وترك خطاب بوتفليقة صدمة سياسية في الجزائر، نظراً لتضمّن خطابه مفردات "حربية"، وصفتها المعارضة، بأنها "تعبير سياسي عن حالة اليأس والارتباك التي تعيشها السلطة". وشككت حتى في أن "تكون الرسالة من أفكار بوتفليقة، العاجز منذ فترة عن أداء مهامه الرئاسية بشكل كامل".
ووضع الناشط السياسي في حركة "بركات" (كفاية) سمير بلعربي، خطاب بوتفليقة، في سياق "مشاركة قيادات المعارضة في احتجاجات مدينة ورقلة الجنوبية، المناهضة لمشروع الغاز الصخري، في 14 مارس/آذار الحالي والتفاف الجماهير حولها، وتواصل الاعتصام في مدينة عين صالح للمطلب نفسه".
واعتبر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذه التحركات أربكت السلطة، ودفعت المحيطين بالرئيس بوتفليقة إلى التحرك واستعمال التهديد". وذكر بلعربي أن "رسالة الرئيس نُسبت إليه، بسبب وجود فوارق في النسختين العربية والفرنسية، اللتين نُشرتا على وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية". وأضاف أنه "يجب التذكير بأن الرئيس رهينة في يد عصابة مافيا المال السياسي بقيادة شقيقه سعيد بوتفليقة، وأن ما يصدر من رسائل وقرارات
منسوبة إليه، ليست إلا وسيلة لاستمرارهم في السلطة".
اقرأ أيضاً: انزلاق الأوضاع جنوب الجزائر: السلطة تلجأ للقوة لمواجهة المحتجين
ولفت القيادي في حركة "بركات" إلى أنه "بعد نحو عام على تمرير الولاية الرابعة لبوتفليقة بطريقة مسرحية، يزداد التخبط لدى أركان الحكم بين مختلف أطرافه، والمحكومة بمعادلة الخارج وضغوطه". وأضاف أن "تلك الضغوط هي التي دفعت لمحاولة تمرير مشروع استغلال الغاز الصخري كصفقة، في مقابل سكوت الغرب على بقاء بوتفليقة في الحكم، والمصادقة عليها في أول جلسة حكومية في الولاية الرابعة في مايو/أيار 2014، وهو ما جعل المجتمع المدني ينتفض للوقوف ضد هذا المشروع، الذي وصفه بعملية بيع الثروات الوطنية للشركات متعددة الجنسيات".
من جهته، لفت القيادي في "جبهة القوى الاشتراكية"، كبرى الأحزاب المعارضة في الجزائر، يزيد بوعناني في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن "اللهجة التي تضمنتها رسالة بوتفليقة، تؤكد وجود تجاذبات قوية في أعلى هرم السلطة". وتوقع أن "يلي الرسالة أحداث قوية تلوح في الأفق".
كما يتوقع القيادي في حركة "مجتمع السلم" (اخوان)، كبرى الأحزاب الإسلامية، ناصر حمدادوش، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تزيد السلطة بمختلف مستوياتها السياسية والأمنية الضغط على المعارضة، ترجمة لموقف بوتفليقة، المنسوب إليه".
ووضع في السياق، مسألة "منع تجمّعات أو نشاطات سياسية للأحزاب والتنظيمات المعارضة، كمنع سلطات ولاية البليدة في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية، لقاءً سياسياً لحركة النهضة المعارضة". وأضاف أن "رسالة بوتفليقة لها دلالات خطرة، تعبّر عن عمق الأزمة داخل السلطة، وحجم الهوة بينها وبين المعارضة، التي يزعم الاعتراف بها ودسترة حقوقها. لذلك فإنه من واجبنا القول إن الشعب الجزائري يريد رؤية بوتفليقة وسماع الخطاب منه مباشرة، وإلا فإن حكم الجزائر بالرسائل والصور المفبركة، التي لا تتجاوز مدتها بضع ثوانٍ، استخفاف بالشعب".
وكان لافتاً أن بوتفليقة هو أول رئيس جزائري يستخدم هذه المفردات الصدامية في الخطاب السياسي ضد المعارضة، والتي تُمثّل تحوّلاً حاسماً في تعاطي السلطة مع المعارضة. ويُعدّ اتهام "المعارضة بتبنّي سياسة الأرض المحروقة" بمثابة خطوة غير اعتيادية، لارتباط هذه الصفة بأدبيات الاستعمار الفرنسي ضد الجزائريين.
وكان بوتفليقة، قد أبدى "خشيته مما قد يُقدم عليه من منكرات، أناس من بني جلدتنا، اعترتهم نزعة خطيرة إلى اعتماد سياسة الأرض المحروقة في مسعاهم للوصول إلى حكم البلاد". وتضمّنت الرسالة الرئاسية التي شكك أكثر من طرف في أن يكون لبوتفليقة القدرة على صياغتها بفعل ظروفه الصحية، نعتاً سلبياً واتهامات وُجّهت إلى المعارضة، بـ"العمل على بثّ الخوف والإحباط في الجزائر".
وتابع بوتفليقة "أرى جموعاً من أدعياء السياسة تعمد صباحاً ومساءً إلى بث الخوف والإحباط في نفوس أبناء هذا الشعب وبناته، وإلى هدّ ثقتهم في الحاضر والمستقبل، إلا أن أكاذيبهم لم تنطل ولن تنطلي". وحث بوتفليقة الجزائريين على إعلان موقف وعدم البقاء على الحياد إزاء تحركات المعارضة السياسية في الجزائر، في سياق مساعيه إلى استعطاف الجزائريين، خصوصاً أنه وجّه في الرسالة نداءً إلى سكان منطقة عين صالح، الذين يحتجون منذ ثلاثة أشهر للمطالبة بوقف استكشاف الغاز الصخري في المنطقة، من أجل وقف احتجاجاتهم وعدم الانجرار وراء المعارضة".
وصنّف عدد من المراقبين رسالة بوتفليقة في خانة الخطابات العنيفة، التي كان يتلوها الرؤساء المخلوعون، كالتونسي زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك، واليمني علي عبد الله صالح. ورأى المراقبون أن "كل الاحتمالات مفتوحة في المواجهة بين المعارضة والسلطة".
اقرأ أيضاً: الجزائر تغري أوروبا بأمن الطاقة