وواجه مشروع النظام الداخلي للبرلمان في الجزائر، والذي يتضمن 151 مادة، مقاومة شديدة من قبل النواب، بخاصة في ما يتعلق بتدابير فرض عقوبات مالية، وحسم من المرتبات، على النواب المتغيبين بشكل غير مبرر عن الجلسات.
ووصف بعض النواب مسودة النظام الداخلي بـ"النظام العقابي"، إذ قال النائب حكيم بري عن كتلة جبهة التحرير الوطني، التي تحوز على الغالبية في البرلمان، إن "هذا النظام الداخلي يحط من قيمة النائب البرلماني ويتعامل معه على أنه قاصر. لم يبق في صياغة النظام الداخلي سوى النص على ضرورة إحضار ولي الأمر في حالة التغيب عن الجلسات".
أما النائب عن كتلة حركة مجتمع السلم، منور الشيخ، فاعتبر أن "المشروع يمكن أن يوصف بأنه قانون النائب التلميذ"، بينما رفض النائب عن كتلة جبهة المستقبل محمد بكوش مسودة النظام الداخلي للمجلس، وقال: "لم ينقص إلا إلزام البرلمانيين بدخول الهيئة صفًا واحداً على طريقة المتمدرسين".
وتنص العقوبات المقررة في حق الأعضاء المتغيبين عن الجلسات، في مرحلة أولى، على توجيه إنذار كتابي، والتشهير بالعضو الغائب، والاقتطاع من الأجرة، والحرمان من الترشح للمناصب في الهيئة ومن المهمات البرلمانية إلى الخارج. علمًا أن الدستور الجزائري ينص على تفرغ النائب أو عضو مجلس الأمة كليًا لممارسة عهدته البرلمانية تحت طائلة العقوبات المطبقة في حالة الغياب.
واضطرت إدارة البرلمان إلى اتخاذ هذه التدابير بسبب التغيب المستمر عن الجلسات التي تنقل غالبًا على المباشر في التلفزيون الحكومي، ما أثار نقاشًا شعبيًا وإعلاميًا عن دور النواب ومبررات تغيبهم عن مناقشة قوانين حيوية وذات صلة بالحياة اليومية للمواطن، كما حدث أخيرًا خلال مناقشة قانون الصحة، وتتهم منظمات مدنية تتابع عمل البرلمان النواب بالتخلي عن عهدتهم البرلمانية، و"خيانة" أصوات الناخبين.
ورفض النائب محمد قيجي، عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، التدابير العقابية في حق النواب، وقال: "مسألة الغياب عن الجلسات مسألة أخلاقية بالأساس ولا يمكن أن تعالج بالردع". أما النائب محمد بابا علي، الذي يمثل منطقة الجنوب، فقال: "لا يمكنني الحضور من مسافة تزيد عن الألفي كيلومتر لحضور جلسة برلمانية، فيما يمكنني الاضطلاع بعملي كنائب عبر مهمات أخرى في ولايتي".
وإلى جانب ذلك، هاجم بعض النواب وسائل الإعلام التي تركز على مسألة تغيب النائب عن الجلسات، إذ قال نائب عن التجمع الوطني الديمقراطي إن "بعض الإعلاميين أعداء الدولة بسبب ما ينقلوه من صورة مسيئة للنواب"، على حد وصفه.
ووسط هذا الرفض العام للمسودة، طلب رئيس البرلمان، سعيد بوحجة، من الكتل البرلمانية تقديم مقترحاتها لتعديل النص الحالي. وأقر بوحجة بوجود فساد في إسناد وظائف بطريقة غير قانونية للموظفين في الهيئات الاستشارية للبرلمان، وقال: "أنجزنا تقريرًا وكان كارثيًا".
وطالب عدد من نواب البرلمان، خلال المناقشات، بمراجعة وزيادة المنحة الشهرية التي يتقاضونها (المقدرة بما يعادل 1800 دولار أميركي)، والحق في الحصول مجددًا على جواز سفر دبلوماسي، مثلما كان معمولًا به في وقت سابق، كما اشتكوا من قلة احترام أعضاء في الحكومة لهم.
وأمس الأحد، قرر رئيس مجلس الأمة -الغرفة العليا للبرلمان- عبد القادر بن صالح، مباشرة إجراءات عقابية في حق الأعضاء المتغيبين بداية من مطلع الأسبوع الجاري بمناسبة مناقشة قانون الصحة الجديد، وتنفيذ التدابير المتضمنة في النظام الداخلي للغرفة العليا للبرلمان نفسها، والتي تنص على توجيه إنذار كتابي والتشهير بالعضو الغائب، والاقتطاع من الأجرة والحرمان من الترشح للمناصب في الهيئة ومن المهمات البرلمانية إلى الخارج.