رغم التطور الكبير الذي شهده القطاع التعليمي التركي، على مدى السنوات السابقة، لناحية رفع عدد المدارس وتحسين البنية التحتية، إلا أن معظم العائلات التركية عاجزة عن تحمل تكاليف التعليم ما قبل المدرسي، ما دفع المنظمات التركية المعنية، إلى رفع الصوت لإنهاء عدم المساواة في الوصول إلى هذا النوع من التعليم، لما له من أهمية كبيرة في تحسين قدرات الطفل في المستقبل، سواء على المستوى التعليمي أم الاجتماعي.
وبحسب النظام التعليمي التركي، فإن التعليم الإلزامي يبدأ من سن السادسة ولغاية سن الرابعة عشرة، حيث إن التعليم مجاني في الجمهورية التركية، بما في ذلك التعليم الجامعي الذي تقدمه الجامعات الحكومية التركية.
وبحسب تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (التي تضم دول أوروبا الغربية وأسكندنافيا ودول أميركا الشمالية إضافة إلى كل من أستراليا واليابان وتركيا واليونان)، فإنه على الرغم من تطور نسبة الأطفال الذين يلتحقون بالتعليم ما قبل المدرسي في تركيا، خلال الأعوام العشرة الأخيرة، إلا أن تركيا ما زالت في ذيل القائمة، فقد كانت نسبة الأطفال الأتراك ممن التحقوا بالمدرسة ممن هم في سن الخامسة من العمر، في العام الدراسي الماضي 85.8 بالمئة، بينما كانت النسبة في بقية دول المنظمة 95 بالمئة.
ويؤكد التقرير الصادر بشكل مشترك بين منظمتي مجتمع مدني هي كل من "وقف تعليم الأم والطفل" و"مبادرة إصلاح التعليم" تحت عنوان "العناية المبكرة بالأطفال والتعليم ما قبل المدرسي في تركيا"، أن "أهم ثلاثة أسباب تؤثر على التحاق الأطفال بالتعلم ما قبل المدرسي في تركيا، تتثمل في مستوى دخل الأسرة، ومستوى تعليم الأم، وكذلك إن كانت الأم عاملة أم ربة منزل".
وبحسب التقرير، فإن احتمال التحاق أطفال العائلات الغنية بالتعليم ما قبل المدرسي، أي التحاق الأطفال ممن هم في سن الرابعة والنصف لغاية السادسة تكون 71 بالمئة، لتنخفض هذه الاحتمالية في صفوف العائلات الفقيرة إلى 17 بالمئة.
وفي السياق، تعبر عائشة، والدة الطفلة نور، البالغة من العمر 4 سنوات ونصف سنة، عن حزنها لعدم وجود إمكانية مالية لتلقي ابنتها التعليم ما قبل المدرسي، وتشير إلى أن "قسط هذه المدرسة شهرياً يقارب المئتي ليرة تركية، وتحتاج نور سنوياً لما يقارب مئتين إلى ثلاثمئة ليرة سنوياً بين قرطاسية ومصاريف مختلفة". وتضيف "ليس لدي القدرة المادية على دفع هذه الأموال، تسألني نور إن كنت سأقوم بإرسالها إلى الحضانة، فأشعر بالحزن، ولكن ماذا أفعل، حيث إن زوجي لا يعمل بشكل منتظم، وأنا أيضاً أعمل مستخدمة في أحد المكاتب، ندفع شهرياً 1500 ليرة ديون لأقاربنا، وتمر علينا بعض الأشهر لا نكاد نجد ما يكفي من المال لتلبية الاحتياجات الأساسية".
وتشير عائشة إلى إدراكها أهمية التعليم ما قبل المدرسي، وبالذات بعد الصعوبات التي عانى منها ابنها البكر، في التعليم الابتدائي، مقارنة بباقي أقاربه الذين تلقوا هذا النوع من التعليم، مما أثر على ثقته بنفسه، حتى أنه بقي فترة طويلة يكره المدرسة.
بدورها، تشدد مديرة قسم التعليم المبكر للأطفال في منظمة تعليم الأم والطفل التركية، دويغو يشار، على أهمية التعليم ما قبل المدرسي بالنسبة للأطفال تحت سن الخامسة من العمر، بالقول إن "الدماغ يضعف عندما لا يتم تحفيزه واستخدامه، ولكنه يتطور بشكل سريع عبر التحفيزات المتواصلة، إن الأطفال يتعلمون عبر التجريب والتحفيز، وبقدر ما يحفز الوسط المنزلي يكون الأطفال على المدى البعيد أكثر نجاحاً، وكذلك إن الأطفال الذين تسنح لهم الفرصة لتلقي التعليم ما قبل المدرسي، يكونون أكثر قدرة على القراءة والكتابة وأكثر نجاحاً في المدرسة، لأن اللغة تكون الأساس في النجاح الاجتماعي والأكاديمي"، داعياً إلى "جعل هذا النوع من التعليم مجانياً".
أما سلمى، وهي والدة أوموت (سبعة أعوام) فتعتبر أن "التعليم ما قبل المدرسي بالنسبة لدخل عائلتها يعتبر نوعاً من الرفاه"، وتقول "تكلفة إيجار منزلنا تبلغ 700 ليرة، وأنا لا أعمل، وأحياناً أضطر للتخفيض من مصاريف الطعام لتلبية الاحتياجات الأخرى. لقد عانى ابني أوموت عند دخوله إلى المدرسة الابتدائية، الصف مزدحم ويتجاوز تعداد تلامذته 30 تلميذاً، حيث ضاع يوسف في زحمة هؤلاء التلاميذ، لذلك أعمل ما بوسعي للتحضير لإرسال ابني الآخر إلى الحضانة، العام المقبل، لا أريد أن يعاني مثل أخيه، لكن لابد من أن يصبح هذا النوع من التعليم مجانياً وإلزاميا".
في غضون ذلك، تعمل وزارة التعليم التركي على مشروع يستهدف جعل التعليم ما قبل المدرسي لمن هم في سنة الـ 54 شهراً، أي خمس سنوات ونصف سنة، تعليماً إلزامياً، حيث أكد وزير التعليم التركي، عصمت يلماز، في وقت سابق، على أنه في سبيل تحقيق هذا الهدف، تحتاج الوزارة إلى افتتاح 19 ألف فصل، وتعيين 19 ألف مدرس جديد، لذلك بدأت بتطبيق النظام الجديد، بشكل تجريبي في 22 ولاية تركية من أصل 80 تشكل مجموع الولايات التركية.