02 نوفمبر 2024
التغيير اللبناني؟
ما قبل الانتخابات البلدية اللبنانية غير ما بعدها. هكذا أظهرت المعطيات التي سادت في أربعة أسابيع انتخابية وبعدها. في الفعل السياسي والتمدّد المدني ونظرة الناخبين، أمور كثيرة تغيرت، وإن أراد بعضهم تجاهلها.
في الفعل السياسي، كرّست الانتخابات التباعد بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، كما عبّد الطريق لزعامة "متمرّدة" على "المستقبل"، بقيادة اللواء أشرف ريفي في طرابلس، شمالي لبنان. أيضاً عُمّد تفاهم القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، المولود منذ أشهر، في صناديق الاقتراع، تمهيداً لتحالف واسع نيابياً في عام 2017. ساد الضجيج في المناطق التي يهيمن عليها حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، على الرغم من فوزهم بأكثرية المجالس البلدية. تراجعت "العائلات السياسية" إلى حدود مسقط رأسها، بما يشبه التراجع الأخير قبل اضمحلال نفوذها بشكلها الحالي، أو التحوّل إلى أحزابٍ تؤمّن ديمومتها. وهو أمر صعب على بعضها.
في التمدّد المدني، إن عدنا عاماً إلى الوراء، لم يكن أحد ليتصوّر أنه يُمكن خرق اصطفافات مذهبية وسياسية في لبنان، إلى الحدّ الذي يعمل فيه بعضهم على مواجهة "ديناصورات" السياسة اللبنانية. في بيروت، واجهت لائحة "بيروت مدينتي" منفردة تكتّلاً واسعاً من جميع الأحزاب والتيارات والشخصيات الموالية والمعارضة، والتي تحالفت معاً بقدرة قادر. لم تكن "بيروت مدينتي" بعيدةً عن تحقيق خرق أو انتصار حتى. في زغرتا (شمالي لبنان)، واجهت لائحة مماثلة، تحالفاً سياسياً قوياً. لم تفز، لكنها حطمت النمطية السائدة هناك بأن المدينة موالية بالكامل لفريق سياسي محدد (تيار المردة). وفي بعلبك، إحدى قلاع حزب الله في لبنان، تقدمت اللائحة المواجهة للحزب بقوة، وكادت أن تحصل على نصف المقاعد البلدية على الأقلّ.
كل ما سبق أمثلة قليلة من نظرة متغيّرة للناخبين اللبنانيين الذين واجهوا خروقاً عدة، منها الرشاوى الانتخابية، ومنها الضغط الاجتماعي الطاحن، المستولد من بيئة سياسية ـ مذهبية محدّدة. لم تكن الاحتجاجات الناجمة عن تراكم النفايات في طرقات لبنان العام الماضي سوى بداية لواقع مختلف، بدأ يتلمّس طريقه إلى الذهنية اللبنانية. وهو ما دفع القوى السياسية إلى اعتماد بعض شعارات الحراك المدني في الانتخابات، في محاولةٍ لتدارك الشارع وإمساكه وعدم تركه ينزلق منهم.
يعد هذا الأمر انتصاراً فعلياً للحراك المدني، خصوصاً أنه، في العام الماضي، اشتبكت مجموعات منه مع بعضها، لأسباب شخصية أو تقنية أو سياسية، أو لأي أمر آخر، في دليل على قلّة الخبرة في التعاطي مع مجتمعٍ ينتفض. وهو أمر مفهوم، ولا ينقص من أهمية الحدث بحدّ ذاته. أما في العام الحالي، استولدت الانتخابات البلدية اشتباكات بين الأطراف السياسية، داخل الأحزاب والتيارات نفسها، وبين بعضها بعضاً. وعلى الرغم من استخدام مفردات طائفية، لغة جامعة لكل هؤلاء، بغية الحفاظ على المكتسبات السياسية، إلا أن الناخبين لم يعودوا "ينصاعون" كما قبلاً إلى لغة الغرائز الطائفية. صحيح أن الوضع في بداياته، غير أنه يبدو مشجعاً، قياساً على العام الماضي.
لن تكون المرحلة المقبلة سهلة، خصوصاً أن الحراك المدني، أو حتى السياسي، بات، في بعض نواحيه، أسيراً لعوامل أكبر من قدرة لبنان. من جهة، فإن المعلومات عن وجود نياتٍ لـ"داعش" لضرب الساحة اللبنانية تتزايد. ومن جهة أخرى، فإن معركة حزب الله المالية مع النظام المالي اللبناني، واستطراداً القانون المالي الأميركي، لا تزال في بداياتها. كما أن وجود أفيغدور ليبرمان على رأس وزارة أمن الاحتلال الاسرائيلي يُعزّز فرضية "الحرب الجديدة مع لبنان". مع ذلك، ما تحقق منذ صيف العام الماضي، وفي ظلّ ظروف شبه مأساوية في البلاد، لا بدّ أن يُعوّل عليه لمرحلة لاحقة.
