16 سبتمبر 2021
الثقة بمؤسسات الدولة العربية
سمعنا وقرأنا الكثير عن هموم مواطنين عرب وشكاواهم، تنعدم ثقتهم في بعض المؤسسات، وآخرون يشتكون من فساد مؤسسات في بلادهم، إداري ومالي، ولكن، ليست لديهم الجرأة على الإفصاح عنها، إما لعدم ثقتهم في هيئات الشفافية ودواوين المحاسبة وهيئات القضاء والأمن، أو ربما لخوفهم على أنفسهم من ملاحقاتٍ انتقاميةٍ من "هوامير" الفساد وأعوانهم في أجهزة الدولة! وربما يفسر هذا تردد بعضهم في عدم ذكر أسماء الفاسدين، على الرغم من صحة معلوماته، وتراجع آخرين عن تقديم الأدلة إلى الجهات المختصة، للتأكد من صحتها؟ بالتأكيد، ليس كل من يدعي كشفه الفساد يفعل ذلك بحسن نية، ولخوفه على المال العام، بل إن هناك من يفعل ذلك بسوء نية، ولحاجة في نفسه.
وبشكل عام، قد تبدو هذه الحيرة طبيعية ومنطقية وصحيحة شكلياً، في ظل الواقع المؤسسي الذي نعيشه، والذي سبب توتراً وقلقاً لدى المواطنين، والناتج أصلاً من عدم ثقتهم بمؤسسات الدولة التي لم تحاسب أو تعاقب أي شخصية سياسية، أو قيادية، انتفعت وارتبطت بالفساد، أو حققت ثراء غير مشروع في فترة سُلطته. بل إنه لم يتم تتبع قضايا الاختلاسات التي طاولت الدول وهزت المجتمعات. وقد تنحصر عقوبات الدولة تجاه المتنفذين، وفي أسوأ الأحوال، في عزلهم من مناصبهم، أو تبرئتهم .. بكل هدوء! وقد أحدث هذا الأمر شعوراً سلبياً لدى المواطنين العرب بأن مؤسسات الدولة وأجهزتها تتستر على الفاسدين، وأحياناً تخفي الأدلة التي تدينهم! بل نشأ شعور لدى بعض المواطنين أن الدولة، بمؤسساتها، لا تعبر عن مصالح المجتمع ككل، وإنما عن مصالح طبقة بورجوازية، تخدمها لزيادة ثرواتها والسيطرة على مقدرات البلاد والتحكم بأنظمتها وبإطرها القانونية. لذا، لا غرابة أن ترافق بعض قضايا الفساد التي يُثيرها المواطنون دعوات شعبية بضرورة الإلتزام بالقانون والعدالة والمساواة في تطبيقه.
في حديث لي مع زملاء عرب في أثناء منتدى دراسات الخليج الذي عقد في الدوحة في ديسمبر/كانون أول الماضي، بحثنا وناقشنا موضوع الثقة في مؤسسات الدولة. وقال أكاديمي عربي، مارس حقه "الوطني" في كشف فساد مؤسسته "لن أكررها مرة أخرى، بل وسأدعو أهلي وأصدقائي لعدم المحاولة"، وأيده الرأي جميع الحضور في مائدتنا المستديرة الصغيرة، مؤكدين على عدم ثقتهم في مؤسسات دولهم وفسادها وعجزها عن تطوير قيادات وطنية حقيقة ومخلصة.
والمتتبع لمداخلات الرأي العربي العام بشأن ثقته بمؤسسات الدولة بشكل عام يلاحظ تدني هذه الثقة، ليس فقط بالمجالس النيابية والبرلمانية، بل غالباً بحكوماتهم وأجهزتها، الأمر الذي انعكس سلباً في تدني ثقة الرأي العام العربي في مؤسسات الدولة، وبالتالي، بروز ظواهر مثل التشكيك في قدرة مؤسسات الدولة وكفاءتها وشيوع فسادها الإداري والمالي في مجالات كثيرة.
