02 نوفمبر 2024
التطرّف الإسرائيلي يأكل بعضه
تسللت، ليلة الأحد - الإثنين الماضيين، قوة إسرائيلية تستقل سيارةً مدنيةً مستهدفةً مجموعة من عناصر المقاومة شرقي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وعلى الرغم من عنصر المباغتة الذي أدّى إلى استشهاد سبعة من عناصر المجموعة التي تنتسب لحركة حماس، فقد استبسلت المجموعة في المواجهة، بما أدى إلى اعتراف إسرائيلي بمقتل ضابط وإصابة آخر. وتتكتم عادةً المصادر العسكرية للاحتلال على الخسائر البشرية، وتتريث قبل أن تعلن عن عددٍ يقل عن النصف من حجم الخسائر الفعلية. ولعل الاحتلال أراد عمليةً خاطفة، يوقع فيها أكبر عدد من الخسائر في صفوف المقاومة، بما يجعله متحكّما ومتفوقا في موازين الردع. فيما ذكرت مصادر في "حماس" لموقع إخباري "الخليج أونلاين" أنه تم ضبط شاحنة إسرائيلية، تحوي أجهزة رصد واتصالات، كان يُراد زرعها في أماكن محدّدة بغية الكشف عن مكان وجود الجنود الإسرائيليين الأسرى. وفي الحالتين، فقد أريد للعملية أن تكون محدودة، وأن تحقق، في الوقت ذاته، اختراقا جسيما لتحصينات المقاومة وأماكنها السرية. وقد فوجئ العدو بعد ذلك بأن المقاومة قد وسّعت دائرة الرد، وعملت، عبر غرفة قيادة مشتركة للفصائل، على إمطار المستوطنات المتاخمة للقطاع بمئات الصواريخ، فيما استهدف الاحتلال مقر فضائية تلفزيونية (الأقصى)، ومقر فندق الأمل، كما شمل الاستهداف مقر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين. وقد استغرقت هذه المواجهة يومين اثنين، مع تدخل أطرافٍ خارجية، منها مصر وقطر، لوقف المواجهة.
وخلافا لما زعمه الإرهابي، حارس الملاهي الروسي أفيغدور ليبرمان، الذي كان يتولى منصب وزير الجيش، عن "استسلام للإرهاب"، أدّى إلى تقديمه استقالته، فإنه ليس لدى الاحتلال في
هذه الآونة استراتيجية مواجهة واسعة، أو خطة لحربٍ شبه شاملة ضد قطاع غزة، على الرغم من أن الهدنة التي صادق عليها الجانبان تظل هشّة. وهو ما يكاد يجمع عليه المعلقون الإسرائيليون، فحكومة نتنياهو تدرك مدى صلابة إرادة المقاومة في المواجهة، وقد عبّرت عنها مسيرات العودة، بصدور الشبان والشابات الذين اقتحموا الحدود غير مرة. كما يدرك هذا الرجل أن المقاومة لا تتعلق بفصيل أو فصيلين، بل بمجتمع بأكمله، وبغرفة قيادة مشتركة، هي أشبه بهيئة أركان تضع خطة متسقة، تشارك فيها جميع فصائل العمل الوطني. ولا يقلل ذلك من حجم الخطر الإسرائيلي الذي يبقى قائما، غير أنه يرتد على أصحابه، ولا ينال من المستهدفين فقط. وفي سائر المواجهات البرية، فإن معنويات المقاومين تكون الأعلى، وخطر القتل أو الأسر يتربّص بالجنود الغزاة، ما إن تطأ أقدامهم أرض غزة.
