23 سبتمبر 2024
التحالف التركي الأميركي إلى أين..؟
ثمّة تضخيم ومبالغة كثيران في اعتبار مقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، بمثابة رسالة وداع للتحالف التركي - الأميركي، لكن المؤكد أن المقال يقرع ناقوس خطرٍ يحدق بالتحالف الوثيق الذي دام عقودا، وذلك في خاتمته: "على واشنطن، قبل أن يفوت الأوان، التخلي عن الفكرة المضللة القائلة إن علاقتنا يمكن أن تكون غير متناظرة، وأن تقبل حقيقة أن لدى تركيا بدائل".
وهناك مبالغةٌ في وصف توتر العلاقات التركية - الأميركية، وإذا كان لا يمكن القول إن علاقات البلدين على ما يرام، فإنه أيضاً لا يمكن زعم أن الأزمة هي الأعمق من نوعها عبر تاريخ هذه العلاقات. وهي أزمة لا تقتصر على سوء العلاقات بين تركيا وأميركا فقط، إنما تمثل أزمة ينعكس تأثيرها على النظام العالمي الذي أسّسته أميركا، وأصبحت مركزاً لمحوره، إذ رأينا أخيرا إن أميركا تعاني من مشكلات مع جميع حلفائها وأعدائها، وليس تركيا فقط.
يمكن القول إن الأزمة الحالية شبيهة بالأزمات السابقة إلى حد كبير، ولم تصل إلى عمق السابقة وزخمها أيضاً، فقد وصلت العلاقات الأميركية - التركية إلى ذروة التوتر بعيد أزمة قبرص، وبادرت الادارة الأميركية بتطبيق حصارعلى تركيا في تلك الفترة، لم تصل الأزمة الحالية إلى درجة أن تكون الأعمق بعد، فليس ثمّة عقوبات ملموسة وواقعية من أميركا.
هناك عوامل متداخلة جعلت من العلاقات الأميركية - التركية متشابكة ومعقدة، وتقوم على عناصر تاريخية وجيواستراتيجية ومصالح مؤسّسية راسخة، يصعب تجاوزها في معادلات السياسات الخارجية، وتوجهات المواقف الإقليمية، ليس فقط انطلاقًا من الروابط القائمة بين البلدين في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإنما أيضًا استنادًا إلى العلاقات على المستويات الاستخباراتية والعسكرية والاقتصادية.
مع وصول البيزنس مان، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، بدأت صورة الولايات المتحدة تشهد تغيرات جذرية، من ناحية إدارة البلاد، ووضعها على الصعيد الدولي، فبعد مرحلة من الانطواء والتراجع النسبي في عهد الرئيس باراك أوباما، عادت الولايات المتحدة إلى مسرح الأحداث هذه المرة بصورة مختلفة عن المألوف، ولا سيما مع حلفاء واشنطن.
في ظل إدارة ترامب، لم تمنح البعثات الدبلوماسية الأميركية في تركيا الأتراك تأشيرات دخول لفترة طويلة، و فرضت حظرًا على إدخال الأجهزة الإلكترونية إلى الطائرات المتجهة من تركيا إلى الولايات المتحدة، وان توقيف نائب المدير العام لمصرف تركي، كما استمر الدعم العسكري الأميركي للامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا ولدى "الناتو"، بالإضافة إلى الملف المتعلق بتنظيم الكيان الموازي (جماعة فتح الله غولن).
صحيح أن مراقبين كثيرين اعتبروا قضية منظومة إس 400 الدفاعية الروسية التي ترغب تركيا باستيرادها من موسكو، وكذلك موقف أنقرة المعلن من أي عقوبات أميركية جديدة على إيران، السبب وراء الأزمة الحالية، واعتبار قضية القس الأميركي المعتقل لدى تركيا، ثم تحويله إلى الإقامة الجبرية، ليست سوى ذريعة، إلا أن جوهر القضية هي استقلالية القرار التركي.
