09 نوفمبر 2024
الجزائر.. السعيد يبحث عن يومه
تقف الجزائر عند الحدّ الفاصل بين تأمين متطلبات المتظاهرين من إنهاء مرحلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (وإفرازاتها)، والخشية من انزلاق البلاد إلى العنف المشابه للعشرية السوداء (1992 ـ 2001)، التي باتت خطاباً يومياً يعتمده الجيش الجزائري من زاوية "الحرص على أمن البلاد". يحمل هذا الواقع مساراً سوسيولوجياً ـ سياسياً مغايراً عما سبق وحصل في بعض الدول العربية في السنوات التسع الأخيرة، فالكثافة الإعلامية المرافقة للمواقف السياسية اليومية، وحاجات الناس وانعكاساتها على الواقع الميداني، تكشف عن "خطوط حمر" يضعها كثيرون في لا وعيهم، وهي خطوطٌ مرتبطةٌ بخوفٍ متبادل من "أمرٍ ما"، قد يطيح كل ما حصل من تطورات تُعدّ "إيجابية".
في الواقع، في هذه الجزئية، يُعتبر "النموذج التونسي" مفتاحاً للحلّ، إلا أنه ليس الحلّ. الجزئية الإيجابية في المسألة التونسية مرتبطة بعمل الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين بتونس، الذين عُرفوا باسم "الرباعي الراعي للحوار"، الذين كسروا حدّة الانقسام في البلاد بين عامي 2013 و2015. نجاح الرباعي حوارياً سمح بفوزهم بجائزة نوبل للسلام عام 2015. ولكن الوقائع التونسية مختلفة عن الجزائر. في تونس، لم يجنح أي طرفٍ إلى حربٍ أو فتنة، بل كان الجميع تقريباً في موقفٍ واحد من كل الأحداث الإرهابية التي ضربت البلاد، غير أن الجزائر المتأثرة بتاريخها الدموي، القريب في العشرية السوداء، والبعيد في حرب الاستقلال عن فرنسا، تبدو أكثر إثارةً للخشية من غيرها، في الملفات الأمنية. كما أنه لا قوى اجتماعية أو نقابات حقيقية في الجزائر، أو أقله بقوة النقابات التونسية، للدخول على خط الأزمة، واستنباط حلولٍ ملائمة للمعارضة وللسلطة.
هل يعني هذا أن تشدّد الطرفين، المعارضة والسلطة (الجيش)، سيؤدي إلى تطوراتٍ تطيح المسار السلمي السائد حتى الآن، وتحوّل الجزائر، ذات الـ45 مليون نسمة تقريباً، إلى دولة تهدّد بزحف اللاجئين إلى القارّة الأوروبية؟ يبقى خياراً وارداً. واللافت أن القرار الفرنسي تحديداً، يبدو مربكاً. الإليزيه يريد ولا يريد. يريد السلام بأي ثمن، ولا يريد أن يكون هذا الثمن دوساً على معارضين أو قتلهم. من ثم، من المرجح أن تستمر الأمور وقتاً طويلاً، على قاعدة أن "الإطالة من دون هدف أو سياق أو تغيير تستولد الملل"، ما سيُفضي إلى تقليل حدّة التوتر في الشارع، في ظلّ تقدم الوقت للانتهاء من مهلة السنة التي حدّدها بوتفليقة لإنجاز المرحلة الانتقالية في البلاد.
مع العلم أن التركيز على مسار ما بعد بوتفليقة مهم أكثر من فكرة إطاحته. يمكن للمعارضة أن تضغط باتجاهين: اتجاه سياسي تتمكّن من خلاله من فرض شروطها على الأخضر الإبراهيمي، الرجل الذي عاد إلى الواجهة أخيراً لقيادة المرحلة الانتقالية، على الرغم من قوله إنه "لم يُعيّن في أي منصب رسمي". واتجاه ميداني، ضغط مستمرّ على السلطة، لتحقيق المكاسب السياسية. هنا يمكن للجيش، أو جزء منه، أو أي فئة متضرّرة من الطاقم الحاكم، أو ممن يمنّون النفس بخلافة بوتفليقة، العمل على توتير الأجواء، إذا شعروا بإمكانية إزاحتهم من السلطة. في التاريخ تجارب عديدة عن "أطرافٍ ثالثة"، سعت إلى تأجيج الخلافات بين طرفين، كان من الممكن الاتفاق بينهما، فقط لأنها باتت خارج الصورة.
