يعيش قرابة مليون شباب جزائري يعملون في إطار عقود ما قبل التشغيل (عمال مؤقتون) حالة من الغليان والاستياء، بعدما نفد صبرهم في إيجاد صيغة بديلة لهذا البرنامج الذي يطلقون عليه "برنامج تفشيل الشباب"، وبما يعدو أن يكون ذلك مسكناً غير مجد بالنسبة إليهم، فهم يحلمون بوظائف دائمة.
يجمع أغلب الشباب الذين يعملون في إطار عقود ما قبل التشغيل أن هذا البرنامج الذي لجأت إليه الحكومة عام 2005 وازدادت ذروته بتسريع وتيرة التشغيل وفتح مناصب كثيرة، تزامن مع بدء "الربيع العربي" عام 2010، حيث أمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتوظيف الشباب في المؤسسات العمومية والخاصة، على أن تدفع الحكومة من الخزينة العمومية رواتب الشباب خاصة خريجي الجامعات التي تبلغ 18 ألف دينار (163 دولارا) بعقود سنوية تُجدد مطلع كل سنة، وذلك لامتصاص غضب الشارع الجزائري.
إسماعيل تونسي، شاب دخل عقده الثالث خريج كلية العلوم السياسية، يشتغل منذ سنة 2011 كعون إداري في بلدية "بولوغين" في العاصمة الجزائرية، يروي لـ "العربي الجديد" تجربته مع العقود المؤقتة قائلا: "بعد أيام من اندلاع ما يعرف بأحداث الزيت والسكر سنة 2011، توجهت إلى مكتب التشغيل ووضعت طلب توظيف بعد أن عانيت من البطالة 3 سنوات منذ تخرجي من الجامعة".
وتابع تونسي: "اتصل بي المكتب وأرسلني إلى مقر البلدية حيث باشرت عملي، في البداية كنت مسرورا بهذه الوظيفة، لكن مع مرور الأشهر واقتراب نهاية العقد بدأت الشكوك تراودني، تتكرر نفس المخاوف مع نهاية كل سنة، ولا يمكن أن تتواصل الأمور هكذا فالراتب ضعيف للغاية والوظيفة ليست مستقرة".
ويبلغ عدد العمال المؤقتون ضمن عقود ما قبل التشغيل قرابة 950 ألف عامل، منهم 550 ألفا في القطاع العام، حسب الأرقام التي كشفت عنها الوكالة الجزائرية للتشغيل، ما يجعلهم قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة في حال ما إذا لم تلب مطالبهم، وفي مقدمتها ترسيمهم بعقود دائمة وزيادة في الراتب وفق سلم الأجور المعتمد في الوظيفة العمومية.
وحسب فيصل حوتاني، عضو المكتب الوطني باللجنة الوطنية لعقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية، فإن برنامج عقود ما قبل التشغيل هو برنامج سياسي كان الهدف منه تقليص نسبة البطالة التي لا تزال في حدود 10% حسب الأرقام الحكومية، وهو رقم بعيد عن الواقع.
وقال نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" إن "السلطات العمومية لا تزال تنتهج سياسة تقديم الوعود بالإدماج الذي يبقى مجرد سراب صعب المنال، لأن مدة العقد تنتهي ويحال الشاب العامل في إطار عقود التشغيل المؤقتة على بطالة حتمية بعد هدر سنوات كاملة من التعب والجهد دون الحصول على إجازة حتى".
و لفت حوتاني، إلى أن من النقاط السوداء في عقود العمل المؤقتة هي التأخر في صرف الراتب، كما يتعرض لها الشاب العامل في إطار صيغة عقود ما قبل التشغيل وبعد انقضاء مدة العقد المحددة، حتى وإن جددت لعهدة جديدة، فإنه لن يستفيد من احتساب سنوات الخبرة المهنية في المسار المهني بالنسبة للتقاعد، كما يُحرم من الضمان الاجتماعي.
ومع بلوغ الأزمة المالية ذروتها بات العمال المؤقتون يتخوفون من الإحالة على البطالة عند نهاية عقودهم، في ظل السياسة التقشفية التي تنتهجها الحكومة لمواجهة تهاوي عائدات النفط، والتي دفعت الحكومة إلى تجميد التوظيف في القطاع العام، وهو ما دفعهم للتلويح بالنزول إلى الشارع للضغط على الحكومة.
