الجدار الحدودي يقلق ليبيا ويزعج الفلاحين في تونس

16 يوليو 2015
كانت تونس تعاني من الإرهاب قبل الثورة (الأناضول)
+ الخط -
بدأت حدّة الحوار ترتفع شيئاً فشيئاً بين تونس وحكومة الإنقاذ الوطني الليبية (طرابلس)، خلال الأيام القليلة الماضية، على خلفيّة شروع تونس في بناء جدار ترابي عازل على الحدود التونسية ــ الليبية لمنع تسلل "الإرهابيين" وتهريب السلاح إلى البلد.

وعلى الرغم من التصريحات المتتالية للمسؤولين في وزارة الخارجية التونسية، بعدم تلقي رفض رسمي ليبي للجدار، بناء على اتصالات معهم، جاء موقف حكومة الإنقاذ الوطني الليبية، يوم الإثنين، الذي عبّر عنه وزير الداخلية الليبي، محمد شعيتر، ليؤكّد أنّ هناك مشكلة حقيقية حول هذا الموضوع. وقال شعيتر إن "ليبيا تعاني ما تعانيه تونس من الإرهاب، بل هي ضحية لمثل هذه الجرائم، ولا بدّ من الاعتراف بأن تونس كانت تعاني من الإرهاب قبل الثورة". وأعطى شعيتر، دليلاً على ذلك: "أحداث الجامعة وأحداث باب سويقة واعتداء باص الجزيرة في جربة وأحداث متحف باردو الأولى. وعليه، فإنه ليس من المنطقي أن يلقي بعض المسؤولين التونسيين اللوم على ‫ليبيا، والادعاء بأنّ الإرهاب صادر منها"، داعياً الإعلام التونسي إلى الابتعاد عمّا سماه الخطاب الاستفزازي.

وأشار شعيتر إلى أنّ "أي إجراء يخص تأمين الحدود بين البلدين، ينبغي أن يكون نتيجة حوار وتنسيق بينهما. كما أنّ أي إجراء أحادي الجانب، لا يحقق الاستقرار والأمن المنشود، وإلّا فنحن قادرون على الدفاع عن سيادتنا".

وأوضح شعيتر أنّه التقى وزير الخارجية التونسية، الطيب البكوش، قبل أحداث سوسة وطلب منه لقاء وزير الداخلية التونسية، وبعث لجنة مشتركة للتنسيق الأمني، لكّنه لم يلق جواباً على طلبه، على الرغم من بقائه لأيام في تونس. من جهة أخرى، أكّد قائد الأركان في حكومة الإنقاذ الوطني الليبية، عبد الرزاق الناظوري، أنّ هناك فرقاً عسكرية تشرف على تأمين الحدود الليبية، من دون الدخول في التفاصيل.

في المقابل، تسعى تونس إلى طمأنة جارتها المنزعجة من هذا الجدار، إذ قال رئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، يوم الثلاثاء، خلال إشرافه على حفل إفطار بعنوان (إفطار الأخوة التونسي ــ الليبي) في حضور العشرات من المدعوّين الليبيين من مختلف الانتماءات السياسية والقبلية، إن "الساتر الترابي الذي يُبنى على الحدود بين تونس وليبيا ظرفي، وفرضه خطر الإرهاب والتهريب"، مشيراً إلى أنّه ستتم إزالته حال تحقق السلم في ليبيا". وبدوره، قال نائب رئيس مجلس نواب الشعب ونائب الغنوشي في الحركة، عبد الفتاح مورو، إنّ "الجدار على الحدود التونسية ــ الليبية، لا يجب فهمه من الطرف الليبي على أساس أنه خوف منهم بل هو خوف من الإرهاب الآتي من الطرفين".

اقرأ أيضاً: مشاركة مغربية في الجدار الحدودي التونسي

غير أن المواقف المحتجة على الجدار لا تنبع فقط من الطرف الليبي، على الرغم من أنّ عدداً من الشخصيات التونسية تستغرب المواقف من القرارات السيادية التونسية، خصوصاً وأنّ الجدار يبنى داخل التراب التونسي. لكن هناك غضباً في الجنوب التونسي، وتحديداً في مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا. وقد عبّرت فروع ثلاث منظمات تونسية كبرى في المدينة، وهي الفروع التابعة لـ"الاتحاد العام التونسي للشغل"، و"الاتحاد التونسي للصناعة"، و"الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري"، عن رفضها واستنكارها قرار بناء الجدار على الحدود التونسية ــ الليبية، معتبرة أنه قرار أحادي الجانب من الحكومة ويتناقض مع مفهوم الديمقراطية المتشاركة، مشيرة إلى أنّ حالة من التململ الكبير والاحتقان تتنامى في صفوف أهالي المنطقة جراء هذا القرار.

