التصعيد الأمني في العراق وعلاقته بتحديد الانتخابات المبكرة

25 اغسطس 2020
عودة التجييش الطائفي والمناطقي (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -

للأسبوع الرابع على التوالي، تشهد العاصمة العراقية بغداد ومدن مختلفة، لم تعد تقتصر على شمال البلاد وغربه، بل امتدت إلى أقصى الجنوب والوسط، تصعيداً أمنياً ملحوظاً في التفجيرات والهجمات الصاروخية، التي تحمل بصمات المليشيات الموالية لإيران، فضلاً عن الاعتداءات الإرهابية لتنظيم "داعش"، الذي عاود استهداف مناطق لم يكن سابقاً يصل إليها، وأبرزها كركوك والبعاج.

ويؤكد سياسيون ومراقبون عراقيون أنه لا يمكن فصل هذه الأحداث عن تحديد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي موعد الانتخابات المبكرة في السادس من يونيو/ حزيران المقبل، والتي رافتقها أيضا عودة التجييش الطائفي والمناطقي من قبل زعماء وأعضاء أحزاب الطوائف والمكونات، وأذرعهم الإعلامية. 

كذلك تصاعدت الاتهامات لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من قبل المعسكر السياسي والمسلح المرتبط بإيران، خاصة من تحالفي "الفتح" و"دولة القانون"، ومليشيات مثل "كتائب حزب الله" و"العصائب" و"النجباء"، وفصائل أخرى، بالفشل في إدارة الملف الأمني، بما يقود البلاد إلى فوضى. 

والثلاثاء، قال النائب حسن شاكر الكعبي، رئيس كتلة "بدر" في البرلمان، وهي جزء من تحالف "الفتح" الممثل لـ"الحشد الشعبي"، إن "العراق اتجه إلى الفوضى في عهد الكاظمي"، مضيفاً أنه "لا يوجد استقرار أمني أو سياسي في عهده، والفوضى أصبحت أكثر من السابق"، مشدداً، في تصريحات نقلتها محطة تلفزيون عراقية محلية: "على هذه الحال لا يمكن تحديد موعد لإجراء الانتخابات".

تصاعدت الاتهامات لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من قبل المعسكر السياسي والمسلح المرتبط بإيران، خاصة من تحالفي "الفتح" و"دولة القانون"، ومليشيات مثل "كتائب حزب الله" و"العصائب" و"النجباء"، وفصائل أخرى، بالفشل في إدارة الملف الأمني، بما يقود البلاد إلى فوضى

 

وأضاف الكعبي أن "الكاظمي لم ينجح في إعادة هيبة الدولة، وأن حكومته إعلامية، والتغييرات التي يجريها كلها إعلامية فقط". 

ويقر مسؤول عسكري عراقي رفيع في قيادة العمليات المشتركة بأن جزءاً من التصعيد الأمني لا يمكن اعتباره سوى أنه "مفتعل ومقصود ضد الحكومة"، مضيفا، في حديث لـ"العربي الجديد"، طالبا عدم ذكر اسمه، أن الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية أو قوات التحالف والمنطقة الخضراء، وحتى الناشطين والمتظاهرين، من قبل جهات محسوبة على إيران، هي في الحقيقة "هجمات موجهة ضد الحكومة ورئيس الوزراء الكاظمي بالدرجة الأولى، كما أنها قد تعتبر معرقلا خطيرا أمام إجراء الانتخابات المبكرة، خاصة أن هناك من يعتبر إجراءها تحت انتشار سلاح المليشيات غير صحيح، ولن تكون انتخابات نزيهة".

في المقابل، تزداد وتيرة التصريحات الطائفية، والتي تحمل تحريضا على مناطق معينة دون غيرها، في تحشيد واضح يعيد إلى الأذهان انتخابات عام 2010، والتي اضطرت مفوضية الانتخابات آنذاك للتهديد بإبعاد الكتل والقوائم التي تمارس الشحن الطائفي والاستهداف المناطقي عن الانتخابات، متهمة إياها بتهديد السلم الأهلي. 

