09 نوفمبر 2024
الجدار ليس مكسيكياً فقط
لا تريد الإدارة الأميركية تغيير أولوياتها الأساسية الداخلية، المتقدمة على ما عداها، أي بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، فمنذ 22 ديسمبر/ كانون الأول، أدخل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، البلاد في حالة "الإغلاق الحكومي"، رافضاً الموافقة على أي ميزانيةٍ لا تتضمّن تخصيص 5.7 مليارات دولار لبناء الجدار. ألغى ترامب رحلته إلى منتدى دافوس السويسري السنوي، بسبب الخلاف مع الديمقراطيين الرافضين مشروعه. وبغضّ النظر عن أسبابه لبناء الجدار، والتي لخّصها بـ"مكافحة المجرمين ومهرّبي المخدرات واللاجئين"، إلا أن الخلاف بين ترامب والديمقراطيين لن يُحلّ بصورة "طبيعية". شخصية ترامب، كما أظهرها في ولايته الرئاسية، تشي باحتمال تصعيده الخلاف مع الديمقراطيين، خصوصاً تلويحه بـ"الاستعداد لإعلان حالة الطوارئ الوطنية"، أي بناء الجدار وفقاً لقرارٍ تنفيذي موقّع منه، بمعزلٍ عن موافقة الحزب الديمقراطي في الكونغرس. ويمكن إدراج مغادرته اجتماعاً مع رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، يوم الأربعاء الماضي، في هذا الإطار، خصوصاً وصفه الاجتماع "مضيعة للوقت تماماً".
ليست القضية مرتبطةً بهذا الأمر فحسب، فمن شأن تجاوز الرئيس الأميركي الكونغرس أن يحفّز الديمقراطيين للضغط عليه في مسألة تحقيق روبرت مولر، بشأن تعاون ترامب ودائرته مع الروس في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016. تحفيز قد يفضي إلى تشكيل لوبي ضاغط، ودافع لطرح موضوع عزل ترامب، ولو اقتضى تعيين نائبه الحالي مايك بنس رئيساً. حتى الآن، يعتبر الديمقراطيون أن ترامب أفضل من بنس، ومنهم من يرى أن احتمال عزل ترامب، في حال ثبُت تعامله مع الروس، سيتراجع، بما يسمح بضربه في الانتخابات الرئاسية 2020، لعدم كسب ولاية ثانية. أما في حال إطاحته قبل انتهاء الولاية الحالية، فإن بنس سيكون مرشحاً فعلياً للجمهوريين في الانتخابات المقبلة، وبنس بالنسبة إلى الديمقراطيين هو الخطر الأكبر. مع ذلك، قد يخرج الديمقراطيون من هذه المعادلة، إذا تجاوزهم ترامب.
عملياً، الجنون السياسي الحالي في الولايات المتحدة مغاير تماماً للوضع الاقتصادي الذي بلغ ذروته العام الماضي، ومرشّحٌ لمزيد من النمو المرحلي في العام الحالي. وعلى الرغم من أن بعض التوقعات المالية، الطويلة الأمد، تُحذّر من هذا الوضع وتأثيره السلبي على المدى البعيد، إلا أن ترامب، شكلياً، يوحي بعدم اكتراثه بالأمر. في الواقع، انتقد ترامب رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، في ضوء قرارات الاحتياطي رفع معدلات الفائدة. ورأى الرئيس الأميركي أن "الاحتياطي الفيدرالي لا يلاحظ مؤشرات التباطؤ التي بدأت تظهر في الاقتصاد الأميركي". وهو ما دفع بعضهم إلى سؤال باول عن إمكانية استقالته، في حال طلب ترامب منه ذلك، وردّ بأنه لن يستقيل أبداً، معتبراً أن "الاحتياطي الفيدرالي سيتعامل سريعاً وبليونة مع أية إشارة اقتصادية".