وقد ذكرت الأمم المتحدة في مؤتمرها حول "بناء الثقة في الحكومة" في فيينا عام 2006 أن
الثقة السياسية تشير إلى وجود توافق في الآراء بين أفراد المجتمع حول القيم والأولويات والاختلافات المشتركة، وعلى القبول الضمني للمجتمع الذي يعيشون فيه، كما تشير إلى توقعات المواطنين لنمط الحكومة التي ينبغي أن تكون عليه، وكيف ينبغي للحكومة أن تعمل وتتفاعل مع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، ومع مجموع المواطنين وسلوك الموظفين المدنيين.
وتفيد أدبيات عديدة بأن الثقة في مؤسسات الدولة إحدى أهم مكونات رأس المال الاجتماعي، حيث تنشأ من الحاجة الملحة للتفاعل مع أفراد المجتمع، وما تتطلبه هذه العلاقة من الاعتماد على الآخر لتحقيق هدف معين، ولكي تنشأ هذه الثقة، لابد أن تكون العلاقة بين الطرفين خالية من القلق أو التشكيك.
وقد رصد استطلاع المؤشِّر العربيّ الذي ينجزه المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات في نسخته الرابعة لعام 2015 والذي تم تنفيذه في 12 دولة عربية، تقييم الرّأي العامّ أداء الدّولة بصفةٍ عامّة على صعيد تطبيق القانون بالتّساوي بين المواطنين، ومدى تطبيق مبدأ الحصول على محاكمة عادلة، ومدى انتشار الفساد الماليّ والإداريّ، باعتبارها معايّير لنجاح الدّولة في القيام بمهمّاتها. حيث اتّضح أنّ الرّأي العامّ العربيّ في مُجمله (80%) يعتقد أنّ الفساد الماليّ والإداريّ منتشرٌ في البلدان المُستطلعة آراؤها (موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسّودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعوديّة، والكويت) . كما دلّت النتائج على أنّ الرّأيّ العامّ منقسمٌ بخصوص جدّية حكومات بلدان المستجيبين في محاربة الفساد، إذ اعتقد 54% منهم أنّ الحكومات في بلدانهم جادّة في محاربة الفساد الماليّ والإداريّ (جادّة جدًّا، أو جادّة إلى حدٍ ما)، مقابل 45% من الذين اعتقدوا أنّ حكوماتهم غير جادّة في محاربة الفساد الماليّ والإداريّ. ويبدو أنّ آراء مستجيبي الكويت والسّعوديّة ومصر وموريتانيا والأردن والمغرب تميل إلى الاعتقاد بأنّ حكوماتهم جادّة في محاربة الفساد، وبنسبٍ تفوق المعدّل العامّ، في مقابل أكثريّة مستجيبي لبنان والعراق والسّودان الذين يعتقدون أنّ حكوماتِهم غير جادّة في محاربة الفساد، في حين انقسم الرّأي العامّ الفلسطيني والتونسي والجزائري تجاه جدّية حكوماتِهم في محاربة الفساد.
وفيما يتعلق بتطبيق القانون بالتساوي بين المواطنين، والذي يُعد أحد مصادر شرعية الدولة، فقد أتضح أنّ الدّول المُستطلعة غير ناجحةٍ في تطبيق القانون بين الناس بالتّساوي (خُمس المستطلعين)؛ وعلى الرغم من ميل نصف الرّأيّ العامّ العربيّ 54% إلى القول إنّ الدولة تُطبّق القانون بين الناس، إلا أنهم أكدوا على أن دولهم تطبق القانون بشكل منتقص، وتحابي بعض الفئات، وبالذات في مصر والسودان وموريتانيا. وهذا، في جوهره، يعني أنّ الدّولة لا تُطبّق القانون بالتّساوي بين الناس بدليل أن 41% أفادوا بأنّ الحصول على محاكمةٍ عادلةٍ "غير مطبّق إلى حدٍّ ما"، أو "غير مطبّقٍ على الإطلاق" كما في لبنان، الجزائر، وفلسطين، وتونس، والعراق. عموما، فإنّ هذه النتائج تقدّم مؤشّراً مهمّاً على أنّ المَيل العام يتجه إلى ترسيخ انطباع "عدم عدالة المحاكم العربية" وتعميقه وبالذات في الدول التي تعاني من أزمات وتقلبات سياسية. وإنّ إمكانية حدوث تغير في الرأي العام حول هذا الموضوع يحتاج إلى تغيير جاد وملموس في السياسات والإجراءات كي يشعر به المواطن العادي.
