23 سبتمبر 2024
التقارب التركي الروسي.. المزعج
تعتقد باريس أن الهجوم الصاروخي الذي شنته قبل أيام الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا في سورية أحدث شرخا بين روسيا وتركيا اللتين لديهما وجهات نظر مختلفة حول بعض القضايا، لا سيما في سورية. قال ذلك الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في حديث تلفزيوني. وليس خافياً أن هجمات الغرب في سورية أخيراً سعت، من بين ما سعت إليه، إلى إحداث شرخٍ في العلاقات بين روسيا وتركيا. و ليس سرا أن أي خلاف بين موسكو وأنقرة هو لمصلحة الغرب. ولذلك سيستمر الغرب بممارسة الضغوط على مواقع الاختلاف بينهما.
أتاحت روسيا لتركيا المجال لاستخدام القوة في الحالات التي تحتاجها الأخيرة داخل سورية، وقلل ذلك، إلى حد كبير، وربما أبعد، استخدام موسكو ورقة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا داخل سورية، بالإضافة إلى الدعم الروسي الذي لا تخطئه عين من أجل استكمال تركيا نشر نقاط المراقبة حول إدلب، وباقي المناطق، وفق اتفاقات أستانة، وأي عملية عسكرية محتملة في إدلب ستراعي روسيا فيها وجهة نظر تركيا، لما لذلك من عواقب سيئة على أنقرة. ولا يمكن إغفال حقيقة أن تفاهمات أنقرة – موسكو باتت تحد من تصرّف الولايات المتحدة إلى حد ما، كما تشاء في مناطق سورية كثيرة.
لم يقف كل ما سبق عائقاً أمام علاقات أنقرة بواشنطن سورياً، وهو ما يسمح لتركيا بمواصلة إعلان التمسك بموقفها الذي أعلنته منذ سبعة أعوام، والوقوف في وجه نظام الأسد، مع أن التحالف الاستراتيجي بين البلدين لم يوقف حتى اليوم التعاون بين الولايات المتحدة والامتداد السوري للعمال الكردستاني، إلا أنه استطاع أن يجعله محدودًا في بعض الأماكن، كما حصل في عملية غصن الزيتون في عفرين السورية. ويحول استمرار المحادثات التركية الأميركية بشأن سورية دون تحقيق روسيا نفوذًا كاملًا في الملف السوري من جهة، ويجعل واشنطن تجد أن لا مفر لها من أخذ حسابات أنقرة السورية بعين الحسبان وعلى محمل الجد من جهة ثانية، وليس من الصعب التكهن بأن الذي يدعم الموقف التركي في شأن حزب العمال الكردستاني وفروعه الآن أكثر، سيكون لديه أفضل العلاقات مع أنقرة.
وعلى الرغم من أن هناك مصالح مشتركة بين تركيا وإيران، أبرزها التعاون التكتيكي قصير الأجل ضد المجموعات الانفصالية، إلا أنهما تختلفان بشأن الحل النهائي في سورية، إذ تنظر إيران إلى نظام الأسد بوصفه جزءاً من استراتيجيتها لزيادة نفوذها، بينما ترى تركيا إيران منافساً، حققت توسعاً استراتيجياً إضافياً، في الأشهر الأخيرة، وتتعين إعادتها إلى حجمها، كما أن إيران ربطت أطماعها أكثر بروسيا، اللاعب الأكبر الآخر في المنطقة، وتوفر التفاهمات مع طهران لتركيا ترميم علاقتها مع الحكومة المركزية في العراق. وربما فات طهران أن تركيا لم تأت من ديار بعيدة، كبقية القوى الدولية والإقليمية، فهي بجوار عفرين ومنبج وعين العرب وتل أبيض والقامشلي، وأن تركيا اليوم على الأرض في سورية بكامل قوتها.
صحيحٌ أن مسار محادثات أستانة السوري بين تركيا وروسيا وإيران تعرض لهزّات عدة في الآونة الأخيرة، إلا أنه يبقى حاجة مشتركة ثلاثية، تتقاطع، في أكثر من جانب، مع حاجة سورية - سورية (نظام وفصائل عسكرية معارضة) في شقٍّ منها لوقف التمدد الانفصالي الاستيطاني الذي تدعمه واشنطن، تحت غطاء محاربة "داعش".
وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يخطط لسحب القوات الأميركية من سورية، فإن رؤساء روسيا وتركيا وايران اختتموا قمة أخرى في أنقرة بشأن سورية، الأمر الذي يعزز لهذه الدول الثلاث مزيدا من القوة والنفوذ في المنطقة والعالم على حساب الولايات المتحدة.
ومعلوم أن واشنطن تتدخل عسكرياً في سورية منذ سنوات، وبحسب أهدافها المعلنة، لمكافحة "داعش"، وهو الهدف الذي تعلنه كذلك روسيا، إلا أن ما يجري على الأرض شيء آخر أيضا، حيث تدعم واشنطن مجموعات مسلحة انفصالية تمثل الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابيا في حلف شمال الأطلسي).
