بدأ التناقض في حديث الأسد من خلال تكراره لصمود نظامه طيلة السنوات الأربع الماضية، عازياً ذلك إلى ما سمّاه وقوف الشعب السوري إلى جانبه، متناسياً أنّ نحو نصف هذا الشعب تهجّر جراء تدمير مدنه وبيوته، بينما كادت قواته وأجهزته الأمنية والعسكرية تنهار أكثر من مرة، لولا الحضور البارز للقوى الخارجية التي استنجد بها برعاية إيران.
حاول الأسد أن يوحي بأن ثمّة تحوّلا في "الجو العام" لصالح النظام، ليعود بعد دقائق ويستبعد حدوث أي انفراج قريب، مستنداً بذلك، إلى "عدم استقلالية قوى المعارضة وارتباطها مالياً وسياسياً مع قوى خارجية"، متناسياً مرة أخرى أنّ القوى الخارجية هي التي تؤمن لنظامه "الأوكسجين" الذي يتنفسه.
أما قمة التناقضات في كلام الأسد، جاءت عند محاولة تبريره الضربات الإسرائيلية الأخيرة لأهداف في سورية بقوله إن "الأداة الإسرائيلية الحقيقيّة الأهم من العدوان الإسرائيلي هي الإرهابيون وما يقومون به، فهم أخطر بكثير مما تقوم به إسرائيل من حين إلى آخر من أجل دعمهم". نسي الأسد أن إسرائيل سبق لها أن ضربت في سورية مرات عدة حتى قبل الثورة ولم يكن هناك أي رد من نظامه. فقبل الأزمة السورية، تمّ، مثلاً، ضرب مصنع الكبر في دير الزور ومعسكرات القيادة العامة في ريف دمشق، واغتيال القيادي العسكري السابق في حزب الله اللبناني، عماد مغنية وقيادات لحركة "حماس" في دمشق وأحد مستشاريه محمد سليمان في ساحل اللاذقية.
وبعد التصريحات الروسية الأخيرة، بأنّ موسكو لا تدعم شخصاً بعينه في سورية، حاول الأسد أن يظهر تفهمه وتأييده لهذه التصريحات واعتبارها تدلّ على سياسة مبدئية، باعتبار روسيا تدعم مبادئ وليس أشخاصاً. ويكمن السؤال هنا في إمكانية موافقة الأسد على التخلي عن السلطة، إذا ما دعمت روسيا شخصاً آخر غيره يحمل مبادئه وأفكاره ذاتها.
اقرأ أيضاً: الأسد يدفع بالفرقة الرابعة لسهل الغاب لاستعادة ثقة إيران
أما اللازمة التي يكّررها في كل حديث، وهو ما فعله مع "المنار"، فهي أنّ "كل الجهود والمبادرات يجب أن يكون هدفها مكافحة الإرهاب، وإلّا فإنه مكتوب لها الفشل مسبقاً"، فقد سبق لهذا الطرح أن أفاض في الحديث عنه عشرات السياسيين والصحافيين، خصوصاً في أوساط المعارضة السورية. ويلخّص هذا الكلام في كلام المعارضين، أنّ رئيساً هجّر أكثر من نصف شعبه وقتل نحو 300 ألف منهم، ويعتقل مئات الآلاف ومثلهم من المفقودين، واستقدم عشرات المنظمات الطائفية المسلحة التي تستقوي على شعبه، ينبغي أن يشعر ببعض الخجل عند التطرق إلى مكافحة الإرهاب.
وتبلغ "الكوميديا السوداء" ذروتها عند حديث الرئيس السوري عن السيادة الوطنية التي تُنتهك إذا جرت الانتخابات في سورية بإشراف دولي، وهو ما دفع أحد الموالين للنظام إلى دعوة الأسد للبحث عن هذه السيادة المزعومة بين أنقاض خرائب البلاد التي تتقاتل فوق أرضها تنظيمات ودول من نحو مائة جنسية. وهو إذ يندد ويشجب مواصلة بعض الدول دعم ما يسميه "المنظمات الإرهابية"، لا يتردّد في الدعوة إلى "توحيد المعركة" بين الساحات العراقية واللبنانية، "لأن الحكومة في العراق وحزب الله في لبنان، إضافة إلى النظام، يخوضون معركة واحدة ضد الإرهاب".
كما لا يجد الأسد إحراجاً في الردّ على سؤال حول تبرير قتال الآخرين إلى جانب نظامه، بينما يعتبر ذلك "إرهاباً وافداً" حين يكون الإسناد للقوى المعارضة لنظامه، بقوله إنّ "الفارق بين الحالتين هو الشرعية، على اعتبار أن حزب الله أتى إلى سورية بالاتفاق مع الدولة السورية الشرعية والتي تمثّل الشعب السوري ومن حقّها أن تدعو قوى للدفاع عن الشعب السوري، بينما القوى الأخرى إرهابية أتت من أجل قتل الشعب السوري". وفي طبيعة الحال، هذا يحيل مرة أخرى إلى التساؤل حول الشرعية المزعومة لنظام هجّر وقتل واعتقل 70 في المائة من شعبه وتسبّب في دمار غير مسبوق للبلاد.
وفي معرض محاولة رفع الروح المعنوية لأنصاره، حاول الأسد الاستقواء بالاتفاق النووي الإيراني على أنه انتصار لحليفته طهران، وهو يصب بالتالي في مصلحة نظامه، لأنه "عندما يكون حليفك قوي فأنت قوي أيضاً"، مثنياً على ما وصفه رفض إيران ربط موقفها في سورية بالمفاوضات النووية.
ويختم الأسد حديثه بمغازلة الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، الذي وصفه بأنه "صادق بشكل مطلق، شفاف بشكل كامل، مبدئي إلى أقصى حدود المبدئية، وفيٌّ إلى أقصى حدود الوفاء لمبادئه وللأشخاص الذين يعمل معهم، لأصدقائه ولكل من يلتزم معه بغض النظر عن موقع هذا الشخص أو تلك الجهة". مديح يعكس المستوى الذي وصل إليه النظام في اعتماده على حزب الله. وبعد استخفافه بالمملكة العربية السعودية، واعتبار موقفها تحصيل حاصل للموقف الأميركي، لم ينس الأسد أن يبعث رسائل ودّ إلى نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، معتبراً أنّ كلا النظامين والجيشين في الخندق ذاته ضد الإرهابيين.
تناقض آخر ورد في كلام الأسد عند تطرقه إلى دور موسكو والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا؛ فعلى الرغم من تنسيق الروس ودي دميستورا في مبادراتهم، شاء الأسد "تشجيع الروس على اللقاء بكل القوى السورية، من أجل الوصول إلى جنيف 3"، مشيراً إلى أنه "عندما نصل إلى جنيف 3 يكون عندها الأمر أسهل". لكنه في المقابل، اتّهم المبعوث الأممي بـ "عدم الحيادية"، قائلاً "لو كان دي ميستورا حيادياً لما أتوا به". وهنا كان لا بد للرئيس السوري أن يقدم أوراق اعتماد إضافية لموسكو، لافتاً إلى أن "من سمات السياسة الأميركية، التخلي عن الحلفاء والأصدقاء، والغدر، أما السياسة الروسية فلم تكن في يوم من الأيام بهذا الشكل"، مضيفا "نحن نثق بالروس ثقة كبيرة، وأثبتوا خلال هذه الأزمة منذ 4 سنوات أنهم صادقون وشفّافون معنا بالعلاقة".