في الفعل السياسي، كرّست الانتخابات التباعد بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، كما عبّد الطريق لزعامة "متمرّدة" على "المستقبل"، بقيادة اللواء أشرف ريفي في طرابلس، شمالي لبنان. أيضاً عُمّد تفاهم القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، المولود منذ أشهر، في صناديق الاقتراع، تمهيداً لتحالف واسع نيابياً في عام 2017. ساد الضجيج في المناطق التي يهيمن عليها حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، على الرغم من فوزهم بأكثرية المجالس البلدية. تراجعت "العائلات السياسية" إلى حدود مسقط رأسها، بما يشبه التراجع الأخير قبل اضمحلال نفوذها بشكلها الحالي، أو التحوّل إلى أحزابٍ تؤمّن ديمومتها. وهو أمر صعب على بعضها.
في التمدّد المدني، إن عدنا عاماً إلى الوراء، لم يكن أحد ليتصوّر أنه يُمكن خرق اصطفافات مذهبية وسياسية في لبنان، إلى الحدّ الذي يعمل فيه بعضهم على مواجهة "ديناصورات" السياسة اللبنانية. في بيروت، واجهت لائحة "بيروت مدينتي" منفردة تكتّلاً واسعاً من جميع الأحزاب والتيارات والشخصيات الموالية والمعارضة، والتي تحالفت معاً بقدرة قادر. لم تكن "بيروت مدينتي" بعيدةً عن تحقيق خرق أو انتصار حتى. في زغرتا (شمالي لبنان)، واجهت لائحة مماثلة، تحالفاً سياسياً قوياً. لم تفز، لكنها حطمت النمطية السائدة هناك بأن المدينة موالية بالكامل لفريق سياسي محدد (تيار المردة). وفي بعلبك، إحدى قلاع حزب الله في لبنان، تقدمت اللائحة المواجهة للحزب بقوة، وكادت أن تحصل على نصف المقاعد البلدية على الأقلّ.
كل ما سبق أمثلة قليلة من نظرة متغيّرة للناخبين اللبنانيين الذين واجهوا خروقاً عدة، منها الرشاوى الانتخابية، ومنها الضغط الاجتماعي الطاحن، المستولد من بيئة سياسية ـ مذهبية محدّدة. لم تكن الاحتجاجات الناجمة عن تراكم النفايات في طرقات لبنان العام الماضي سوى بداية لواقع مختلف، بدأ يتلمّس طريقه إلى الذهنية اللبنانية. وهو ما دفع القوى السياسية إلى اعتماد بعض شعارات الحراك المدني في الانتخابات، في محاولةٍ لتدارك الشارع وإمساكه وعدم تركه ينزلق منهم.
يعد هذا الأمر انتصاراً فعلياً للحراك المدني، خصوصاً أنه، في العام الماضي، اشتبكت مجموعات منه مع بعضها، لأسباب شخصية أو تقنية أو سياسية، أو لأي أمر آخر، في دليل على قلّة الخبرة في التعاطي مع مجتمعٍ ينتفض. وهو أمر مفهوم، ولا ينقص من أهمية الحدث بحدّ ذاته. أما في العام الحالي، استولدت الانتخابات البلدية اشتباكات بين الأطراف السياسية، داخل الأحزاب والتيارات نفسها، وبين بعضها بعضاً. وعلى الرغم من استخدام مفردات طائفية، لغة جامعة لكل هؤلاء، بغية الحفاظ على المكتسبات السياسية، إلا أن الناخبين لم يعودوا "ينصاعون" كما قبلاً إلى لغة الغرائز الطائفية. صحيح أن الوضع في بداياته، غير أنه يبدو مشجعاً، قياساً على العام الماضي.
لن تكون المرحلة المقبلة سهلة، خصوصاً أن الحراك المدني، أو حتى السياسي، بات، في بعض نواحيه، أسيراً لعوامل أكبر من قدرة لبنان. من جهة، فإن المعلومات عن وجود نياتٍ لـ"داعش" لضرب الساحة اللبنانية تتزايد. ومن جهة أخرى، فإن معركة حزب الله المالية مع النظام المالي اللبناني، واستطراداً القانون المالي الأميركي، لا تزال في بداياتها. كما أن وجود أفيغدور ليبرمان على رأس وزارة أمن الاحتلال الاسرائيلي يُعزّز فرضية "الحرب الجديدة مع لبنان". مع ذلك، ما تحقق منذ صيف العام الماضي، وفي ظلّ ظروف شبه مأساوية في البلاد، لا بدّ أن يُعوّل عليه لمرحلة لاحقة.