ومن مفارقاتٍ أظهرتها مواجهة اليومين العصيبين على الاحتلال أن نتنياهو، راعي التطرف وقائده المتوّج، بدا، مع استقالة وزيري حزب إسرائيل بيتنا (وزيرة الهجرة صوفيا لاندفير، بعد استقالة ليبرمان بساعات)، أنه "ضحية" تطرّف أعلى وتيرةً يمثله هذا الحزب الأصولي الإرهابي، فيما يستعد حزب آخر في الائتلاف اليميني، البيت اليهودي، للسير على الطريق نفسه، فالتطرف كالنار، يأكل نفسه إن لم يجد ما يأكله. وما فعله ليبرمان هو بمنزلة استعراض انتخابي، جاء مقروناً بدعوات إلى انتخابات مبكرة. ويسعى نتنياهو إلى تجنب هذه الكأس في هذه الظروف، فأولوياته، في هذه المرحلة، تحقيق مزيدٍ من الاختراقات التطبيعية مع العالم العربي لعزل الفلسطينيين، وتشجيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على بلورة صفقته، بما يتطابق أكثر وأكثر مع مطامح الاحتلال ووضع الفلسطينيين تحت الأمر الواقع، وتحت ضغط شطرٍ من العالم العربي. والأولوية الموازية هي التعامل مع التحدّي الإيراني في سورية ولبنان. أما قطاع غزة، فلا منظور عسكريا ولا سياسيا للتعامل معه، باستثناء محاولة حمل دولٍ عربية على تنفيس بيئة المقاومة بدعم اقتصادي للقطاع، وإدامة الانفصال عن الضفة الغربية، وتشجيع الغزيين على إقامة كيان "مزدهر" لهم، بعيدا عن المشروع الوطني الفلسطيني، الرامي إلى إنهاء احتلال الضفة الغربية، وفك الحصار الإسرائيلي، البحري والبري والجوي، عن قطاع غزة.
لا يرغب نتنياهو وحزب الليكود، في قياس شعبيتهما لدى الجمهور في هذه الآونة، حيث يتجنّد
ضدهما اليمين و"الوسط" معا. وبينما ينعته اليمين بأنه "استسلم للإرهاب"، فإن الوسط، ممثلا بحزب العمل، يأخذ عليه ما يعتبره فشله في الأمن والسلام معا. ومن المثير للدهشة أن نتنياهو عازم على تولي وزارة الأمن بنفسه (يطالب بها حزب البيت اليهودي لرئيس الحزب ووزير التعليم نفتالي بينيت)، إضافة إلى تقلده وزارة الخارجية، بما يجعل نتنياهو رئيس حكومة ثلاثي الأبعاد!
وعلى الرغم من أنه يتولى المنصب السياسي الأعلى، فإنه لا يمتلك مشروعا سياسيا يُذكر للتعامل مع "معضلته" الفلسطينية الوجودية سوى مواصلة الغزو الاستيطاني، وتهويد القدس المحتلة، وإغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وبينما ينجح حتى الآن في استمالة ترامب إلى صفه، فإنه يخسر روسيا والاتحاد الأوروبي والصين، وحتى قطاعات أميركية متزايدة قريبة من الحزب الديمقراطي. وهو ما يجعله يراهن على التطبيع مع العالم العربي، لكسر الحلقة الضيقة التي تطبق عليه.
وإذ تحتدم المواجهات السياسية والحزبية في معسكر اليمين الصهيوني في ضوء الفشل في غزة، فإن صورة الدولة العبرية تتمظهر مجدّدا، قلعة للتطرّف وإرهاب الدولة. ومتطرّفوها، وهم كُثر، يسلكون ويفكّرون كمدمني المخدرات الذين لا يملكون، تحت وطأة الإدمان ومفاعيله الضاغطة، سوى الانتقال من صنفٍ قوي إلى صنف مخدّر آخر أقوى، لإشباع حاجاتهم المرضية الخطيرة التي لا تقف عند حد. وهذه هي البيئة المسمومة التي تفرّخ على الدوام مزيدا من التشكيلات الاجتماعية والدينية السياسية المتطرّفة، وذلك في غياب أهل اليمين واليسار عن إنتاج مشاريع سياسية جدية تمثل جمهورهم والجمهور الأوسع، وتفتح أفقاً للسلام، وتضع حداً لدوامة الحروب.