ولا يخفى أن تركيا استطاعت جمع المتناقضات لتتبدل مواقف مختلف الأطراف تجاه تدخلها العسكري المباشر في سورية، الأول في درع الفرات، والثاني في غصن الزيتون، فلم تعد روسيا تعارض تحليق الطيران التركي في الأجواء السورية (بعد تجاوز أزمة إسقاط المقاتلة الروسية)، ولم تعارض واشنطن العمليات العسكرية التركية، كما تخلت بعض فصائل المعارضة السورية عن موقفها الرافض قتال التنظيمات الإرهابية المتطرفة والانفصالية، وحصر نشاطها بقتال النظام السوري.
صحيح أن الأتراك يغيرون مواقفهم بسرعة وسلاسة. وهنا تعتبر عودة العلاقات التركية - الروسية التغيير الأهم في الشأن السوري، إلا أن التغيير الحقيقي الذي يمكن أن تحققه تركيا في شأن الحرب في سورية، والمنطقة في شكلٍ عام، هو أن تكون جسراً بين كل الأطراف، وصعوبة المرحلة أن على عاتق أنقرة مهمة إثبات قدرتها على إحداث فرق في مسار الأحداث في سورية، بعد أن باتت كل الأطراف تدرك استحالة فوز طرف واحد من دون الآخرين.
وفي سياق التفاهمات المعقدة إقليمياً ودولياً، قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، فلاديمير شامانوف، إنّ تركيا تقوم بدور الوسيط لتهدئة التوتر الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بشأن سورية. وأوضح، في تصريح لقناة "روسيا 1"، إنّ موسكو تتواصل مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن طريق تركيا، وتتواصل مع الجانب الأميركي عبر رئاسة أركان البلدين، وأفاد بأنّ رئيس هيئة الأركان التركية، خلوصي أكار، هو الذي ينسق التواصل بين موسكو والحلف.
والواضح أن أنقرة تحاول البقاء على الحياد في التوتر الأميركي – الروسي، لا سيما أنها ترتبط مع البلدين في ملفات عديدة، وتختلف معهما في أخرى، ولا مصلحة لها اليوم في الاصطفاف سورياً إلى جانب أي منهما بشكل كامل. وقد أظهرت الأحداث أخيرا عجز أميركا عن إدراك "حدود المساومة" عند شركائها ومنافسيها، بالإضافة إلى تهميشها العرب في معظم المناطق العربية في الجمهورية العربية السورية التي أقامت قواعد عسكرية فيها. والسؤال هنا عن حقيقة ما تريده واشنطن، وعن أهدافها في سورية.. ما هي بالضبط؟
أتاحت روسيا لتركيا المجال لاستخدام القوة في الحالات التي تحتاجها الأخيرة داخل سورية، وقلل ذلك، إلى حد كبير، وربما أبعد، استخدام موسكو ورقة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا داخل سورية، بالإضافة إلى الدعم الروسي الذي لا تخطئه عين من أجل استكمال تركيا نشر نقاط المراقبة حول إدلب، وباقي المناطق، وفق اتفاقات أستانة، وأي عملية عسكرية محتملة في إدلب ستراعي روسيا فيها وجهة نظر تركيا، لما لذلك من عواقب سيئة على أنقرة. ولا يمكن إغفال حقيقة أن تفاهمات أنقرة – موسكو باتت تحد من تصرّف الولايات المتحدة إلى حد ما، كما تشاء في مناطق سورية كثيرة.
لم يقف كل ما سبق عائقاً أمام علاقات أنقرة بواشنطن سورياً، وهو ما يسمح لتركيا بمواصلة إعلان التمسك بموقفها الذي أعلنته منذ سبعة أعوام، والوقوف في وجه نظام الأسد، مع أن التحالف الاستراتيجي بين البلدين لم يوقف حتى اليوم التعاون بين الولايات المتحدة والامتداد السوري للعمال الكردستاني، إلا أنه استطاع أن يجعله محدودًا في بعض الأماكن، كما حصل في عملية غصن الزيتون في عفرين السورية. ويحول استمرار المحادثات التركية الأميركية بشأن سورية دون تحقيق روسيا نفوذًا كاملًا في الملف السوري من جهة، ويجعل واشنطن تجد أن لا مفر لها من أخذ حسابات أنقرة السورية بعين الحسبان وعلى محمل الجد من جهة ثانية، وليس من الصعب التكهن بأن الذي يدعم الموقف التركي في شأن حزب العمال الكردستاني وفروعه الآن أكثر، سيكون لديه أفضل العلاقات مع أنقرة.
