ويلاقي هذا القانون رفضاً واسعاً من المؤسسات الحقوقية وفي أوساط الأطباء الإسرائيليين، ويتعارض مع الأخلاقيات الطبية والمواثيق والمعاهدات العالمية، وقد يعرّض الأطباء الذين ينفّذونه لدعاوى قضائية في المحاكم الدوليّة.
وتمت المصادقة على صيغة القانون، بعد ساعات من طرحه، من دون التعمّق في تفاصيله وأبعاده، إثر ضغوط من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يسعى جاهداً إلى كسر إرادة الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام منذ 57 يوماً.
ومن الطرق التي تجيزها صيغة القانون، إدخال أنابيب الى أجساد الأسرى، وتمرير الغذاء من خلالها. ويعفي مشروع القانون الأطباء المشاركين في التغذية القسرية من الأضرار والمسؤوليات القانونية ويحميهم في هذا الجانب.
ووسط تخوفات الأطباء الإسرائيليين من تداعيات تنفيذ القانون عليهم، خرجت تصريحات عن مسؤولين في نقابة الأطباء، تؤكد أنها لن تدافع عن أي طبيب يتورط في تنفيذ القانون.
وكشفت المحامية علا شتيوي، من قسم الأسرى والمعتقلين في "جمعية أطباء لحقوق الانسان" في يافا، لـ"العربي الجديد" عن خطوات باشرت الجمعية باتخاذها ضد القانون ومنفذيه. وأكدت أن "التغذية الإجبارية تُعتبر من أنواع التعذيب بحسب المواثيق الدولية المتعلقة بقضايا التعذيب، كما تتنافى مع المعاهدات الدولية المتعلقة بالأخلاقيات الطبية، ومنها وثيقة مالطا 2006 وطوكيو 1975 ووثيقة الجمعية الطبية العالمية التي صدرت عام 2006، والتي تعتبر التغذية القسرية، نهجاً منافياً للأخلاقيات، وتطلب بشكل واضح من الأطباء عدم المشاركة بها".
وتضيف شتيوي أن غالبية الأطباء الذين تعرفهم الجمعية، أو تواصلت معهم بشكل مباشر، يعارضون القانون، "لكن دائماً هناك خارجين عن الأغلبية ستتماشى ممارساتهم مع مواقف الحكومة الإسرائيلية، خاصة أولئك الذين لا ينتمون للنقابة، وفي ظل التأثير المحدود للنقابة لأن من يمنح رخصة مزاولة المهنة هي وزارة الصحة".
وتوجهت "جمعية أطباء لحقوق الانسان" إلى منظمة الصحة العالمية، مطالبة إيّاها بالرفض الواضح والعلني للقانون الإسرائيلي، والتأكيد أن التغذية بالقوة تندرج في اطار التعذيب. كما طالبتها بالضغط على المؤسسة الإسرائيلية لمنع التصويت على القانون والعمل به، "وعليه فإن حراك نقابة الاطباء الإسرائيلية وموقفها الرافض، لم يأت من فراغ، ولكن بسبب الضغوطات"، بحسب ما قالته المحامية علا شتيوي لـ"العربي الجديد".
وتعمل الجمعية، في هذه المرحلة ايضاً، على التوجه لدبلوماسيين من عدة دول للضغط على الحكومة الإسرائيلية، فيما تنوي التوجه لمحكمة العدل العليا في حال مرّ القانون، وهو الأمر الذي سيتم وفق كل المؤشرات.
في سياق متّصل، أكدت شتيوي أن السلطات الإسرائيلية لا تزال تعيق وصول الأطباء الذين ترسلهم الجمعية للاطلاع على أوضاع الأسرى، أو تمنع اللقاء بهم بالمطلق، كما يحدث غالباً في الآونة الأخيرة.
من جانبه، أوضح المحامي نديم شحادة، من مركز "عدالة" القانوني ــ الحقوقي في حيفا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المعاهدات الدولية تسري بطبيعة الحال على الأطباء الاسرائيليين ونقابة الأطباء الاسرائيلية، وبالتالي فإنّ مشاركة أي منهم في اطعام الأسرى قسراً يتعارض مع المعاهدات".
