التنصّل من "فتية التلال": تقاطع مصالح الشاباك والمستوطنين

26 ديسمبر 2015
الصفقة تشمل الكفّ عن دعم جرائم المستوطنين(تورغوت ألب بويراز/الأناضول)
+ الخط -

بين ليلة وضحاها تبدّل المشهد في حكومة الاحتلال، إذ أعلن زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينيت، وبشكل مفاجئ، صباح الثلاثاء، وقوفه المطلق والكلي وراء جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك"، في أوج معركة خاضها اليمين الإسرائيلي ضد جهاز الشاباك. 

جاء إعلان بينيت المفاجئ بعد أقل من 24 ساعة من مطالبة وزيرين من حزبه، هما أييلت شاكيد وأوري أريئيل بعقد جلسة طائرة للجنة شؤون الشاباك لتلقي تقارير عن "التعذيب الذي يتعرّض له معتقلو اليمين الإسرائيلي المتهمين بتنفيذ محرقة عائلة الدوابشة في دوما".

وبعد أقل من ساعتين على تصريحات بينيت، بثت القناة العاشرة لقطات من حفل زفاف لناشطين من المستوطنين، الزوج من مستوطنة يتسهار والزوجة من تبواح، ظهر فيه عشرات المحتفلين وهم يرقصون بالسكاكين وبنادق "إم 16"، ويلوحون بصور الطفل الشهيد علي الدوابشة وهم يغرسون فيها سكاكينهم ويرددون أغاني انتقام يهودية يعود أصلها لمزامير يهودية في سفر القضاة لـ"البطل" اليهودي شمشون، الذي هدم المعبد على نفسه وعلى أعدائه.

اقرأ أيضاً: سلطات الاحتلال تسرّب شريطاً لمستوطنين يحتفلون بحرق عائلة الدوابشة 

وهكذا، انقلب المشهد في إسرائيل رأساً على عقب، عندما انتقل التيار اليهودي الصهيوني ممثلاً بحزب "البيت اليهودي" من خانة الخصم، الذي دافع باستمرار عن "فتية التلال" وحاول تبرير جرائم "جباية الثمن"، بأنها رد عفوي وشعبي ليهود ملّوا من قّلة حيلة سلطة الاحتلال في مواجهة "الإرهاب الفلسطيني"، إلى أشدّ المطالبين بالقبض على مجموعات "فتية التلال" وإرهابيي "جباية الثمن" لأنهم، كما "اكتشف" نفتالي بينيت، يسعون إلى هدم الدولة كلها من الداخل.

 كما يأتي موقف بينيت أيضاً بعد نحو أسبوع من قول عضو الكنيست شموئيل سمرطوفيتش، من حزب بينيت، إن جريمة دوما وحرق عائلة الدوابشة ليست عملاً إرهابياً، وأن الشاباك يعذّب فتية يهوداً وينتهك حقوقهم الأساسية، ليتحوّل سمرطوفيتش إلى شخص يبدي "اشمئزازه من هذا الحفل".

وانشغلت إسرائيل بعد بث شريط حفل الزفاف، باصطناع الذهول والهلع من حالات الرقص والتلويح بالسكاكين والبنادق العسكرية وصورة الطفل الشهيد وهم يغرسون بها سكاكينهم مجدداً. وفي صدمة شبيهة بتلك التي أصابت إسرائيل بعد اغتيال إسحاق رابين على يد يهودي، بدأت الأسئلة حول مكامن فشل اليهود الصهيوني الديني في التربية، وفي نمو هذه "الأعشاب الضارة" والتي بدا للوهلة الأولى، أن أحداً لم يكن يعلم بخطورة نشاطها، ولا بهويتها، أو بأماكن تواجدها.

وبحسب الصحف الإسرائيلية، فإن حفل الزفاف كان قبل أكثر من أسبوعين، وأن حفلات زفاف مشابهة أقيمت في السابق تخللتها الطقوس نفسها، وأن الشريط كان صُوِّر من قبل مخبرين للشرطة الإسرائيلية والشاباك، إلا أنها ظلت طي الكتمان إلى أن بلغت حملة اليمين المتطرف، وفي مقدمتهم أعضاء كنيست ووزراء حزب البيت اليهودي، وقادة مجالس المستوطنات في الضفة الغربية، ضدّ جهاز الشاباك أوجها، نهاية الأسبوع الماضي؛ إذ جرى تنظيم تظاهرات قبالة مقرّ الشاباك، وقبالة منزل رئيس الشاباك يورام كوهين.

من جهة ثانية، كشفت الصحف الإسرائيلية أن وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون استدعى، الاثنين الماضي (أي قبل يوم من بث الشريط في القناة العاشرة) قادة المستوطنين، وأطلعهم على الشريط، ليخيّرهم بين مواصلة الدعم للمشتبه بهم في ارتكاب الجريمة مع ما لذلك من تداعيات على صورة وموقف المستوطنات، وبين التنصّل من الجريمة والمشتبه فيهم وتوفير الدعم المطلوب لجهاز الشاباك.

وخلال أقل من 24 ساعة، تبدّل المشهد في إسرائيل كلياً، وحصل الشباك على ما يريد من دعم غير محدود من اليمين الإسرائيلي ومن قادة المستوطنين، فيما يبدو أنه ثمار صفقة يربح منها الطرفان. تخلّص الشاباك وخلال ساعات معدودة من حملة إعلامية وسياسية ضده، تضمن له "التضحية بفتية التلال" وتمنحه شرعية ممارسة كل أدوات التحقيق معهم، وبالتالي عدم فتح ملف أساليب الشاباك أمام القضاء والإعلام، حتى لا يفضح ذلك أساليب التعذيب التي يستخدمها ضد الفلسطينيين.

في المقابل، تمنح هذه العملية لحزب البيت اليهودي وقادة المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، ورقة براءة من دماء عائلة الدوابشة، ومن المسؤولية عن الاعتداءات الإرهابية التي عرفت بعمليات جباية الثمن، مع تحميل وزر هذه العمليات لعشرات من "فتية التلال" الذين يكفي اليمين الإسرائيلي أن يستنكر عملياتهم كلامياً حتى يتنصل منهم.

ويبقى الرابح الأكبر من هذه الصفقة، سواء تمت بشكل رسمي أم كتفاهمات غير رسمية، هي حكومة الاحتلال وسياسة الاستيطان، إذ إنها ستكون قادرة بعدما ضمن رئيسها بنيامين نتنياهو تعاون حزب نفتالي بينيت ومجلس المستوطنات مع الشاباك، أن تمضي في سياسة الاستيطان بعد تبرئة المستوطنين من الجرائم، وفي المقدّمة جريمة إحراق عائلة الدوابشة، من جهة، وأن تظهر بمظهر الدولة التي تحارب الإرهابيين اليهود، وترفض جرائمهم بل وتقدمهم للمحاكمة، من جهة ثانية.

اقرأ أيضاًجرائم الاحتلال بعيون جنرالات إسرائيليين: "يكسرون الصمت" تخدمنا

المساهمون