حصل ترامب على أصوات 80% من الإنجيليين في انتخابات الرئاسة عام 2016، ومن المقرر إجراء انتخابات جزئية في الولايات المتحدة في نوفمبر تشرين الثاني، وتوالت التهديدات من ترامب، ونائبه مايك بنس، مع اقتراب موعد هذه الانتخابات، بفرض عقوبات على تركيا، في حال عدم الإفراج عن القس. وقد يكون التصعيد مرتبطا بملفات أميركية داخلية بحتة، لا علاقة لتركيا بها، بغرض استجداء دعم الإنجيليين في هذه الانتخابات. وكانت المسألة وليدة محاولات ترامب، للتأثير على السياسة الداخلية لبلاده. بتعبير آخر، حاول ترامب تحقيق انتصار خارجي ضد تركيا من أجل ضمان استمرار دعم الإنجيليين له في الداخل الأميركي.
ولم يعد خافيا أن الأزمة الناشئة بين تركيا وأميركا ليست مشكلة على المدى القصير، إنما هي تراكم مجموعة من المشكلات المشابهة في هذه الفترة، إذ تمر أميركا بفترة أزمات مختلفة مع دول أخرى عديدة، الحلفاء والأعداء منها.
وليس من الصعب الوصول الى حل مشترك للأزمة، بين حكومتي البلدين، في إطار مباحثات ومفاوضات متبادلة، فالمسألة ليست معقّدة إلى هذه الدرجة. قد تستغرق المسألة أسابيع وحتى أشهر، لأن قضية القسّ ليست كافية، لتكون عاملاً مؤثراً على مستقبل العلاقات بين البلدين، لكن الجميع يدركون أن المسألة لا تقتصر على قضية القس فقط، ولن تنتهي جميع المشكلات مع وصول هذه القضية إلى حل مشترك.
ستوفر المعارضة المتزايدة في الاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة، لأسباب اقتصادية، أرضية مناسبة لتركيا، من أجل تخفيف أي تصعيد من الجانب الأميركي. وهنا على أنقرة إقامة تعاون مع العواصم الأوروبية المتضرّرة من التحركات الأميركية أخيرا، ومن دون طرح مواضيع جدل جديدة، كتطبيق عقوبة الإعدام، بالإضافة إلى توجهاتها المستمرة نحو روسيا والصين، فالتحرّك التركي الواضح للتقارب مع بكين وموسكو، أخيرا، يشير إلى استعداد أنقرة لما هو أسوأ.
يبقى القول إنه، في ظل هذا التوتر مع إدارة ترامب، تتقدّم العلاقات التركية الروسية بخطوات واثقة على كل الأصعدة، بدءًا من الاقتصاد والطاقة، مرورا بالتجارة والسياحة والدبلوماسية والتعاون العسكري والاستخباري، ويثير هذا التقدم والتعاون المتنوع قلق الغرب.
وهناك مبالغةٌ في وصف توتر العلاقات التركية - الأميركية، وإذا كان لا يمكن القول إن علاقات البلدين على ما يرام، فإنه أيضاً لا يمكن زعم أن الأزمة هي الأعمق من نوعها عبر تاريخ هذه العلاقات. وهي أزمة لا تقتصر على سوء العلاقات بين تركيا وأميركا فقط، إنما تمثل أزمة ينعكس تأثيرها على النظام العالمي الذي أسّسته أميركا، وأصبحت مركزاً لمحوره، إذ رأينا أخيرا إن أميركا تعاني من مشكلات مع جميع حلفائها وأعدائها، وليس تركيا فقط.
يمكن القول إن الأزمة الحالية شبيهة بالأزمات السابقة إلى حد كبير، ولم تصل إلى عمق السابقة وزخمها أيضاً، فقد وصلت العلاقات الأميركية - التركية إلى ذروة التوتر بعيد أزمة قبرص، وبادرت الادارة الأميركية بتطبيق حصارعلى تركيا في تلك الفترة، لم تصل الأزمة الحالية إلى درجة أن تكون الأعمق بعد، فليس ثمّة عقوبات ملموسة وواقعية من أميركا.
هناك عوامل متداخلة جعلت من العلاقات الأميركية - التركية متشابكة ومعقدة، وتقوم على عناصر تاريخية وجيواستراتيجية ومصالح مؤسّسية راسخة، يصعب تجاوزها في معادلات السياسات الخارجية، وتوجهات المواقف الإقليمية، ليس فقط انطلاقًا من الروابط القائمة بين البلدين في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإنما أيضًا استنادًا إلى العلاقات على المستويات الاستخباراتية والعسكرية والاقتصادية.