المتحدّث باسم جبهة الإنقاذ والتنمية، عبد الكريم عبطان، ربط بين حملات التحريض والاستعداء ضد مناطق أو مواقف معينة، واستدعاء البعد الطائفي، بإجراء الانتخابات، محذرا من تداعياتها على استقرار البلاد.

وقال عبطان، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الحملات تثير القلق وتعكر جو الأمن، وهناك تصاعد فيها، ويجب وقفها"، مؤكدا أن "مناطق حزام بغداد، كمدينة الطارمية وغيرها التي استهدفت أخيرا في تلك الحملات، كانت مناطق غير مستقرة أمنيا، لكن متابعة المنطقة بشكل مباشر من قبل الكاظمي أسهم أخيرا باستقرار نسبي فيها". 

وأضاف: "نريد أن يكون هناك استقرار أمني في البلاد، خاصة وأننا مقبلون على انتخابات مبكرة، والاستقرار الأمني جزء من متطلباتها. الأجهزة الأمنية تسعى لتثبيت دعائم الأمن في تلك المناطق، لكن ذلك يتطلب أيضا تعاونا وعدم محاولات إلقاء التهم من قبل بعض الأطراف"، مشددا: "الأمن يجب أن يكون ثقافة مجتمعية، وأن يعمل الجميع لتثبيته، وبدلا من تلك الحملات نحتاج إلى ضبط السلاح المنفلت، لأنه هو الذي يتسبب بتلك الانتهاكات الأمنية، وهذا ما لاحظناه أخيرا من خلال فقد هيبة الدولة، وأن تكون الوزارات الرسمية، كالدفاع والداخلية، والأجهزة الساندة، المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب حصرا، من تمسك الملف الأمني".

وأشار إلى أن "الحكومة تحتاج إلى دعم من قبل جميع الأطراف السياسية، وأن يأخذ كل دوره بمتابعة الملفات الأمنية السياسية لاستقرار الأمن في البلاد، أما إطلاق حملات جديدة للاتهامات والحديث عن اختراق المدن وغيرها فستكون تداعياته خطيرة على العراق".  

 

بدوره، قال الناشط المدني حسين الأسدي من بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "التصعيد في الخطاب الطائفي أو لغة الكراهية واستدعاء التاريخ لم تعد بضاعة رائجة عند العراقيين، وباتت اللعبة مكشوفة، فهي تتكرر قبل كل انتخابات"، وفقا لقوله.

وأضاف الأسدي أن "التركيز حاليا على ولادة خطاب وطني من رحم التكتلات الشبابية المدنية التي تؤمن بدولة المواطنة فقط ،وهو ما سيحصل قريبا لتأخذ مساحة جيدة بالعمل السياسي العراقي، على حساب إزاحة القوى الطائفية". 

أمّا النائب السابق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، فأكد أن تحديد موعد الانتخابات "استفز بعض الأطراف ودفعها لإطلاق الحملات المضادة".

وأوضح شنكالي أن "البعض يحاولون استغلال الملف الأمني للدخول في صراعات سياسية وطائفية وكتلوية وقومية، كما حدث في الانتخابات الماضية"، مبينا، لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة مطالبة بالسيطرة على المناطق الرخوة أمنيا، وعدم إفساح المجال لمن يتصيدون بالماء العكر، ويريدون تحويل الهجمات إلى باب من أبواب الصراعات المذهبية وغيرها".

وأشار  إلى أن "تحديد موعد الانتخابات هو الذي دفع بعض القوى للعمل على تحجيم دور الكاظمي، لأنها تتخوّف أن ينجح من خلال الدخول عبر حزب أو كتلة قوية بالانتخابات، وسحب البساط من تحت الكتل، لذا بدأت هي بمحاولات سحب البساط من تحته بإثارة الخلافات والاتهامات وغيرها"، مؤكدا أن "تلك الاتهامات تفتقر للأدلة، وأن الحكومة بإمكانها أن تحاسب مطلقيها قانونيا".