إجمالاً، إنّ تقييم الرأي العامّ السلبيّ أو الإيجابيّ المتحفّظ لأداء الحكومة، وفي ظلّ انطباعٍ بأنّ الفساد الماليّ والإداريّ منتشر، إضافةً إلى سيادة شعورٍ بعدم تطبيق الدّولة للقانون، كلّها عوامل تُفضي، مجتمعةً، إلى تآكل الثّقة بين المواطنين ومؤسّسات دولهم الرّئيسة، ما قد يؤدّي إلى أنْ تصبح الدّول العربيّة تعاني مأزق الشرعيّة لدى مواطنيها. وإنّ عدم المبادرة بصَوْغ سياساتٍ تُقنع المواطنين باستقامة أداء الحكومات ونزاهته، وتعبيرها عن آراء المواطنين، وتحقيقها مبدأ العدل والمساواة، أي سياساتٍ وإجراءاتٍ تساهم في إعادة مدّ جسور الثّقة بين المواطن ومؤسّسات الدّولة، سيساهم حتماً في فقدان الدّولة في المنطقة شرعيّتها.
ويجب أن يبدأ العمل على تجاوز هذه الأزمة فوراً بإجراءات تضمن لكل مؤسسات الدولة صلاحياتها، وتوجد البيئة التي تسمح بنضوج جميع السلطات. وتشمل هذه الإجراءات إطلاق إصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية، تشجع الكفاءات الوطنية (وليس ذوي القربى والمعرفة) على تولي المناصب القيادية وإدارة شؤون البلاد والعباد.
ويرى المؤشر العربي أن تغير نظرة الناس إلى العمل العام تستوجب تغير قيم باتت جزءاً من ثقافة جمعية، وعليه، يجب أن تعود الجامعات ساحات فكر رحبة للرأي، لا أن تظل مدارس ابتدائية، تضيق الآفاق، وتدفع الشباب نحو العزلة السياسية وتعلمهم الطاعة، لا التفكير النقدي المبدع. وما ينطبق على الجامعات ينطبق على المدارس التي تخلو مناهجها من التثقيف الديمقراطي والسياسي، فأسهمت بذلك في إيجاد جيل غريب عن قضاياه وغير معني بالعمل العام.
أزمة الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة حقيقة. ولا شيء غير الإصلاح الحقيقي، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، قادر على حلها.
وبشكل عام، قد تبدو هذه الحيرة طبيعية ومنطقية وصحيحة شكلياً، في ظل الواقع المؤسسي الذي نعيشه، والذي سبب توتراً وقلقاً لدى المواطنين، والناتج أصلاً من عدم ثقتهم بمؤسسات الدولة التي لم تحاسب أو تعاقب أي شخصية سياسية، أو قيادية، انتفعت وارتبطت بالفساد، أو حققت ثراء غير مشروع في فترة سُلطته. بل إنه لم يتم تتبع قضايا الاختلاسات التي طاولت الدول وهزت المجتمعات. وقد تنحصر عقوبات الدولة تجاه المتنفذين، وفي أسوأ الأحوال، في عزلهم من مناصبهم، أو تبرئتهم .. بكل هدوء! وقد أحدث هذا الأمر شعوراً سلبياً لدى المواطنين العرب بأن مؤسسات الدولة وأجهزتها تتستر على الفاسدين، وأحياناً تخفي الأدلة التي تدينهم! بل نشأ شعور لدى بعض المواطنين أن الدولة، بمؤسساتها، لا تعبر عن مصالح المجتمع ككل، وإنما عن مصالح طبقة بورجوازية، تخدمها لزيادة ثرواتها والسيطرة على مقدرات البلاد والتحكم بأنظمتها وبإطرها القانونية. لذا، لا غرابة أن ترافق بعض قضايا الفساد التي يُثيرها المواطنون دعوات شعبية بضرورة الإلتزام بالقانون والعدالة والمساواة في تطبيقه.