هل يُمكن لهذا الفريق الثالث أن يميل بالجزائر إلى العنف، لفرض شروطه؟ انظروا أصلاً إلى التغييرات العسكرية التي أجراها بوتفليقة في السنوات الأخيرة، وسمحت لجناح شقيقه، السعيد بوتفليقة، في تسلّق الهرمية القيادية في الظلّ. وبالاستناد على ولاء هؤلاء الجنود له، وكبار القياديين والضباط، وبالاعتماد على سيرته "رجلاً شبحاً"، يمكن أن يؤدي السعيد بوتفليقة دوراً كبيراً في سلام الجزائر أو حربها.
في الواقع، في هذه الجزئية، يُعتبر "النموذج التونسي" مفتاحاً للحلّ، إلا أنه ليس الحلّ. الجزئية الإيجابية في المسألة التونسية مرتبطة بعمل الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين بتونس، الذين عُرفوا باسم "الرباعي الراعي للحوار"، الذين كسروا حدّة الانقسام في البلاد بين عامي 2013 و2015. نجاح الرباعي حوارياً سمح بفوزهم بجائزة نوبل للسلام عام 2015. ولكن الوقائع التونسية مختلفة عن الجزائر. في تونس، لم يجنح أي طرفٍ إلى حربٍ أو فتنة، بل كان الجميع تقريباً في موقفٍ واحد من كل الأحداث الإرهابية التي ضربت البلاد، غير أن الجزائر المتأثرة بتاريخها الدموي، القريب في العشرية السوداء، والبعيد في حرب الاستقلال عن فرنسا، تبدو أكثر إثارةً للخشية من غيرها، في الملفات الأمنية. كما أنه لا قوى اجتماعية أو نقابات حقيقية في الجزائر، أو أقله بقوة النقابات التونسية، للدخول على خط الأزمة، واستنباط حلولٍ ملائمة للمعارضة وللسلطة.
هل يعني هذا أن تشدّد الطرفين، المعارضة والسلطة (الجيش)، سيؤدي إلى تطوراتٍ تطيح المسار السلمي السائد حتى الآن، وتحوّل الجزائر، ذات الـ45 مليون نسمة تقريباً، إلى دولة تهدّد بزحف اللاجئين إلى القارّة الأوروبية؟ يبقى خياراً وارداً. واللافت أن القرار الفرنسي تحديداً، يبدو مربكاً. الإليزيه يريد ولا يريد. يريد السلام بأي ثمن، ولا يريد أن يكون هذا الثمن دوساً على معارضين أو قتلهم. من ثم، من المرجح أن تستمر الأمور وقتاً طويلاً، على قاعدة أن "الإطالة من دون هدف أو سياق أو تغيير تستولد الملل"، ما سيُفضي إلى تقليل حدّة التوتر في الشارع، في ظلّ تقدم الوقت للانتهاء من مهلة السنة التي حدّدها بوتفليقة لإنجاز المرحلة الانتقالية في البلاد.
مع العلم أن التركيز على مسار ما بعد بوتفليقة مهم أكثر من فكرة إطاحته. يمكن للمعارضة أن تضغط باتجاهين: اتجاه سياسي تتمكّن من خلاله من فرض شروطها على الأخضر الإبراهيمي، الرجل الذي عاد إلى الواجهة أخيراً لقيادة المرحلة الانتقالية، على الرغم من قوله إنه "لم يُعيّن في أي منصب رسمي". واتجاه ميداني، ضغط مستمرّ على السلطة، لتحقيق المكاسب السياسية. هنا يمكن للجيش، أو جزء منه، أو أي فئة متضرّرة من الطاقم الحاكم، أو ممن يمنّون النفس بخلافة بوتفليقة، العمل على توتير الأجواء، إذا شعروا بإمكانية إزاحتهم من السلطة. في التاريخ تجارب عديدة عن "أطرافٍ ثالثة"، سعت إلى تأجيج الخلافات بين طرفين، كان من الممكن الاتفاق بينهما، فقط لأنها باتت خارج الصورة.
هل يُمكن لهذا الفريق الثالث أن يميل بالجزائر إلى العنف، لفرض شروطه؟ انظروا أصلاً إلى التغييرات العسكرية التي أجراها بوتفليقة في السنوات الأخيرة، وسمحت لجناح شقيقه، السعيد بوتفليقة، في تسلّق الهرمية القيادية في الظلّ. وبالاستناد على ولاء هؤلاء الجنود له، وكبار القياديين والضباط، وبالاعتماد على سيرته "رجلاً شبحاً"، يمكن أن يؤدي السعيد بوتفليقة دوراً كبيراً في سلام الجزائر أو حربها.