قبيل تظاهرات يوم 25 نيسان/ أبريل 2016، والتي دعت إليها قوى شبابية وحركات سياسية في العاصمة المصرية القاهرة، احتجاجاً على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة والرياض، اقتحمت قوة تابعة لأجهزة الأمن المصرية منزلَي الصحافيين المصريين في موقع "بوابة يناير"، عمرو بدر ومحمود السقا، بدعوى تحريضهما على التظاهر؛ فأعلنَا اعتصاماً في نقابة الصحافيين.
في يوم 25 نيسان/ أبريل، حاصرت قوات الأمن المصرية مقر نقابة الصحافيين المصريين الكائن في شارع عبد الخالق ثروت، وسط القاهرة، ومنعت المتظاهرين من الوصول إلى المقر.
عند الثامنة من مساء أول من أمس، الأحد، أو "الأحد الأسود" كما أطلق عليه الصحافيون، اقتحمت قوّة مكوّنة من ثلاثين شخصاً، بينهم أفراد بزي مدني وزي الشرطة، مقر النقابة، وألقوا القبض على الصحافيَين، لأول مرة في تاريخ النقابة منذ تأسيسها قبل 75 عاماً. بعد القبض عليهما، أعلن الصحافيون اعتصاماً مفتوحاً في مقر النقابة، رفع فيه الحاضرون شعار "الصحافة مش جريمة"، و"نقابة الصحافيين خط أحمر"، و"الداخلية بلطجية".
مسلسل البيانات
أحد الصحافيين المعتصمين، تحفّظ على ذكر اسمه، يروي لـ "جيل العربي الجديد" كيف بدأ الأمر: "بعدما اقتحمت قوات الأمن النقابة، تجمع عشرات الصحافيين، احتجاجاً على ما حدث وأصدروا بياناً، أعلنوا فيه الاعتصام، مطالبين بإقالة وزير الداخلية".
يتابع: "عقب ذلك حضر إلى مقرّ النقابة نقيب الصحافيين، يحيى قلاش، وعُقد اجتماع عاجل لمجلس النقابة الذي أصدر هو الآخر بياناً، أعلن فيه كونه في حالة انعقاد دائم، ودعا خلاله إلى عقد جمعية عمومية للنقابة، يوم غد الأربعاء".
في بيانها، والذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، اعتبرت النقابة أن ما حدث هو مؤشر على منهج جديد لتعامل السلطات المعنية مع النقابات المهنية، ودعت كافة النقابات لتدرس الواقعة وتأثيرها على العمل النقابي.
عقب ذلك، أعلنت نقابة المهندسين، على لسان نقيبها، دعمها الكامل لنقابة الصحافيين في كافة الإجراءات القانونية التي ستتخذها "الصحافيين" ضد وزارة الداخلية.
لم تلبث وزارة الداخلية المصرية؛ المتهم الأول في واقعة الاقتحام، حتى أصدرت بياناً على لسان اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لشؤون الإعلام والعلاقات العامة، قالت فيه إن قوات الأمن لم تقتحم نقابة الصحافيين، مؤكداً حيازة الوزارة لأمر ضبط وإحضار للصحافيين بدر والسقا.
ووضحت على لسان عبد الكريم أيضاً، أن عدداً محدوداً من الضباط لا يتجاوز الخمسة هم من دخلوا النقابة. وأشار مساعد وزير الداخلية إلى أن عمرو بدر ومحمود السقا ليسا عضوين بالنقابة، وأنهما كانا مختبئين فيها فقط، على حد قوله.
بعد بيان الداخلية، تجمّع العشرات من الصحافيين والمتضامنين أمام النقابة، ثم حاصرت مجموعة من قوات الأمن، معظم أفرادها يرتدون زياً مدنياً، مقر النقابة جهة شارع شمبليون، سائلين المارة عن وجهتهم في محاولة لمنع ازدياد أعداد المتضامنين.
ظهور بدر والسقا
وفي حديثه إلى "جيل العربي الجديد"، يشير المحامي في "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، سامح سمير، إلى أن بدر والسقا قد ظهرا أول من أمس قرابة الساعة العاشرة مساءً في قسم "أول شبرا الخيمة"، وبعد حديث مع المأمور، عرف سمير بعرض الصحافيين أمس على النيابة، من دون معرفة تفاصيل الاتهامات الموجهة إليهما.
يضيف المحامي أنه حتى الساعة الواحدة ظهر أمس لم يظهر الصحافيان، إلا أن نيابة شبرا أكدت موعد التحقيق معهما.