وفي السياق، كشف مدير التوجيه بالوكالة الجزائرية للتشغيل الهادي حمدي، في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي أرسلت تعليمات إلى كافة رؤساء الوكالات الولائية والمحلية للتشغيل، تنص على استفادة أصحاب عقود ما قبل التشغيل من عقود العمل المدعمة، ما يعني تمديد عقودهم 3 سنوات إلى غاية نهاية 2020".
وأضاف نفس المتحدث أن ما يروج حول عدم تجديد العقود بسبب الأزمة المالية هو كلام عار من الصحة، فالوكالة ومن خلفها الدولة الجزائرية تلتزم بتجديد عقدها مع الشباب الجزائري وتساعده من أجل الحصول على فرص عمل مستقرة.
وحسب ممثل الوكالة الجزائرية للتشغيل، يبدو أن حكومة رئيس الوزراء عبد المجيد تبون، مصرة على تحمل أعباء كتلة الأجور التي يتلقاها 950 ألف عامل، بالرغم من تسجيل الخزينة العمومية للعجز قياسي بلغ 30 مليار دولار نهاية السنة الماضية.
وحسب الخبير الاقتصادي والمختص في سوق العمل في الجزائر كمال تيغيوات، فإن برنامج عقود ما قبل التشغيل هو في الحقيقة نموذج فرنسي اعتمدته السلطات الفرنسية لسنوات للقضاء على البطالة، إلا أن المطالبة بإلغاء هذه الصيغة من طرف الشباب الفرنسي وجمعيات المجتمع المدني هناك عام 2004 دفع بالحكومة الفرنسية إلى إلغائه، لأنه من منظور خبراء ومختصين يشكل مظهرًا من مظاهر العمل الهش.
وتابع: "لكن عندنا هرعت السلطات إليه دون تشخيص ولا دراسة بل من أجل تحقيق أهداف سياسية".
وارتفعت نسبة البطالة في الجزائر في سبتمبر/أيلول 2016 إلى حوالى 10.5%، مقابل 9.9% في إبريل/نيسان 2016، حسب ما أشار إليه آخر تقرير للديوان الجزائري للإحصائيات.
اقــرأ أيضاً
يجمع أغلب الشباب الذين يعملون في إطار عقود ما قبل التشغيل أن هذا البرنامج الذي لجأت إليه الحكومة عام 2005 وازدادت ذروته بتسريع وتيرة التشغيل وفتح مناصب كثيرة، تزامن مع بدء "الربيع العربي" عام 2010، حيث أمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتوظيف الشباب في المؤسسات العمومية والخاصة، على أن تدفع الحكومة من الخزينة العمومية رواتب الشباب خاصة خريجي الجامعات التي تبلغ 18 ألف دينار (163 دولارا) بعقود سنوية تُجدد مطلع كل سنة، وذلك لامتصاص غضب الشارع الجزائري.
إسماعيل تونسي، شاب دخل عقده الثالث خريج كلية العلوم السياسية، يشتغل منذ سنة 2011 كعون إداري في بلدية "بولوغين" في العاصمة الجزائرية، يروي لـ "العربي الجديد" تجربته مع العقود المؤقتة قائلا: "بعد أيام من اندلاع ما يعرف بأحداث الزيت والسكر سنة 2011، توجهت إلى مكتب التشغيل ووضعت طلب توظيف بعد أن عانيت من البطالة 3 سنوات منذ تخرجي من الجامعة".
وتابع تونسي: "اتصل بي المكتب وأرسلني إلى مقر البلدية حيث باشرت عملي، في البداية كنت مسرورا بهذه الوظيفة، لكن مع مرور الأشهر واقتراب نهاية العقد بدأت الشكوك تراودني، تتكرر نفس المخاوف مع نهاية كل سنة، ولا يمكن أن تتواصل الأمور هكذا فالراتب ضعيف للغاية والوظيفة ليست مستقرة".
