تجري كتابة هذا المقال كل يوم أحد، ويراجع ويدقق يوم الاثنين، ومن ثم يرسل يوم الثلاثاء لكي ينشر يوم الخميس.
ولذلك، يجد المحلل للأحداث الرئيسية في العالم والمنطقة، والمدقق في آثارها على المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، نفسه راكباً دوامة في مدينة للملاهي، تارة فوق، وأخرى في الأسفل. وهذا يعرّض استنتاجاته لاحتمالات القراءة الخاطئة، وقد تتجاوز نسبة الخطأ والسهو الحد المقبول عند نشرها.
وللتدليل على ذلك، جاءت أخبار التحشيد العسكري التركي على حدود سورية الشمالية، والأنباء عن قرب اجتماعات الوفدين، الصيني والأميركي، في العاصمة الأميركية واشنطن لبحث العلاقات التجارية، والسعي إلى تجنّب فرض الإدارة الأميركية جمارك إضافية على 250 مليار دولار مستوردات سلعية من الصين، أتى هذان الخبران ليسببا ارتفاعاً في أسعار النفط، وهبوطاً في الأرقام القياسية للبورصات العالمية. وقد حصل هذا كله يومي الخميس والجمعة الماضيين.
وفي منتصف الأسبوع الجاري، خرج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بتصريح مفاده أن المفاوضات التجارية مع الوفد الصيني تسير بشكل إيجابي.
وبعد لقاء رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، مع رئيس وزراء أيرلندا، ليو فارادكار، علّقت صحيفة نيويورك تايمز على نتائج المباحثات بينهما قائلة "أعطي البريكسيت جرعة من الأدرينالين نتيجة اجتماع القائدين البريطاني والأيرلندي الشمالي"، وذلك في عددها الصادر يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول.
وبسبب هذين التطورين، عادت البورصات في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة إلى الارتفاع، وتحسّن التفاؤل بأن الأمور بدأت تأخذ مسارها على طريق الإيجابية. ولكن خبر ضرب ناقلة النفط الإيرانية، التابعة لشركة ناقلات النفط الإيرانية الحكومية، بصاروخين أصابا خزاني النفط عليها يوم العاشر من شهر أكتوبر الجاري، في أثناء مرورها بقرب مدينة جدة السعودية في البحر الأحمر أحدث وضعاً آخر. وبعد تراشق الاتهامات وتبادل التنديد، ارتفعت أسعار النفط فوراً بنسبة 2%.
ومع أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يعاني من الاتهامات الموجهة إليه بضلوعه في مؤامرة لتبادل المنافع مع أوكرانيا، حيث تتهم أوكرانيا نائب الرئيس الأسبق، جو بايدن، والمرشح للرئاسة، بأنه وابنه ضالعان في الفساد، في مقابل تقديم مساعدات لأوكرانيا أو التهديد بحجبها، كان من المفروض أن تشهد بورصات الولايات المتحدة هبوطاً بسبب قوة الدفع لدى الديمقراطيين في مجلس الممثلين الأميركي للبدء بإجراءات خلع الرئيس ترامب.
إلا أن ذلك لم يحصل، فقد برز إلى الساحة خبران مهمان، أن إحصائيات العمل أعطت رقماً كبيراً يفوق الـ 130 ألف وظيفة جديدة وجدت في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وأن الإقبال على الاستهلاك ازداد، وارتفعت مبيعات المتاجر الأميركية ارتفاعاً يعكس ثقة المستهلكين.
أما في منطقتنا، فالأحداث تدل على أن ما يجري على الساحة الدولية من تطوراتٍ لا يخدم التطور والنماء في الاقتصاد العربي، فهنالك تهم موجهة إلى إيران بأنها والحشد الشعبي الذي تموّله وتدربه هما المسؤولان عن قمع المظاهرات الأخيرة في العراق، والتي استنفذت أكثر من مائة قتيل وآلاف الجرحى.
وكذلك غزو الجيش التركي شمال سورية لقمع الإرهاب (كما يقولون) كاشفين الغطاء عن هشاشة الوضع السوري. وتأييد الولايات المتحدة إسرائيل في ضم الجولان يضيف الإهانة إلى جانب التسبب في الجروح والطعنات، وإسرائيل تضرب في غزة، وتعبث في القدس، وتعتقل عشرات في الضفة الغربية، وأثيوبيا تصرّ على أخذ ما تشاء من مياه النيل في وقت يفوز رئيس وزرائها، آبي أحمد، بجائزة نوبل للسلام.
لا نقول إن كل الدول التي تهاجمنا لا تحبنا، ولكنها تستضعف الأمة، وتجد أن هذه الأمة المنكوبة المنكودة يمكن أن تؤخذ منها أراضٍ وحقوقٌ، من دون أن تُحدث ردة فعل كافية عليها.
لقد بلغ الوهن في الجسم العربي مبلغه. ويبدو أن الأحداث والتطورات التي تجري في العالم لم تعد تأخذ الوطن العربي في الحسبان، فنتيجة لأحداث الأيام الماضية، لا ندري ماذا ستكون ردة فعل إيران على ضرب ناقلة النفط التابعة لها. أم أن هذه ستكون مجرّد حل وسط تقبل به إيران في مقابل أن تحدث مصالحة بين السعودية وإيران في اليمن.
وواضح أن كل الضوضاء والضجيج الأميركي والأوروبي ضد العمل العسكري التركي ما هي، في رأيي، إلا زوبعة في فنجان، وأن الأمر قد يكون متفقا عليه. وسوف تتحول القضية بعد قليل إلى قضية إنسانية نسمع عنها من المنظمات الدولية غير الحكومية.
أما الموقف في إسرائيل، فالأقرب إلى الحقيقة أن بنيامين نتنياهو لن ينجح في تشكيل حكومة جديدة خلال مدة الشهر المعطاة له، وربما تعطى الفرصة لغريمه بيني غانتس، والذي ربما ينجح في تشكيل حكومة من حزبه ومن حزب الليكود وحزب إسرائيل بيتنا الذي يقوده أفيغدور ليبرمان. وإن فشل يصبح الأخير سيد الموقف... وعندها، سيعود الضغط من أجل الوصول إلى حل سلمي أو استسلامي في المنطقة.