في حديث لي مع زملاء عرب في أثناء منتدى دراسات الخليج الذي عقد في الدوحة في ديسمبر/كانون أول الماضي، بحثنا وناقشنا موضوع الثقة في مؤسسات الدولة. وقال أكاديمي عربي، مارس حقه "الوطني" في كشف فساد مؤسسته "لن أكررها مرة أخرى، بل وسأدعو أهلي وأصدقائي لعدم المحاولة"، وأيده الرأي جميع الحضور في مائدتنا المستديرة الصغيرة، مؤكدين على عدم ثقتهم في مؤسسات دولهم وفسادها وعجزها عن تطوير قيادات وطنية حقيقة ومخلصة.
والمتتبع لمداخلات الرأي العربي العام بشأن ثقته بمؤسسات الدولة بشكل عام يلاحظ تدني هذه الثقة، ليس فقط بالمجالس النيابية والبرلمانية، بل غالباً بحكوماتهم وأجهزتها، الأمر الذي انعكس سلباً في تدني ثقة الرأي العام العربي في مؤسسات الدولة، وبالتالي، بروز ظواهر مثل التشكيك في قدرة مؤسسات الدولة وكفاءتها وشيوع فسادها الإداري والمالي في مجالات كثيرة.
وقد ذكرت الأمم المتحدة في مؤتمرها حول "بناء الثقة في الحكومة" في فيينا عام 2006 أن
وتفيد أدبيات عديدة بأن الثقة في مؤسسات الدولة إحدى أهم مكونات رأس المال الاجتماعي، حيث تنشأ من الحاجة الملحة للتفاعل مع أفراد المجتمع، وما تتطلبه هذه العلاقة من الاعتماد على الآخر لتحقيق هدف معين، ولكي تنشأ هذه الثقة، لابد أن تكون العلاقة بين الطرفين خالية من القلق أو التشكيك.
وقد رصد استطلاع المؤشِّر العربيّ الذي ينجزه المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات في نسخته الرابعة لعام 2015 والذي تم تنفيذه في 12 دولة عربية، تقييم الرّأي العامّ أداء الدّولة بصفةٍ عامّة على صعيد تطبيق القانون بالتّساوي بين المواطنين، ومدى تطبيق مبدأ الحصول على محاكمة عادلة، ومدى انتشار الفساد الماليّ والإداريّ، باعتبارها معايّير لنجاح الدّولة في القيام بمهمّاتها. حيث اتّضح أنّ الرّأي العامّ العربيّ في مُجمله (80%) يعتقد أنّ الفساد الماليّ والإداريّ منتشرٌ في البلدان المُستطلعة آراؤها (موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسّودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعوديّة، والكويت) . كما دلّت النتائج على أنّ الرّأيّ العامّ منقسمٌ بخصوص جدّية حكومات بلدان المستجيبين في محاربة الفساد، إذ اعتقد 54% منهم أنّ الحكومات في بلدانهم جادّة في محاربة الفساد الماليّ والإداريّ (جادّة جدًّا، أو جادّة إلى حدٍ ما)، مقابل 45% من الذين اعتقدوا أنّ حكوماتهم غير جادّة في محاربة الفساد الماليّ والإداريّ. ويبدو أنّ آراء مستجيبي الكويت والسّعوديّة ومصر وموريتانيا والأردن والمغرب تميل إلى الاعتقاد بأنّ حكوماتهم جادّة في محاربة الفساد، وبنسبٍ تفوق المعدّل العامّ، في مقابل أكثريّة مستجيبي لبنان والعراق والسّودان الذين يعتقدون أنّ حكوماتِهم غير جادّة في محاربة الفساد، في حين انقسم الرّأي العامّ الفلسطيني والتونسي والجزائري تجاه جدّية حكوماتِهم في محاربة الفساد.