وعلى الرغم من أن هناك مصالح مشتركة بين تركيا وإيران، أبرزها التعاون التكتيكي قصير الأجل ضد المجموعات الانفصالية، إلا أنهما تختلفان بشأن الحل النهائي في سورية، إذ تنظر إيران إلى نظام الأسد بوصفه جزءاً من استراتيجيتها لزيادة نفوذها، بينما ترى تركيا إيران منافساً، حققت توسعاً استراتيجياً إضافياً، في الأشهر الأخيرة، وتتعين إعادتها إلى حجمها، كما أن إيران ربطت أطماعها أكثر بروسيا، اللاعب الأكبر الآخر في المنطقة، وتوفر التفاهمات مع طهران لتركيا ترميم علاقتها مع الحكومة المركزية في العراق. وربما فات طهران أن تركيا لم تأت من ديار بعيدة، كبقية القوى الدولية والإقليمية، فهي بجوار عفرين ومنبج وعين العرب وتل أبيض والقامشلي، وأن تركيا اليوم على الأرض في سورية بكامل قوتها.
صحيحٌ أن مسار محادثات أستانة السوري بين تركيا وروسيا وإيران تعرض لهزّات عدة في الآونة الأخيرة، إلا أنه يبقى حاجة مشتركة ثلاثية، تتقاطع، في أكثر من جانب، مع حاجة سورية - سورية (نظام وفصائل عسكرية معارضة) في شقٍّ منها لوقف التمدد الانفصالي الاستيطاني الذي تدعمه واشنطن، تحت غطاء محاربة "داعش".
وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يخطط لسحب القوات الأميركية من سورية، فإن رؤساء روسيا وتركيا وايران اختتموا قمة أخرى في أنقرة بشأن سورية، الأمر الذي يعزز لهذه الدول الثلاث مزيدا من القوة والنفوذ في المنطقة والعالم على حساب الولايات المتحدة.
ومعلوم أن واشنطن تتدخل عسكرياً في سورية منذ سنوات، وبحسب أهدافها المعلنة، لمكافحة "داعش"، وهو الهدف الذي تعلنه كذلك روسيا، إلا أن ما يجري على الأرض شيء آخر أيضا، حيث تدعم واشنطن مجموعات مسلحة انفصالية تمثل الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابيا في حلف شمال الأطلسي).
ولا يخفى أن تركيا استطاعت جمع المتناقضات لتتبدل مواقف مختلف الأطراف تجاه تدخلها العسكري المباشر في سورية، الأول في درع الفرات، والثاني في غصن الزيتون، فلم تعد روسيا تعارض تحليق الطيران التركي في الأجواء السورية (بعد تجاوز أزمة إسقاط المقاتلة الروسية)، ولم تعارض واشنطن العمليات العسكرية التركية، كما تخلت بعض فصائل المعارضة السورية عن موقفها الرافض قتال التنظيمات الإرهابية المتطرفة والانفصالية، وحصر نشاطها بقتال النظام السوري.
صحيح أن الأتراك يغيرون مواقفهم بسرعة وسلاسة. وهنا تعتبر عودة العلاقات التركية - الروسية التغيير الأهم في الشأن السوري، إلا أن التغيير الحقيقي الذي يمكن أن تحققه تركيا في شأن الحرب في سورية، والمنطقة في شكلٍ عام، هو أن تكون جسراً بين كل الأطراف، وصعوبة المرحلة أن على عاتق أنقرة مهمة إثبات قدرتها على إحداث فرق في مسار الأحداث في سورية، بعد أن باتت كل الأطراف تدرك استحالة فوز طرف واحد من دون الآخرين.
وفي سياق التفاهمات المعقدة إقليمياً ودولياً، قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، فلاديمير شامانوف، إنّ تركيا تقوم بدور الوسيط لتهدئة التوتر الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بشأن سورية. وأوضح، في تصريح لقناة "روسيا 1"، إنّ موسكو تتواصل مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن طريق تركيا، وتتواصل مع الجانب الأميركي عبر رئاسة أركان البلدين، وأفاد بأنّ رئيس هيئة الأركان التركية، خلوصي أكار، هو الذي ينسق التواصل بين موسكو والحلف.
والواضح أن أنقرة تحاول البقاء على الحياد في التوتر الأميركي – الروسي، لا سيما أنها ترتبط مع البلدين في ملفات عديدة، وتختلف معهما في أخرى، ولا مصلحة لها اليوم في الاصطفاف سورياً إلى جانب أي منهما بشكل كامل. وقد أظهرت الأحداث أخيرا عجز أميركا عن إدراك "حدود المساومة" عند شركائها ومنافسيها، بالإضافة إلى تهميشها العرب في معظم المناطق العربية في الجمهورية العربية السورية التي أقامت قواعد عسكرية فيها. والسؤال هنا عن حقيقة ما تريده واشنطن، وعن أهدافها في سورية.. ما هي بالضبط؟