واعتبرت المنظمات في بيان مشترك، نشرته يوم الأحد، أنّ اللجوء إلى طريقة الجدار العازل  يُمثّل عنوان فشل ذريع في "مقاومة الإرهاب" ودليل ضعف في صفوف المؤسسات المعنية، مذكّرة أنّ تونس كانت من آخر البلدان التي ضربها الاٍرهاب، لكنّها كانت الأولى التي اعتمدت طريقة الجدار العازل الذي أثبت فشله عبر التاريخ، مما يؤدي إلى استنتاج وجود إملاءات خارجية تتعارض مع المصلحة الوطنية والإقليمية لتونس.

وأكّدت المنظمات أن كل أهالي بن قردان ومختلف مكونّات المجتمع المدني يدعمون جهود الدولة في مقاومة الاٍرهاب وحريصون على الوحدة الوطنية، إلّا أنّهم يرفضون أن تكون الطرق المعتمدة لتحقيق ذلك، سبباً في تعميق حالة التهميش التي يعيشونها والتضييق على أرزاقهم، خصوصاً في ظلّ الإهمال المطلق للبدائل التنموية الضرورية.

وطالب المحتجون الحكومة بالتوقف الفوري عن الأشغال، وفتح حوار جدي وعاجل مع كافة المعنيين بالشأن التنموي والأمني لضمان الإجماع على أفضل السبل لمقاومة الاٍرهاب، بما يحقق انخراط الجميع في هذه "الحرب المقدسة" من دون المساس بحقوق الإنسان، وخصوصاً حق الحفاظ على نمط العيش الذي اعتاده المواطن لعقود من الزمن.

في هذا الصدد، قال رئيس اللجنة المحلية للفلاحة في بنقردان، عبد المجيد نبيغ، لـ"العربي الجديد"، إنهم يستغربون موقف الحكومة التونسية تجاه طلب الحوار على الرغم من احتجاجهم على فكرة الجدار منذ أشهر، مؤكداً أنّ الجدار بُني على أراض فلاحية خاصة من دون استشارة أصحابها، وأنّه جاء ليقسم مراعيَ تستغل في تربية الأغنام والزراعات البعلية كالقمح والشعير، مما سيؤثر بشكل كبير على حياة الفلاحين المتعَبين أصلاً، متخوفاً من ضياع هذه الأراضي التي تأتي وراء هذه الحدود الجديدة. وأشار نبيغ إلى أنهم لا يعارضون الجدار "إذا كان قائماً على الحدود ولا يهدر أراضي الفلاحة"، مبدياً تخوّفه من تضرّر عدد قطيع الماشية الكبير، لافتاً إلى انزعاج الفلاحين من هذا القرار ومن تجاهل السلطات.

من جهة أخرى، بعد أن أعلن رئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر، محسن حسن، أنّ تكلفة الجدار الترابي تبلغ حوالى 75 مليون دولار، أشار وزير الاستثمار، ياسين ابراهيم، في مؤتمر صحافي، إلى أنّه سيتم إبلاغ مجموعة السبعة بتفاصيل الموضوع. وبعد التصريحات، أشارت صحيفة ألمانية "زود دويتشه تسايتونغ" إلى أنّ ألمانيا ستسعى من خلال مجموعة السبعة إلى إعانة تونس بكل الوسائل في الفترة المقبلة، معتبرة أنّ الديمقراطية الهشة مهدّدة بالأعمال الإرهابية، وأنّها ستسعى إلى إقناع شركائها في المجموعة الغنية أو الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع الأسبوع المقبل بالإسراع إلى ضخ مبلغ 100 مليون يورو، من أجل تنفيذ مشاريع في تونس تعوّض الخسارة السياحية، وكذلك لدعم المجهود الأمني في مراقبة الحدود وتقديم إعانات فنية وتكنولوجية للأمن التونسي. وتنتظر ألمانيا من تونس تقديم لائحة واضحة ومحددة في هذه المشاريع.

اقرأ أيضاً: هواجس الجدار الترابي بين تونس وليبيا

المساهمون