بالتالي، يريد ترامب إنهاء ملف الجدار سريعاً، لمواصلة الدفع الاقتصادي، بما يسمح له بتمتين جبهته في مواجهة تحقيقات مولر، ومن خلفه الديمقراطيون. كما أنه، بإعلانه سحب القوات الأميركية من سورية، على الرغم من التطورات التي أحدثتها أخيرا زيارة مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، إسرائيل وتركيا، بشأن إمكانية تأجيل الانسحاب حتى الانتهاء من تنظيم (داعش)، أظهر أن الأولويات الداخلية ستطغى على ما عداها. وهو ما يعني أن ملفات إيران وسورية واليمن ستكون متروكة لحراك إقليمي "يُشرف" عليه الأميركيون أو يتمّ تأجيلها حتى اتضاح مسار التحقيقات الأميركية وبناء الجدار.
السؤال الذي يمكن طرحه فعلياً "ماذا لو بُني الجدار؟". ما الذي يُمكن أن يحصل؟ عدا عن أنه سيبرّر لدول عدة القيام بالمثل، لتتكرّس الحدود الجغرافية بعوائق حديدية وإسمنتية، تحت حجج عدة باسم "الأمن والاستقرار"، إلا أنها سترسّخ مفهوم العنصرية في كل بيئةٍ، وتساهم في الانفكاك عن التواصل مع المجتمعات الأخرى. ليس الجدار مع المكسيك سيُبنى فحسب، بل في كل مكان.
عملياً، الجنون السياسي الحالي في الولايات المتحدة مغاير تماماً للوضع الاقتصادي الذي بلغ ذروته العام الماضي، ومرشّحٌ لمزيد من النمو المرحلي في العام الحالي. وعلى الرغم من أن بعض التوقعات المالية، الطويلة الأمد، تُحذّر من هذا الوضع وتأثيره السلبي على المدى البعيد، إلا أن ترامب، شكلياً، يوحي بعدم اكتراثه بالأمر. في الواقع، انتقد ترامب رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، في ضوء قرارات الاحتياطي رفع معدلات الفائدة. ورأى الرئيس الأميركي أن "الاحتياطي الفيدرالي لا يلاحظ مؤشرات التباطؤ التي بدأت تظهر في الاقتصاد الأميركي". وهو ما دفع بعضهم إلى سؤال باول عن إمكانية استقالته، في حال طلب ترامب منه ذلك، وردّ بأنه لن يستقيل أبداً، معتبراً أن "الاحتياطي الفيدرالي سيتعامل سريعاً وبليونة مع أية إشارة اقتصادية".
بالتالي، يريد ترامب إنهاء ملف الجدار سريعاً، لمواصلة الدفع الاقتصادي، بما يسمح له بتمتين جبهته في مواجهة تحقيقات مولر، ومن خلفه الديمقراطيون. كما أنه، بإعلانه سحب القوات الأميركية من سورية، على الرغم من التطورات التي أحدثتها أخيرا زيارة مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، إسرائيل وتركيا، بشأن إمكانية تأجيل الانسحاب حتى الانتهاء من تنظيم (داعش)، أظهر أن الأولويات الداخلية ستطغى على ما عداها. وهو ما يعني أن ملفات إيران وسورية واليمن ستكون متروكة لحراك إقليمي "يُشرف" عليه الأميركيون أو يتمّ تأجيلها حتى اتضاح مسار التحقيقات الأميركية وبناء الجدار.
السؤال الذي يمكن طرحه فعلياً "ماذا لو بُني الجدار؟". ما الذي يُمكن أن يحصل؟ عدا عن أنه سيبرّر لدول عدة القيام بالمثل، لتتكرّس الحدود الجغرافية بعوائق حديدية وإسمنتية، تحت حجج عدة باسم "الأمن والاستقرار"، إلا أنها سترسّخ مفهوم العنصرية في كل بيئةٍ، وتساهم في الانفكاك عن التواصل مع المجتمعات الأخرى. ليس الجدار مع المكسيك سيُبنى فحسب، بل في كل مكان.