02 نوفمبر 2024
الجبير في بغداد.. تجسير بين مِحورَيْن
على الرغم من عدم اتضاح نتائج فورية لها، فإن زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بغداد في 25 فبراير/ شباط الماضي، شكلت حدثا استثنائيا في مسار العلاقات بين الرياض وبغداد، فهي الأولى من نوعها منذ 14 عاما. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، زار الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، الرياض، واستقبله الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وكان من نتائجها إعادة افتتاح السفارة السعودية في بغداد، في يونيو/ حزيران من العام التالي، وذلك في إطار الاستجابة لدعوات عراقية بإعادة فتح السفارات العربية.
جاءت زيارة رئيس الدبلوماسية السعودية مفاجئةً إلى بغداد، على الرغم من أن أوساطا عراقية تحدثت عن تحضيراتٍ مكتومة للزيارة، استغرقت ثلاثة أشهر. وقد نجحت الزيارة في كسر الجليد بين البلدين، إذ إن تجربة فتح سفارة سعودية رافقها تحفظ على تصريحات السفير ثامر السبهان الصريحة بخصوص النفوذ الايراني الواسع في هذا البلد، وقيادة إيران عشرات المليشيات المؤتلفة في الحشد الشعبي. فيما اشتكى السفير السعودي من تضييقات، وحتى تهديدات شبه دائمة، يتعرّض لها. وقد طلبت بغداد، بعدئذٍ، نقل السفير السبهان، وقد استجابت الرياض للطلب، إلا أنه لم تتم بعد تسمية سفير جديد.
تناولت أوساط إعلامية في بغداد، منها صحيفة المدى، ما اعتبرته جوانب من زيارة الجبير، وتحدثت عن عروض إعمارٍ حملها المسؤول السعودي لمناطق منكوبة في المحافظات السنية الست: الأنبار والموصل وديالى وكركوك وصلاح الدين، بالإضافة إلى الأطراف الغربية للعاصمة بغداد، وقد وصفت الخطة بأنها بمرتبة خطة "مارشال سعودي"، لكن الجانب العراقي، ممثلا بالوزير إبراهيم الجعفري، لم يستجب للعرض، قائلا إن ثمة صندوقاً عراقياً خاصاً لإعادة الأعمار (كم عقداً من الزمن تحتاجه عملية الإعمار قبل أن تبدأ في تلك المناطق؟ وهل الصندوق لا يقبل عروضاً هو في أمس الحاجة إليها، وهي في حُكم تبرعات؟) علما أنه
تطرح إعادة الإعمار نفسها بعد الهزائم التي مُني بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل، وتشتت قواه. وعلاوة على إعمار مناطق عراقية، فإن سكان تلك المناطق يشكون من نزوحهم القسري إلى مناطق أخرى، وتحولهم إلى لاجئين مستهدفين في وطنهم، فإن السعودية تخشى من موجات إرهابية قد تتسلل عبر الحدود العراقية السعودية. وقبل عام، كما في الأسابيع الأخيرة، فإن ثمة أحاديث سعودية متواترة عن تحول منطقة النخيب العراقية على الحدود مع السعودية إلى نقاط تجمع وتمركز لمليشيات الحشد الشعبي، ولربما قطاعات من الحرس الثوري الإيراني. أجرت المليشيات، أخيرا، مناورات عسكرية في المنطقة (إلى الشمال من مدينة عرعر السعودية)، وهو ما فهمته الرياض جزءاً من حملة التصعيد الإيرانية ضد السعودية، باستخدام مليشيات الحشد التي تحمل أجندة سياسية ومذهبية مطابقة للأجندة الإيرانية. فيما تتحدّث المليشيات عن مسعاها لمنع تسرب "داعش" إلى الأراضي السورية من تلك المنطقة التي جرى ضمّها إلى محافظة كربلاء. وفي واقع الأمر، تمركز الجيش العراقي، لا مليشيات الحشد، في تلك المنطقة الحدودية الصحراوية، هو ما يطمئن الرياض، وهو ما يضمن عدم استثمار إيران تلك المنطقة في تأجيج خلافاتها مع السعودية وتهديداتها لها.
لم يتسرب شيء حول المباحثات العراقية السعودية بشأن هذه المسائل الحساسة التي تنذر بتوتير الوضع على الحدود، خلافا للأطروحات العراقية الرسمية التي تشدّد على أهمية فتح صفحة جديدة في العلاقات. وقد استقبل الجبير بحفاوة ملحوظة في العراق من مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية، باستثناء ائتلاف نوري المالكي، وبعض مليشيات الحشد التي لم ترحب بزيارة المسؤول السعودي الرفيع.
إضافة إ
إلى الحدود والإعمار ومواجهة الإرهاب، ثمة قضية عالقة بين البلدين تتصل بعشرات المعتقلين السعوديين الذين تتحدّث مصادر سعودية عن أعدادهم التي لا تقل عن ستين معتقلا، وقد مضى على اعتقال بعضهم أكثر من عشر سنوات. وتطالب السعودية بمحاكماتٍ عادلةٍ لهؤلاء، ومعظمهم متهمون بقضايا إرهاب، وضمان التواصل بينهم وبين ذويهم، ومعرفة أماكن احتجازهم، وتوفير محامين للدفاع عنهم. وفي قضايا مشابهة، وفي إطار مكافحة الإرهاب الذي يجمع البلدين، يمكن أن يمضي المحكومون ممن توفّر لهم حد أدنى من محاكمةٍ عادلة، بقية محكوميتهم في بلدهم، في نطاق اتفاق قضائي، تشتد الحاجة إليه بين البلدين، حتى لا تسهم الطريقة المتبعة في مكافحة الإرهاب، بإثارة مشكلات جديدة، وقبل ذلك في اختلال ميزان العدالة.
يُؤمل الآن أن تشكل زيارة الجبير فاتحةً لبحث القضايا العالقة، والعمل على تذليل العقبات. وبهذا الخصوص، تحدثت مصادر مختلفة عن تنشيطٍ قريبٍ منتظر للتواصل بين البلدين، وعن زياراتٍ يستعد مسؤولون عراقيون للقيام بها إلى الرياض، ابتداء من وكلاء بعض الوزارات، على أن تتوج تلك الزيارات بزيارة رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، تلبية لدعوة رسمية سعودية، حملها الجبير معه في زيارته التي شكلت اختراقا لحالة الجمود التي ظلت تكتنف علاقات البلدين منذ ما لا يقل عن ربع قرن. وقد أتت الزيارة قبيل القمة العربية الدورية المقررة في الأردن في 28 مارس/ آذار الجاري، لكي تحقق تقاربا على درجةٍ من الأهمية، بين محور الاعتدال العربي والمحور الذي يطغى عليه النفوذ الإيراني.