ويبلغ عدد العمال المؤقتون ضمن عقود ما قبل التشغيل قرابة 950 ألف عامل، منهم 550 ألفا في القطاع العام، حسب الأرقام التي كشفت عنها الوكالة الجزائرية للتشغيل، ما يجعلهم قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة في حال ما إذا لم تلب مطالبهم، وفي مقدمتها ترسيمهم بعقود دائمة وزيادة في الراتب وفق سلم الأجور المعتمد في الوظيفة العمومية.
وحسب فيصل حوتاني، عضو المكتب الوطني باللجنة الوطنية لعقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية، فإن برنامج عقود ما قبل التشغيل هو برنامج سياسي كان الهدف منه تقليص نسبة البطالة التي لا تزال في حدود 10% حسب الأرقام الحكومية، وهو رقم بعيد عن الواقع.
وقال نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" إن "السلطات العمومية لا تزال تنتهج سياسة تقديم الوعود بالإدماج الذي يبقى مجرد سراب صعب المنال، لأن مدة العقد تنتهي ويحال الشاب العامل في إطار عقود التشغيل المؤقتة على بطالة حتمية بعد هدر سنوات كاملة من التعب والجهد دون الحصول على إجازة حتى".
و لفت حوتاني، إلى أن من النقاط السوداء في عقود العمل المؤقتة هي التأخر في صرف الراتب، كما يتعرض لها الشاب العامل في إطار صيغة عقود ما قبل التشغيل وبعد انقضاء مدة العقد المحددة، حتى وإن جددت لعهدة جديدة، فإنه لن يستفيد من احتساب سنوات الخبرة المهنية في المسار المهني بالنسبة للتقاعد، كما يُحرم من الضمان الاجتماعي.
ومع بلوغ الأزمة المالية ذروتها بات العمال المؤقتون يتخوفون من الإحالة على البطالة عند نهاية عقودهم، في ظل السياسة التقشفية التي تنتهجها الحكومة لمواجهة تهاوي عائدات النفط، والتي دفعت الحكومة إلى تجميد التوظيف في القطاع العام، وهو ما دفعهم للتلويح بالنزول إلى الشارع للضغط على الحكومة.
وفي السياق، كشف مدير التوجيه بالوكالة الجزائرية للتشغيل الهادي حمدي، في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي أرسلت تعليمات إلى كافة رؤساء الوكالات الولائية والمحلية للتشغيل، تنص على استفادة أصحاب عقود ما قبل التشغيل من عقود العمل المدعمة، ما يعني تمديد عقودهم 3 سنوات إلى غاية نهاية 2020".
وأضاف نفس المتحدث أن ما يروج حول عدم تجديد العقود بسبب الأزمة المالية هو كلام عار من الصحة، فالوكالة ومن خلفها الدولة الجزائرية تلتزم بتجديد عقدها مع الشباب الجزائري وتساعده من أجل الحصول على فرص عمل مستقرة.
وحسب ممثل الوكالة الجزائرية للتشغيل، يبدو أن حكومة رئيس الوزراء عبد المجيد تبون، مصرة على تحمل أعباء كتلة الأجور التي يتلقاها 950 ألف عامل، بالرغم من تسجيل الخزينة العمومية للعجز قياسي بلغ 30 مليار دولار نهاية السنة الماضية.
وحسب الخبير الاقتصادي والمختص في سوق العمل في الجزائر كمال تيغيوات، فإن برنامج عقود ما قبل التشغيل هو في الحقيقة نموذج فرنسي اعتمدته السلطات الفرنسية لسنوات للقضاء على البطالة، إلا أن المطالبة بإلغاء هذه الصيغة من طرف الشباب الفرنسي وجمعيات المجتمع المدني هناك عام 2004 دفع بالحكومة الفرنسية إلى إلغائه، لأنه من منظور خبراء ومختصين يشكل مظهرًا من مظاهر العمل الهش.
وتابع: "لكن عندنا هرعت السلطات إليه دون تشخيص ولا دراسة بل من أجل تحقيق أهداف سياسية".
وارتفعت نسبة البطالة في الجزائر في سبتمبر/أيلول 2016 إلى حوالى 10.5%، مقابل 9.9% في إبريل/نيسان 2016، حسب ما أشار إليه آخر تقرير للديوان الجزائري للإحصائيات.