مع وصول البيزنس مان، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، بدأت صورة الولايات المتحدة تشهد تغيرات جذرية، من ناحية إدارة البلاد، ووضعها على الصعيد الدولي، فبعد مرحلة من الانطواء والتراجع النسبي في عهد الرئيس باراك أوباما، عادت الولايات المتحدة إلى مسرح الأحداث هذه المرة بصورة مختلفة عن المألوف، ولا سيما مع حلفاء واشنطن.
في ظل إدارة ترامب، لم تمنح البعثات الدبلوماسية الأميركية في تركيا الأتراك تأشيرات دخول لفترة طويلة، و فرضت حظرًا على إدخال الأجهزة الإلكترونية إلى الطائرات المتجهة من تركيا إلى الولايات المتحدة، وان توقيف نائب المدير العام لمصرف تركي، كما استمر الدعم العسكري الأميركي للامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا ولدى "الناتو"، بالإضافة إلى الملف المتعلق بتنظيم الكيان الموازي (جماعة فتح الله غولن).
صحيح أن مراقبين كثيرين اعتبروا قضية منظومة إس 400 الدفاعية الروسية التي ترغب تركيا باستيرادها من موسكو، وكذلك موقف أنقرة المعلن من أي عقوبات أميركية جديدة على إيران، السبب وراء الأزمة الحالية، واعتبار قضية القس الأميركي المعتقل لدى تركيا، ثم تحويله إلى الإقامة الجبرية، ليست سوى ذريعة، إلا أن جوهر القضية هي استقلالية القرار التركي.
حصل ترامب على أصوات 80% من الإنجيليين في انتخابات الرئاسة عام 2016، ومن المقرر إجراء انتخابات جزئية في الولايات المتحدة في نوفمبر تشرين الثاني، وتوالت التهديدات من ترامب، ونائبه مايك بنس، مع اقتراب موعد هذه الانتخابات، بفرض عقوبات على تركيا، في حال عدم الإفراج عن القس. وقد يكون التصعيد مرتبطا بملفات أميركية داخلية بحتة، لا علاقة لتركيا بها، بغرض استجداء دعم الإنجيليين في هذه الانتخابات. وكانت المسألة وليدة محاولات ترامب، للتأثير على السياسة الداخلية لبلاده. بتعبير آخر، حاول ترامب تحقيق انتصار خارجي ضد تركيا من أجل ضمان استمرار دعم الإنجيليين له في الداخل الأميركي.
ولم يعد خافيا أن الأزمة الناشئة بين تركيا وأميركا ليست مشكلة على المدى القصير، إنما هي تراكم مجموعة من المشكلات المشابهة في هذه الفترة، إذ تمر أميركا بفترة أزمات مختلفة مع دول أخرى عديدة، الحلفاء والأعداء منها.
وليس من الصعب الوصول الى حل مشترك للأزمة، بين حكومتي البلدين، في إطار مباحثات ومفاوضات متبادلة، فالمسألة ليست معقّدة إلى هذه الدرجة. قد تستغرق المسألة أسابيع وحتى أشهر، لأن قضية القسّ ليست كافية، لتكون عاملاً مؤثراً على مستقبل العلاقات بين البلدين، لكن الجميع يدركون أن المسألة لا تقتصر على قضية القس فقط، ولن تنتهي جميع المشكلات مع وصول هذه القضية إلى حل مشترك.
ستوفر المعارضة المتزايدة في الاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة، لأسباب اقتصادية، أرضية مناسبة لتركيا، من أجل تخفيف أي تصعيد من الجانب الأميركي. وهنا على أنقرة إقامة تعاون مع العواصم الأوروبية المتضرّرة من التحركات الأميركية أخيرا، ومن دون طرح مواضيع جدل جديدة، كتطبيق عقوبة الإعدام، بالإضافة إلى توجهاتها المستمرة نحو روسيا والصين، فالتحرّك التركي الواضح للتقارب مع بكين وموسكو، أخيرا، يشير إلى استعداد أنقرة لما هو أسوأ.
يبقى القول إنه، في ظل هذا التوتر مع إدارة ترامب، تتقدّم العلاقات التركية الروسية بخطوات واثقة على كل الأصعدة، بدءًا من الاقتصاد والطاقة، مرورا بالتجارة والسياحة والدبلوماسية والتعاون العسكري والاستخباري، ويثير هذا التقدم والتعاون المتنوع قلق الغرب.