واجه مسؤولو البنوك المركزية من الولايات المتحدة واليابان ومنطقة اليورو، خلال اجتماعهم في صحراء السعودية مطلع الأسبوع الحالي، رمالهم المتحركة الخاصة بهم والتي يتعين عليهم أن يجتازوها، إنه ذلك التضخم المخاتل.
المشكلة التي تواجه ثلاثتهم هي أن نمو الأسعار لم يعد ومنذ فترة طويلة يتحرك كما هو متوقع، إذ يحول ارتفاع أعمار السكان والتقدم التكنولوجي دون بلوغ التضخم هدف 2% العزيز عليهم رغم إجراءات التحفيز الشديدة.
يقود هذا إلى إعادة تفكير عميقة من البنوك المركزية الأكثر نفوذا في العالم، تبدأ من طريقة تعريفهم لهدفهم والأدوات التي يستخدمونها لتحقيقه، في عملية تزداد إلحاحا مع تأهب العالم لمواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا.
وفّر اجتماع المسؤولين الماليين لأكبر 20 اقتصادا في العالم في الرياض، فرصة لجيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) وكريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي وهاروهيكو كورودا محافظ بنك اليابان (المركزي) لمقارنة ملاحظاتهم.
وقال مسؤول تنفيذي بأحد البنوك المشاركة في اجتماع العشرين، إن "كل البنوك المركزية الرئيسية تواجه مشاكل مماثلة، بما في ذلك سبل التعامل مع تباطؤ اقتصادي جديد.".
وتابع مشترطا عدم نشر اسمه، نظرا لحساسية الأمر، أنهم "يبحثون هذا الموضوع منذ فترة. حان الوقت أخيرا لكي يتوصلوا إلى نتيجة ما".
ولدى كورودا (محافظ المركزي الياباني) العديد من الدروس عن مخاطر التغاضي عن ضعف الأسعار لفترة أطول مما ينبغي، فقد ضخ جرعة مكثفة من التحفيز في 2013، لم تسفر إلا عن تكلس التضخم عند مستويات أقل بكثير من هدفه البالغ 2%.
وفي مراجعته الخاصة، بات في حكم المؤكد أن يعدل البنك المركزي الأوروبي هدفه للتضخم، المعرف بأنه معدل لنمو الأسعار "أقل لكن قريب من 2%"، لكي يشير إلى أنه لا ينظر إلى ذلك المستوى كسقف.
ويمكن للتضخم أن يصبح قوة مدمرة اقتصاديا وسياسيا إذا ارتفعت الأسعار سريعا جدا، لكن وتيرة متوسطة مثل 2% تعتبر ضرورية لتمكين الشركات من زيادة الأجور وخلق دورة قوية للاقتصاد.
قوى صعبة
يتساءل المنتقدون ما إذا سيكون تعديل تعريف أهداف الأسعار فعالا في محاربة الرياح المعاكسة للعوامل السكانية ومبتكرات التكنولوجيا، فالمجتمعات الأكبر سنا تكون أقل استهلاكا والتقنيات الجديدة تعزز الكفاءة بتكلفة أقل.
ومعا يمكن أن يصبح هذان العاملان قوى صعبة معاكسة للتضخم، وبغية معالجة هذا، ينظر المركزي الأميركي في أفكار مثل "استراتيجية التعويض"، التي يتعهد البنك المركزي بموجبها بالسماح للتضخم بتجاوز الهدف لتعويض فترات الضعف الاقتصادي.
لكن هذا سيكبل أيدي صناع السياسات في المستقبل، مما يجعلها استراتيجية عالية المخاطر.
يقول توماس باركن، رئيس بنك ريتشموند الاحتياطي الاتحادي (جزء من المركزي الأميركي)، "إنها تعمل على نحو رائع في النماذج.. لكن تطبيقها يثير أعصابي".
العديد من مسؤولي بنك اليابان المركزي يحذرون أيضا من مراجعة جديدة لإطار العمل، ويبدون تشككا في أن يساعد أي تعديل لهدف التضخم في إقناع الناس على نحو أكبر بأن الأسعار سترتفع.
وقال مصدر مطلع على خطط البنك، إن "ثمة شكوكاً داخل بنك اليابان حيال ما إذا كان التعهد بتحقيق تضخم أعلى يمكن أن يغير افتراضات الرأي العام تغييرا جذريا، لا سيما إذا كان التضخم لا يزال بعيدا عن الهدف الحالي".
وفي غياب اختراق واضح على صعيد الأدوات الأخرى في متناول البنوك المركزية، فإن إدارة توقعات الرأي العام تصبح من أقوى أسلحتهم في الوقت الراهن.
لكن التكلفة المرتفعة من بقاء أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة، من تصاعد أسعار العقارات إلى تلاشي عوائد صناديق التقاعد، لا تسمح للبنوك المركزية بأن تراوح مكانها على أمل أن يرتفع التضخم يوما ما.
وفي رفض منها لفكرة أن أسعار الفائدة قد تظل متدنية للأبد، شبهت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي تقاعس صناع السياسات بضفدع لا تعي أنها تعوم في ماء يغلي تدريجيا حتى فوات الأوان.
وأبلغت مؤتمرا هذا الأسبوع، على هامش اجتماع مجموعة العشرين، أن "هذه هي المخاطرة التي نواجهها.. التراكم التدريجي للدين في بيئة أسعار فائدة منخفضة لا يعطينا إشارة جيدة... لكي نقفز من الماء المغلي".
(رويترز)