التحالفات السياسية في العراق: تعددت أسباب التشكل والانفراط واحد

19 فبراير 2020
الحكيم (وسط) انسحب من تحالف "الإصلاح" (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
كما أن لا عداوة دائمة بين سكان المنطقة الخضراء في بغداد، نواة العملية السياسية الأولى في العراق، لا توجد تحالفات دائمة، إذ لم يسجل أطول تحالف سياسي أكثر من دورة انتخابية واحدة وقد يكون أقل من ذلك بكثير، فسرعان ما يتحلل التحالف مع أول تقسيم للوزارات والمناصب في الحكومة الجديدة.

تحالفات انتخابات عام 2018 كانت أسرعها انفراطاً منذ عام 2003، بل أكثرها جدلاً فيما يتعلق بأزمة تحديد من هي الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان، أو ما تعرف اليوم بالكتلة الكبرى والتي تحولت لعقدة منشار منذ عام 2010 وحتى الآن.

ويؤكد ساسة عراقيون أنّ الجانب الشخصي بين القادة وزعماء التحالفات، والمكاسب فيما يتعلق بحصص كل كتلة من المناصب الحكومة، سبب رئيسي في تفكك تلك التحالفات، متوقعين انفراطاً أكبر لها، بعد مصرع مهندس التحالفات السياسية الأول في العراق زعيم "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني بغارة أميركية، مطلع الشهر الماضي.

وفي هذا الإطار، أكدت مصادر سياسية في تحالف "البناء"، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنّ التحالف الأقرب إلى إيران وتعد كتل "الفتح" بزعامة هادي العامري، و"دولة القانون" بزعامة نوري المالكي و"صادقون" بزعامة قيس الخزعلي، أبرز مكوناته، على وشك تصدع جديد؛ بسبب خلافات متراكمة، كان آخرها اختيار محمد توفيق علاوي لرئاسة الحكومة والضغط على عدة كتل رافضة لهذا الخيار، بما اعتبر إخلالاً للاتفاقات التي على ضوئها شيد هذا التحالف.

وبيّنت المصادر عينها، أنّ التحالف مهدد بانسحاب كتلة تحالف "القوى العراقية"، منه، الذي يعتبر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أبرز رموزه، وكذلك كتلة نوري المالكي "دولة القانون"، وذلك لأسباب مختلفة، أبرزها تفرد عدة شخصيات بالتحالف في غالبية القرارات وتشكل تحالفات أو تكتلات مصغرة داخل التحالف الكبير ذاته، فضلاً عن التنصل من وعود التحالف ذاته لقوى انضمت إليه بشأن المختطفين والمغيبين قسرياً من أبناء المحافظات المحررة من تنظيم "داعش"، وملف إعادة إعمارها الذي لم يبدأ بعد كما لم تخصص لها مبالغ لذلك.

في المقابل، فإنّ خروج تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، من تحالف "الإصلاح" الذي يضم "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، و"النصر" بزعامة حيدر العبادي، و"جبهة الإنقاذ" بزعامة أسامة النجيفي، لا يعد الأول، إذ كشفت مصادر مقربة من التحالف عن أنّ "ائتلاف النصر" التابع لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، انفصل عن التحالف من دون إعلان مسبق، بينما توجد خلافات حالياً مع "سائرون" وزعيمها مقتدى الصدر.

والأمر ذاته، يواجه جبهة "الإنقاذ" التابعة للسياسي أسامة النجيفي، فيما انعزل إياد علاوي كلياً مع قائمته "الوطنية"، بعد تقديم استقالته، الشهر الماضي، من البرلمان، ومهاجمته العملية السياسية، إذ تشير المصادر ذاتها، إلى أن علاوي لم يعد ملتزماً بأي تحالف مع أي تكتل سياسي آخر.


في السياق، قال عضو البرلمان رعد الدهلكي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جميع التحالفات منذ عام 2003 ولغاية الآن تتفكك لمصالح ومغانم شخصية وحزبية ضيقة لا وطنية، مضيفاً "البعض ينادي بالمعارضة والبعض يذهب بالمشاركة حسب نسبة مكاسبه لذلك".

وأعرب عن اعتقاده بأنّ "هذه المعادلة لن تستمر بعد التظاهرات ويجب أن يكون التحالف من أجل مكاسب وطنية لا حزبية، وإلا فالخاسر سيكون من يصر على تقديم مصالح حزبه وتحالفه ومغانمها على حساب الهم العراقي"، لافتاً إلى أنّ "بعض التحالفات تتقوى بالسلاح المنفلت أيضاً"، في إشارة إلى الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة.

بدوره، رأى عضو تحالف "سائرون" الذي يتزعمه الصدر، النائب سعد الحلفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ التفكك السريع في التحالفات "هو نتيجة طبيعية ومتوقعة بسبب المصالح الضيقة، لذا لا نجد تحالفا يدوم أكثر من دورة انتخابية أو أقل من ذلك بكثير".

وأضاف "المغانم الشخصية ظلت مسيطرة على كثير من تلك التحالفات وبعضها لظروف آنية، لذا قد نشهد تفككاً مستمراً ليس على مستوى التحالفات فقط بل انشقاقات على مستوى الكتلة أو الحزب الواحد".


من جهته، رأى الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ العراق مقبل على خارطة تحالفات جديدة سيكون للتظاهرات الحالية فيها اليد الطولى.

واعتبر أنّ "محاولة القفز من سفينة الحكومة، أخيراً؛ بسبب التظاهرات، كانت سبباً إضافياً لاتساع رقعة التفكك والانقسام داخل التحالفات السياسية"، متوقعاً أنّ "الانتخابات المقبلة ستكون مختلفة تماماً عن الانتخابات الماضية، فقد نشهد تقوقعا وعودة إلى التكتلات الطائفية لحماية مكاسب أو ضمان أصوات، بالمقابل سنجد قوى بهوية وطنية مدنية تولد من رحم ساحات التظاهرات، وأخرى قديمة تحاول أن تجاري هوى الشارع بإعلان تحالفات عابرة للطوائف".