا غزة الأسبوع الماضي بالاجتماع مع موظفي وزارتهم (الموظفين القدامى الذين استنكفوا عن العمل بعد عام 2007) ولم تسمح لهم بالذهاب إلا للأماكن التي يريدها أمن غزة. واشترط رباح أن يتم تسليم المعابر لحكومة التوافق والسلطة الفلسطينية، حتى تتم عملية إعادة الإعمار، قائلا "ما دامت المعابر تحت سيطرة حماس فسيظل ملف الإعمار مؤجلا، وكل يوم يؤجل فيه الإعمار يكون كارثة".

في غضون ذلك، يقول المحلل السياسي تيسير محيسن، لـ "العربي الجديد"، إنّ أزمات قطاع غزة بالفعل مرتبطة بقرار سياسي، ولو نظرنا إلى هذه المشاكل من جميع الجوانب واستمعنا إلى جميع الأطراف سندرك هذا الأمر، مشيراً إلى أنّ هذا التضييق الذي يمارس على القطاع يهدف إلى الحصول على تنازلات سياسية من حركة "حماس" من دون أن يتم النظر بعين الاعتبار إلى المواطن الفلسطيني البسيط الذي يعاني الأمرين في ظل الواقع الذي يعيشه.

ويضيف محيسن أن "من أهم الأمثلة على أن مشاكل غزة سببها قرار سياسي من قيادة السلطة الفلسطينية، أزمة موظفي حكومة غزة السابقة، فاتفاق المصالحة الفلسطينية نصّ على أن حل مشكلتهم يكمن في تشكيل لجنة إدارية وقانونية بعد تشكيل حكومة التوافق على أن تنهي عملها بعد أربعة أشهر من تشكيلها، وها نحن بعد سبعة شهور من تشكيل الحكومة ما زالت الأزمة تراوح مكانها".

ويشير محيسن إلى أنّ العديد من المسؤولين الإسرائيليين تحدثوا في تصريحات لهم عن أن سلطات الاحتلال ليس لديها أي مشاكل في إدخال أي كمية يطلبها الفلسطينيون من مواد ومستلزمات البناء إلى غزة، لافتاً إلى أن هذه التصريحات الإسرائيلية تثبت أن هناك قراراً سياسياً بتعطيل عملية الإعمار. ويلفت إلى أنّ المطلوب من كل الأطراف النافذة في السلطة الفلسطينية، أن تتخلى عن الأجندة الخاصة بها وتنظر إلى الأجندة الوطنية.

وشنت إسرائيل عدواناً على قطاع غزة في السابع من يوليو/تموز الماضي، استمر 51 يوماً، وأسفر عن استشهاد أكثر من ألفي فلسطيني وإصابة نحو 11 ألف آخرين، بالإضافة لتدمير عشرات الآلاف من الوحدات السكنية والبنية التحتية. وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر على انتهاء العدوان الإسرائيلي، إلا أن عملية الإعمار لم تبدأ بشكل حقيقي ما يزيد من معاناة الآلاف من أصحاب المنازل المدمرة الذين يقطن معظمهم في مراكز إيواء تابعة لـ "الأونروا".

دلالات