والشخصيات الثلاث هم: وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، والجنرال السابق في الجيش رشيد بن يلس، وأب الحركة الحقوقية في الجزائر علي يحيى عبد النور.
وأطلق هؤلاء مبادرة سياسية، تتضمن بحسب وثيقة "دعوة القيادة العسكرية بإلحاح إلى فتح حوار صريح ونزيه مع ممثلي الحراك الشعبي والأحزاب السياسية المساندة لهذا الحراك، وكذلك القوى الاجتماعية المؤيدة له، من أجل إيجاد حلّ سياسي توافقي في أقرب الآجال، يستجيب للطموحات الشعبية المشروعة المطروحة يومياً، منذ ثلاثة أشهر تقريباً".
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الدعوة صراحة إلى فتح حوار مباشر بين الجيش ورموز الحراك الشعبي، والقوى السياسية المعارضة، على الطريقة السودانية لحل الأزمة في الجزائر، منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2 إبريل/ نيسان الماضي، على وقع الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/ شباط الماضي.
ويرفض الحراك الشعبي والمعارضة، إجراء أي حوار مع رئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح، وقاطعت جل التشكيلات السياسية والشخصيات المستقلة ندوة حوار سياسي دعا إليها في 23 إبريل/ نيسان الماضي، كما رفض التعامل مع حكومة نور الدين بدوي.
وحذرت المبادرة الجيش من "مخاطر التمسك والإصرار على إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، في موعدها المحدد دستورياً في 4 يوليو/ تموز المقبل، لعدم توفّر ظروف إجرائها".
ونبّهت إلى أنّ "حالة الانسداد التي نشهدها اليوم تحمل أخطاراً جسيمة تضاف إلى حالة التوتر القائم في محيطنا الإقليمي، وهذه الحالة الناجمة عن التمسك بتاريخ الرابع من يوليو القادم، لن تؤدي إلا إلى تأجيل ساعة الميلاد الحتمي للجمهورية الجديدة، فكيف يمكن أن نتصور إجراء انتخابات حرة ونزيهة ترفضها من الآن الأغلبية الساحقة من الشعب، لأنّها من تنظيم مؤسسات ما زالت تديرها قوى غير مؤهلة معادية للتغيير والبناء؟".
ويتمسّك الجيش، بحسب آخر خطاب ألقاه قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، بتطبيق بنود الدستور التي تنصّ على إجراء الانتخابات في غضون 90 يوماً، ويتمسّك بالتالي بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 4 يوليو/ تموز المقبل، كمخرج دستوري للأزمة، برغم مقاطعة الأحزاب والشخصيات السياسية المشاركة فيها، ورفض البلديات تنظيمها، ورفض القضاة الإشراف عليها.
كما رفعت شعارات أمس الجمعة، في تظاهرات الجمعة الـ13 للحراك الشعبي، تقول: "لا انتخابات حتى ترحل حكومة العصابات".
واعتبر الإبراهيمي الذي طالب الحراك الشعبي بتولّيه رئاسة الدولة بشكل مؤقت، ولفترة انتقالية محدودة، أنّ الوضع السياسي في الجزائر "يتطلّب مرحلة انتقالية قصيرة المدّة، يقودها رجال ونساء ممن لم تكن لهم صلة بالنظام الفاسد في العشرين سنة الأخيرة".
وقال في وثيقة المبادرة، إنّ "هذه المرحلة (الانتقالية) ضرورية حتى يتسنّى وضع الآليات واتخاذ التدابير، التي تسمح للشعب صاحب السيادة بالتعبير الحرّ الديمقراطي عن خياره بواسطة صناديق الاقتراع. إنّها عملية تنسجم تماماً مع مسار التاريخ، الذي لا أحد ولا شيء بقادر على اعتراضه".
وأشارت الوثيقة إلى أنّ "المتظاهرين الذين بلغ عددهم رقماً قياسياً تاريخياً، يطالبون اليوم، بعدما أرغموا الرئيس المترشح المحتضر على الاستقالة، ببناء دولة القانون في ظلّ ديمقراطية حقة".
واعتبرت أنّ "محاولات القهر والقمع والإذلال التي كان يقوم بها النظام السابق، هي التي دفعت الشعب إلى الخروج إلى الشارع، من كل الفئات الاجتماعية، وكل الأعمار، في تظاهرات سلمية اكتسحت شوارع كبرى مدن البلاد، تعبيراً عن غضبهم ورفض إذلالهم من طرف سلطة متكبرة وواثقة بنفسها لم تبال بترشيح شخص لعهدة خامسة، كان واضحاً أنّه في حالة احتضار منذ خمس سنوات".
وأضافت الوثيقة أنّ "التظاهرات العارمة التي شهدتها البلاد طيلة الأسابيع الثلاثة عشر الماضية انتزعت إعجاب العالم كله، بما تميزت به من طابع سلمي ومشاركة عددية واسعة، وأعادت لنا كرامة لطالما أُهينت، فضلاً عمّا أحيته في نفوسنا من شعور الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى أمة كبيرة بعظمة الجزائر. كما أنّها ساهمت بقوة في تعزيز الوحدة الوطنية وإرادة العيش المشترك، بقطع النظر عن خلافاتنا السياسية وحساسياتنا الثقافية أو العقائدية".
وخلال السنتين الأخيرتين، اعتادت الشخصيات الثلاث، إصدار بيانات سياسية مشتركة، كان آخرها بيان الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2017، الذي دعت فيه إلى تشكيل جبهة معارضة قوية تنهي حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومنعه من التوجّه نحو ولاية رئاسية خامسة في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في إبريل/ نيسان 2019، وطالبت الجيش بالنأي بنفسه عن التوظيف السياسي لمجموعة الرئاسة.
لكن المبادرة الجديدة المعلن عنها، اليوم السبت، جاءت بخلاف ما تم التسويق لهم من قبل مجموعة من الناشطين، قالوا في مؤتمر صحافي عقدوه قبل أسبوعين، إنّ أحمد طالب الإبراهيمي، وافق على اقتراح ترشيحه للرئاسة الانتقالية، وإنّه سيعلن مبادرة سياسية تتضمن أدوات محددة وخطة كاملة لإدارة المرحلة.
ويرتقب أن يرد الجيش على هذه الأفكار السياسية في وقت قريب، ولا سيما أنّه كان قد رد على بيان مماثل لنفس الشخصيات في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تضمن اتهامات لهم بمحاولة الزجّ بالمؤسسة العسكرية في الشأن السياسي.
ويبدو أنّ الجيش ممثلاً بقائد الأركان، الفريق ونائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح، بات أمام امتحان سياسي، بين الدعوات لحوار مباشر مع الحراك الشعبي والمعارضة، وبين الالتزامات بعدم التدخل في الشأن السياسي.