أعطت الحكومة الجزائرية الضوء الأخضر للمستثمرين المحليين والأجانب، للاستثمار في الأملاك الوقفية (عمل خيري تبرعي يحول بموجبه العقار نحو الانتفاع العام)، في أول سابقة تاريخية بالبلاد، تحت ضغط نقص الموارد المالية وانكماش الاقتصاد، وذلك بموجب دفتر أعباء صادر عن الحكومة، يحدد شروط وكيفيات استغلال كافة الأملاك الوقفية العقارية العامة المبنية أو غير المبنية، الموجهة لإنجاز مشاريع استثمارية.
وتقول الحكومة في باب "عرض الأسباب" في دفتر الأعباء، إن "الهدف من قرار فتح مجال استغلال العقارات الوقفية لإنجاز مشاريع استثمارية، هو جرد وإحصاء هذه الأملاك وتنميتها وفقا لإرادة الواقف (المتبرع) وطبقا لمقاصد الشريعة الإسلامية في مجال الأوقاف، والتي تتم بموجب عقد إداري بين السلطة المكلفة بالأوقاف والمستثمر، ويمكن للأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الجزائري، الترشح للاستفادة من العقارات الوقفية الموجهة للاستثمار قصد استغلالها".
ويشمل المرسوم الوزاري الأراضي غير المبنية، الموجهة لاستقبال المشاريع الاستثمارية، العقارات المبنية الجاهزة، العقارات المبنية التي تحتاج إلى إعادة تهيئة أو توسعة أو إدخال تحسينات عليها أو هدم بغرض إعادة البناء أو تغيير في استعمالها الأولي لاستقبال المشاريع الاستثمارية. وفي جميع الحالات، تدمج مرافق المشروع الاستثماري ضمن العقارات الوقفية العامة.
ويحدد القرار الحكومي مدة استغلال العقارات الوقفية الموجهة للاستثمار بفترة أدناها 15 سنة، وأقصاها 30 سنة قابلة للتجديد، على أساس المردودية الاقتصادية للمشروع الاستثماري.
وخلال مرحلة الاستغلال، يتم تسديد نسبة مئوية من رقم الأعمال، تراوح بين 1 و8 بالمائة على أساس المردودية الاقتصادية للاستثمار والأثر الإيجابي، حيث يسدد المستثمر المستحقات المالية المتعلقة بالإيجار وبالنسبة المئوية من رقم الأعمال إلى حساب خزينة الأوقاف.
ويؤكد دفتر الشروط الذي يحدد البنود والشروط المطبقة، على استغلال العقارات الوقفية العامة الموجهة لإنجاز مشاريع استثمارية عن طريق تقديم العروض، وعلى وجوب احترام المستثمر تخصيص العقار الوقفي واستعماله فقط للأغراض المحددة.
ويجب أن يكون المشروع الاستثماري مطابقا لأدوات التهيئة والتعمير والقواعد العامة للعمران وحماية التراث الثقافي وقواعد النظافة وحماية البيئة، وموافقا للضوابط الشرعية المحددة في أحكام الشريعة الإسلامية. ويجب ألا يخل المشروع الاستثماري، بأي حال من الأحوال، بقواعد الأمن والنظام العام والسكينة والصحة العموميتين.
وإذا لم يتمكن المستثمر من إتمام المشروع في الأجل المحدد في العقد، وبعد دراسة المبررات المقدمة، يمكن للسلطة المكلفة بالأوقاف منحه أجلا إضافيا يراوح بين سنة و3 ثلاث سنوات، حسب طبيعة المشروع وأهميته، بموجب ملحق للعقد.
وتكشف آخر عملية مسح قامت بها إدارة الأوقاف الجزائرية في أواخر سنة 2019، اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن أوقاف الجزائر متنوعة، لكن تغلب عليها العقارات السكنية التي شكلت نسبة 60.20 بالمائة من مجموع الأملاك الوقفية.
ويضم هذا الصنف 1376 محلا تجاريا و5537 سكنا (فيلات وشقق)، تليها الأوقاف من صنف الأراضي البيضاء الخالية من أي نشاط وعددها 754 قطعة، تليها الأراضي الزراعية التي وصلت نسبتها إلى 7.12 بالمائة بـ655 قطعة أرض، ثم الحمامات بنسبة 6.09 بالمائة، والباقي مكتبات وحظائر للسيارات ومقابر.
وظل ملف "الأملاك الوقفية" من الملفات المغلقة التي رفضت مختلف الحكومات المتعاقبة فتحه لحساسية ورقة "الدين" في الجزائر، كباقي الدول العربية والإسلامية، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الجزائر منذ 2014، دفعت السلطات في الجزائر إلى مراجعة "عقيدتها الاقتصادية" وإعادة رسم "الخطوط الحمراء" مجددا، وذلك لمواجهة مخلفات أزمة النفط.
وحسب الخبير في الاقتصاد الإسلامي فارس مسدور، فإن "العديد من التساؤلات تطرح عند الحديث عن الأوقاف الجزائرية، تتمحور في مجملها حول الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الأوقاف في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر، إلا أن الواقع الذي يطرح نفسه هو أن الأوقاف ليس لها ذلك الدور الذي كان يرجوه الواقفون لأموالهم، اللهم إلا الدور الديني بكل جوانبه الوعظية والتعليمية وفق الأساليب التقليدية".
وأضاف الخبير الجزائري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الخريطة الوقفية ورغم كبرها إلا أنها لم تدر على الخزينة العمومية أي دينار، بالعكس كلفها فاتورة إضافية جراء حراستها والاعتناء بها".
وقال مسدور إن "الفراغ القانوني جعل هذه الأوقاف تتحول بمعظمها إلى خراب، عوض أن تكون مصدرا للأموال ومناصب الشغل".