ويرى شحادة أن "صيغة القانون التي تمت المصادقة عليها سريعاً، من دون دراسة أبعادها وإسقاطاتها، ستجلب انتقادات ليس للحكومة فحسب، وإنما أيضاً للأطباء الإسرائيليين الذين يخشون من تغيّر معاملة العالم لهم، واتخاذ مواقف سلبية تجاههم، ولذلك سارعت رابطة الأطباء للتصريح بأنها لن تدافع عن أي طبيب يتورط في تنفيذ القانون اذا ما واجه قضية في المحاكم الدولية".
ويرى شحادة أن القانون سيقرّ حتماً من قبل الائتلاف الحكومي، لكن كل المحاولات الإسرائيلية لتجميل صورته أمام العالم، وكأنه يأتي إنقاذاً لحياة الأسرى، لن تنفع.
ويعتقد شحادة أن القانون سيكون مسيئاً جداً لإسرائيل، لكن ما دفعها اليه هو الانجازات التي يحققها الاسرى من خلال اضرابهم، بفضح السياسات الإسرائيلية ضدهم، وإخراج معاناتهم إلى المجتمع الدولي والرأي العام العالمي.
ويقول شحادة إنه سيكون من الصعب، مع بداية تطبيق القانون، رفع قضايا ضد إسرائيل مع تطبيق قانون التغذية القسرية، لأن هناك حالات تم فيها أمر من هذا النوع في العالم، لكن لاحقاً قد تكون هناك دعوات فردية ضد الأطباء الذين يخالفون المعاهدات، ولا يلتزمون بأخلاقيات المهنة ومواثيقها.
العليا ترفض النظر بتكبيل الأسرى
وفي سياق متصل، رفضت محكمة العدل العليا الإسرائيلية، النظر في استئناف تقدّم به مركز عدالة ومؤسسة الضمير لحقوق الأسرى، يوم الثلاثاء، يطالب بالكفّ الفوري عن سياسة ربط الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام، الذين يتلقون العلاج في المستشفيات الإسرائيلية.
وأحالت "العليا" ملف الاستئناف الذي تقدّمت به المحامية سوسن زهر باسم 21 معتقلاً إدارياً مضرباً عن الطعام، يمكثون في المستشفيات الإسرائيليّة إلى المحكمة المركزية.
ومما جاء في الالتماس أنه "يتم تقييد الأسير بالسرير من قدمه اليمنى طوال ساعات اليوم، وفي الليل يتم تكبيله من يده اليسرى أيضاً، ويبقى على هذا الوضع طوال فترة العلاج. ويمنع تقييد الأسرى بهذا الشكل أبسط إمكانيّات الحركة، ويثبّتهم بالسرير لأسابيع طويلة. هذه الحالة تؤدي إلى تفاقم المخاطر وتردّي أوضاعهم الصحيّة، وخصوصاً في هذه الفترة الحرجة، كما يتسبب بآلام شديدة ومعاناة نفسيّة وجسديّة.
وتفرض سلطة السجون تقييدات خطيرة على دخولهم إلى المراحيض في المستشفى، خاصةً في ساعات الليل. وبما أن الأسرى المضربين يعيشون على الماء والأملاح فقط، فهم بحاجة لدخول المرحاض بشكلٍ مكثف أكثر من أي إنسان آخر. وحتّى حين يتم السماح لهم بدخول المراحيض أو الحمام خلال ساعات النهار، يكون دخولهم مرهوناً بمسٍ سافر بخصوصيتهم، وإجبارهم على إبقاء الباب مفتوحاً"، بحسب النص الذي ورد في الاستئناف.
وقال مصدر مطّلع، رفض الكشف عن اسمه، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "الظروف السياسية أثرت على ما يبدو على المحكمة التي تتعرض في الآونة الأخيرة لهجوم عنيف من اليمين الاسرائيلي، وبالتالي يحاول القضاة قدر الإمكان الابتعاد عن القضايا السياسية الحارقة، بحسب مؤشرات كثيرة، وخاصة ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين في الاراضي المحتلة".