وفيما بدا كل طرف من الأطراف المعنية راضياً عن أجزاء شملها التقرير، إلى حد اعتبارها هديةً أو فرصةً، كما هو بالنسبة للحكومة الشرعية وعلاقتها بالتحالف، إلا أنها لم تنج من الإدانات أو المضامين التي لا تخدمها، في الأجزاء الأخرى من التقرير.
وكان أبرز ما شمله التقرير الحديث عن دور التحالف بقيادة السعودية والإمارات، ودور الأخيرة على نحو خاص في المحافظات الجنوبية في البلاد، حيث أطلقت قوات ما يُعرف بـ"النخبة الحضرمية" عملية عسكرية ضد تنظيم "القاعدة"، في مناطق بمحافظة حضرموت شرقي البلاد.
وربط محللون سياسيون يمنيون ذلك، بمحاولات على ما يبدو لـ"تحسين الصورة"، عقب ما تضمنه التقرير، الذي أشار إلى القوات التي تأسست بدعم الإمارات كتهديد للأمن في البلاد، خارج إطار الشرعية. كما سرد انتهاكات، اتهم بها أبوظبي وحلفاءها من القوات الموالية، المدعومة منها، بممارستها الفترة الماضية.
وتعد "النخبة الحضرمية"، تشكيلاً عسكرياً تأسس بدعم سعودي إماراتي، في العام 2016، وجرى تدشينها بعملية عسكرية لتحرير مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت في إبريل/ نيسان من العام نفسه، لينسحب مقاتلو تنظيم "القاعدة"، الذين سيطروا على المدينة لعام كامل، إلا أنهم احتفظوا بمناطق نفوذ نائية، في محيط المكلا، ومناطق متفرقة من محافظة حضرموت، بقيت هدفاً لعمليات عسكرية من حين لآخر.
وأحدث هذه العمليات وفق ما أفادت مصادر محلية "العربي الجديد"، المواجهات التي دارت في 14 من الشهر الجاري، حينما بدأت هذه القوات، عملية في وادي المسيني، ووصفت المنطقة بأنها من معاقل "القاعدة"، وفجر مسلحو التنظيم مقراً لإدارة الأمن السبت، في منطقة وادي عمد.
وجاءت العملية بالتزامن مع نشر تقرير فريق الخبراء المشكل من مجلس الأمن الدولي المعني بالتدقيق بالأزمة في اليمن، وهو التقرير، الذي أثار عاصفة جدل، في الأوساط اليمنية، لما حمله من معلومات مثيرة، حول مختلف الأطراف، بما في ذلك، بما يتعلق بالتحالف ودوره، والإشارة إلى القوات التي تأسست بدعم التحالف، وتحديداً "النخبة الحضرمية".
واعتبر التقرير أيضا أن ما يُعرف بـ"النخبة الشبوانية"، وكذلك "قوات الحزام الأمني"، هي قوات تعمل بـ"الوكالة" عن التحالف، وتقوض دور الحكومة الشرعية. وجاءت التطورات في حضرموت، بنظر يمنيين، كما لو أنها لتخفيف الضغوط على التحالف والمعلومات التي سردها التقرير الدولي حول أفعال هذه القوات. بل ويشير إلى اشتباكات بين قوات موالية للحكومة الشرعية وبين القوات التي تعمل بالوكالة عن التحالف (الحزام الأمني والتحالف).
وعلى الرغم من مرور أيام، على نشر الصيغة النهائية للتقرير، التزمت أغلب الأطراف المعنية الصمت ولم ترد على الاتهامات الموجهة إليها. واتهم التحالف بدعم قوات تعمل بالوكالة على نحو يضعف الحكومة الشرعية، بالإضافة إلى الانتهاكات فيما يتعلق بتوثيق العديد من الضربات الجوية التي تستهدف مدنيين، واتهام الإمارات بالمسؤولية عن اعتقالات وأعمال تعذيب لمعتقلين، في سجون خاضعة لها مباشرة، أو ليس للحكومة اليمنية من سلطة فيها.
وذهبت العديد من تقييمات السياسيين والمحللين اليمنيين التي رصدتها "العربي الجديد"، إلى أن التقرير بمثابة فرصة للحكومة اليمنية يمكن أن تدفع التحالف لمراجعة سياساته بما يجنبه الإدانة على النحو الذي ظهر في التقرير. ومع ذلك، فقد بدت الحكومة الشرعية هي الأخرى، عاجزة عن الاحتفاء بالتقرير، بسبب ما تضمنه في أجزاء مختلفة من أوصاف تقدم صورة سوداوية عن الوضع الذي آلت إليه سيطرة الحكومة، على غرار اعتبار أن الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، فقد السلطة الفعلية على القوات التُي تُوصف، بأنها موالية للشرعية، والتشكيك بقدرتها في إعادة اليمن إلى ما كان عليه قبل الحرب.
وعلى الرغم من احتواء التقرير، على صفحات تدين الحوثيين بشتى الممارسات والانتهاكات، المقوضة للأمن والتي تزيد من حد التصعيد، وصولاً إلى الأجزاء التي شملت تفصيلاً اتهام إيران بانتهاك قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الصادر في العام 2015، وتهريب أسلحة إلى الحوثيين، بما فيها الصواريخ البالستية التي أطلقها الحوثيون باتجاه الرياض، إلا أن التقرير مع ذلك، لم يلق ترحيباً من جانب التحالف، بسبب الصفحات التي تدينه. والأمر نفسه، بالنسبة لمختلف القوى اليمنية الأخرى، والتي امتنعت عن الاحتفاء بالتقرير بصورة رسمية، باعتبار أن الأطراف الفاعلة تقريباً، نالت نصيباً من الانتقادات، أو شمل التقرير، ما يمكن اعتباره إدانة لها في أجزاء أخرى.
الجدير بالذكر، أن فريق الخبراء أعد التقرير على مدى العام 2017، وسلمه النسخة النهائية منه برسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، في الـ26 من يناير/ كانون الثاني المنصرم، قبل أن تنشر منذ أيام، لتكون بمثابة وثيقة تاريخية، تشمل تفصيلاً عن أغلب الأزمات والتحولات التي شهدتها البلاد في الأعوام الأخيرة، والأدوار التي تلعبها مختلف القوى والتشكيلات العسكرية. ومن المقرر أن يناقش مجلس الأمن التقرير في جلسة مرتقبة أواخر الشهر الجاري تزامناً مع تعيين الأمم المتحدة، البريطاني، مارتن غريفيث، مبعوثاً جديداً إلى البلاد.