وخلافا لما زعمه الإرهابي، حارس الملاهي الروسي أفيغدور ليبرمان، الذي كان يتولى منصب وزير الجيش، عن "استسلام للإرهاب"، أدّى إلى تقديمه استقالته، فإنه ليس لدى الاحتلال في
ومن مفارقاتٍ أظهرتها مواجهة اليومين العصيبين على الاحتلال أن نتنياهو، راعي التطرف وقائده المتوّج، بدا، مع استقالة وزيري حزب إسرائيل بيتنا (وزيرة الهجرة صوفيا لاندفير، بعد استقالة ليبرمان بساعات)، أنه "ضحية" تطرّف أعلى وتيرةً يمثله هذا الحزب الأصولي الإرهابي، فيما يستعد حزب آخر في الائتلاف اليميني، البيت اليهودي، للسير على الطريق نفسه، فالتطرف كالنار، يأكل نفسه إن لم يجد ما يأكله. وما فعله ليبرمان هو بمنزلة استعراض انتخابي، جاء مقروناً بدعوات إلى انتخابات مبكرة. ويسعى نتنياهو إلى تجنب هذه الكأس في هذه الظروف، فأولوياته، في هذه المرحلة، تحقيق مزيدٍ من الاختراقات التطبيعية مع العالم العربي لعزل الفلسطينيين، وتشجيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على بلورة صفقته، بما يتطابق أكثر وأكثر مع مطامح الاحتلال ووضع الفلسطينيين تحت الأمر الواقع، وتحت ضغط شطرٍ من العالم العربي. والأولوية الموازية هي التعامل مع التحدّي الإيراني في سورية ولبنان. أما قطاع غزة، فلا منظور عسكريا ولا سياسيا للتعامل معه، باستثناء محاولة حمل دولٍ عربية على تنفيس بيئة المقاومة بدعم اقتصادي للقطاع، وإدامة الانفصال عن الضفة الغربية، وتشجيع الغزيين على إقامة كيان "مزدهر" لهم، بعيدا عن المشروع الوطني الفلسطيني، الرامي إلى إنهاء احتلال الضفة الغربية، وفك الحصار الإسرائيلي، البحري والبري والجوي، عن قطاع غزة.
لا يرغب نتنياهو وحزب الليكود، في قياس شعبيتهما لدى الجمهور في هذه الآونة، حيث يتجنّد
وعلى الرغم من أنه يتولى المنصب السياسي الأعلى، فإنه لا يمتلك مشروعا سياسيا يُذكر للتعامل مع "معضلته" الفلسطينية الوجودية سوى مواصلة الغزو الاستيطاني، وتهويد القدس المحتلة، وإغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وبينما ينجح حتى الآن في استمالة ترامب إلى صفه، فإنه يخسر روسيا والاتحاد الأوروبي والصين، وحتى قطاعات أميركية متزايدة قريبة من الحزب الديمقراطي. وهو ما يجعله يراهن على التطبيع مع العالم العربي، لكسر الحلقة الضيقة التي تطبق عليه.
وإذ تحتدم المواجهات السياسية والحزبية في معسكر اليمين الصهيوني في ضوء الفشل في غزة، فإن صورة الدولة العبرية تتمظهر مجدّدا، قلعة للتطرّف وإرهاب الدولة. ومتطرّفوها، وهم كُثر، يسلكون ويفكّرون كمدمني المخدرات الذين لا يملكون، تحت وطأة الإدمان ومفاعيله الضاغطة، سوى الانتقال من صنفٍ قوي إلى صنف مخدّر آخر أقوى، لإشباع حاجاتهم المرضية الخطيرة التي لا تقف عند حد. وهذه هي البيئة المسمومة التي تفرّخ على الدوام مزيدا من التشكيلات الاجتماعية والدينية السياسية المتطرّفة، وذلك في غياب أهل اليمين واليسار عن إنتاج مشاريع سياسية جدية تمثل جمهورهم والجمهور الأوسع، وتفتح أفقاً للسلام، وتضع حداً لدوامة الحروب.