يتابع سمير، أنه في تمام الساعة الواحدة والنصف ظهراً بدأت النيابة التحقيق مع الصحافيين، ووجهت لهما تهم: "محاولة قلب نظام الحكم، وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري، وشكل الحكومة، والانضمام إلى إحدى الجمعيات والهيئات التي تبغي تعطيل الدستور ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة عملها، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، والترويج بالقول والكتابة للأغراض محل الاتهام بإحدى الطرق العدة للتوزيع والطباعة، وإذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام"، وهي المواد المنصوص عليها في قانون العقوبات بأرقام 86، و86 مكرر، و87، و102.
ويوضح سمير حقيقة اتهام بدر والسقا بحيازة قنابل مولوتوف وأسلحة: إن ذلك لم يكن من ضمن الاتهامات الموجهة للصحافيين، وإنما صدر إذْن الضبط والإحضار لتفتيشهما بهدف البحث عن أسلحة، والتي لم تكن بحوزتهما، وبالتالي لم توجّه إليهما أية اتهامات بحمل السلاح، مشيراً إلى أن قرار النيابة جاء بحبس بدر والسقا 15 يوماً على ذمة التحقيق، ونقلهما إلى سجن طُرَة.
حركة نقابية واحدة
في هذا السياق، تظاهر عدد من الصحافيين والمصورين المعتصمين صباح أمس على سلم النقابة؛ وندّدوا باعتقال زملائهم والاقتحام غير المسبوق لنقابتهم، مطالبين بوقف الانتهاكات ضد الصحافيين.
في أثناء ذلك، توجّهت مسيرة ممثِّلة لنقابة المحامين المصريين التي دانت اقتحام زميلتها إلى مقر نقابة الصحافيين، تنديداً بالاقتحام، وهتف المحتجون "حركة نقابية واحدة، ضد السلطة اللي بتدبحنا".
المحاصرة الثالثة
ورغم بيانها الذي نفت فيه اقتحام النقابة، مبرّرة ما حدث بأنه جرى تحت مظلة قانونية، فقد طوقت قوات بلباس رسمي من قوات الشرطة المصرية مقر النقابة أمس، ومنعت المارة من الدخول إلى مقر النقابة، في حالة عدم حيازتهم "لكارنيه نقابة الصحافيين"، وإن كان في حيازتهم "كارنيه يشير إلى العمل الصحافي".
وبحسب دراسة أجرتها لجنة حماية الصحافيين الدولية، ونشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2015، فإن عدد الصحافيين المصريين الذين كانوا قد سُجنوا قد بلغ 23 شخصاً، بزيادة 12 صحافياً عن عام 2014، ما جعل مصر في المرتبة 12 عالمياً في حبس الصحافيين. واتهمت الدراسة النظام المصري باستخدام غطاء "الدواعي الأمنية" لقمع المعارضة.
فيما رصدت نقابة الصحافيين 782 انتهاكاً ضد الصحافيين، متضمنة حظر النشر وتكسير المعدات واقتحام المنازل، في تقرير لجنة حرياتها الصادر بعنوان "صحافيون تحت مقصلة الحبس والاعتداءات".
وأشارت اللجنة إلى أن الصحافة الإلكترونية أكثر عرضة للانتهاكات، لافته إلى أنها تقدمت بـ 63 بلاغاً للنائب العام للمطالبة بالتحقيق في الانتهاكات، وتحسين أوضاع المحبوسين وعلاجهم، إضافة إلى السماح لذويهم بزيارتهم، بخلاف 35 شكوى لوزارة الداخلية تضمنت طلبات بتقديم العلاج للزملاء المحبوسين ونقلهم لأماكن احتجاز أفضل أو تجميعهم في مكان واحد.
وأوضح التقرير أن النقابة خاطبت رئاسة الجمهورية أكثر من مرة للمطالبة بالعفو أو الإفراج الصحي عنهم. ومن الصحافيين الذين ما زالوا محتجزين هشام جعفر، وحسن القباني، وأحمد سبيع، وإبراهيم الدراوي، ومحمد البطاوي، وعمر عبد المقصود، وشوكان، ويوسف شعبان، ومحسن راضي، ومجدي حسين، وإسماعيل الإسكندراني، وصبري أنور.
ما زال هؤلاء مُحتجزين، بينما يُصادف اليوم، الثالث من أيار/ مايو، "اليوم العالمي لحرية الصحافة" الذي يشهد تضامناً واسعاً من قبل بعض الصحف والقنوات التلفزيونية العربية، إلى جانب بعض المنظمات الصحافية الدولية مع نقابة الصحافيين المصريين.
(مصر)