وفيما يتعلق بتطبيق القانون بالتساوي بين المواطنين، والذي يُعد أحد مصادر شرعية الدولة، فقد أتضح أنّ الدّول المُستطلعة غير ناجحةٍ في تطبيق القانون بين الناس بالتّساوي (خُمس المستطلعين)؛ وعلى الرغم من ميل نصف الرّأيّ العامّ العربيّ 54% إلى القول إنّ الدولة تُطبّق القانون بين الناس، إلا أنهم أكدوا على أن دولهم تطبق القانون بشكل منتقص، وتحابي بعض الفئات، وبالذات في مصر والسودان وموريتانيا. وهذا، في جوهره، يعني أنّ الدّولة لا تُطبّق القانون بالتّساوي بين الناس بدليل أن 41% أفادوا بأنّ الحصول على محاكمةٍ عادلةٍ "غير مطبّق إلى حدٍّ ما"، أو "غير مطبّقٍ على الإطلاق" كما في لبنان، الجزائر، وفلسطين، وتونس، والعراق. عموما، فإنّ هذه النتائج تقدّم مؤشّراً مهمّاً على أنّ المَيل العام يتجه إلى ترسيخ انطباع "عدم عدالة المحاكم العربية" وتعميقه وبالذات في الدول التي تعاني من أزمات وتقلبات سياسية. وإنّ إمكانية حدوث تغير في الرأي العام حول هذا الموضوع يحتاج إلى تغيير جاد وملموس في السياسات والإجراءات كي يشعر به المواطن العادي.
إجمالاً، إنّ تقييم الرأي العامّ السلبيّ أو الإيجابيّ المتحفّظ لأداء الحكومة، وفي ظلّ انطباعٍ بأنّ الفساد الماليّ والإداريّ منتشر، إضافةً إلى سيادة شعورٍ بعدم تطبيق الدّولة للقانون، كلّها عوامل تُفضي، مجتمعةً، إلى تآكل الثّقة بين المواطنين ومؤسّسات دولهم الرّئيسة، ما قد يؤدّي إلى أنْ تصبح الدّول العربيّة تعاني مأزق الشرعيّة لدى مواطنيها. وإنّ عدم المبادرة بصَوْغ سياساتٍ تُقنع المواطنين باستقامة أداء الحكومات ونزاهته، وتعبيرها عن آراء المواطنين، وتحقيقها مبدأ العدل والمساواة، أي سياساتٍ وإجراءاتٍ تساهم في إعادة مدّ جسور الثّقة بين المواطن ومؤسّسات الدّولة، سيساهم حتماً في فقدان الدّولة في المنطقة شرعيّتها.
ويجب أن يبدأ العمل على تجاوز هذه الأزمة فوراً بإجراءات تضمن لكل مؤسسات الدولة صلاحياتها، وتوجد البيئة التي تسمح بنضوج جميع السلطات. وتشمل هذه الإجراءات إطلاق إصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية، تشجع الكفاءات الوطنية (وليس ذوي القربى والمعرفة) على تولي المناصب القيادية وإدارة شؤون البلاد والعباد.
ويرى المؤشر العربي أن تغير نظرة الناس إلى العمل العام تستوجب تغير قيم باتت جزءاً من ثقافة جمعية، وعليه، يجب أن تعود الجامعات ساحات فكر رحبة للرأي، لا أن تظل مدارس ابتدائية، تضيق الآفاق، وتدفع الشباب نحو العزلة السياسية وتعلمهم الطاعة، لا التفكير النقدي المبدع. وما ينطبق على الجامعات ينطبق على المدارس التي تخلو مناهجها من التثقيف الديمقراطي والسياسي، فأسهمت بذلك في إيجاد جيل غريب عن قضاياه وغير معني بالعمل العام.
أزمة الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة حقيقة. ولا شيء غير الإصلاح الحقيقي، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، قادر على حلها.