ويستعد الناشطون في الحراك الشعبي لتسيير مظاهرات الجمعة الـ18، واستكمال مسار المطالب السياسية المتعلقة برحيل بقايا ورموز نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي ورئيس البرلمان معاذ بوشارب، وبدء مرحلة انتقالية وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات تشرف على الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وبرغم أن الحراك الشعبي قطع حتى الآن أربعة أشهر، من المسيرات والمظاهرات الشعبية والطلابية التي نجحت في تحقيق سلسلة مكاسب، أبرزها منع التجديد لبوتفليقة لولاية رئاسية خامسة ودفعه إلى الاستقالة في الثاني من إبريل/ نيسان الماضي، قبل نهاية ولايته الرابعة في 28 من الشهر نفسه، والإطاحة بحكومة أحمد أويحيى وملاحقة كبار رجال الأعمال ورؤساء الحكومات و18 وزيرا في الحكومات السابقة وعدد من المسؤولين، فإن المطالب السياسية المتصلة ببدء انتقال ديمقراطي سلس ما زالت عالقة بسبب تمسك الحراك الشعبي والمعارضة بمقترح مرحلة ورئاسة انتقالية، في مقابل رفع الجيش لفيتو أحمر ضد هذا المقترح.
وإضافة إلى الانسداد السياسي وغياب أفق للتوافق على حل يهدئ الشارع ويفتح ثغرة في جدار الأزمة، تسود حالة من القلق في الأوساط السياسية والشعبية في الجزائر إزاء ردود الفعل المتوقعة شعبيا من المتظاهرين، ومخاوف من حدوث انزلاقات وصدام بين قوات الأمن والمتظاهرين، خاصة في منطقة القبائل.
يأتي ذلك عقب إعلان قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الأربعاء، عن قرار يقضي بمنع رفع الرايات، و"إصدار تعليمات صارمة لقوات الأمن من أجل التطبيق الصارم والدقيق للقوانين والتصدي لكل من يحاول المساس بمشاعر الجزائريين في هذا المجال الحساس"، ووصفه رفع رايات أخرى غير الراية الوطنية في المظاهرات بأنها "قضية حساسة، ومحاولة اختراق للمسيرات والحراك الشعبي من قبل أقلية قليلة جدا"، مشيرا إلى أن "للجزائر علما واحدا، وراية واحدة هي الراية الوطنية الوحيدة".
"اعتداء صارخ" على الدولة
وحمّل الناشط السياسي المعارض والكاتب المتخصص في التاريخ الثقافي الأمازيغي الدكتور محمد أرزقي فراد قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح مسؤولية اتخاذ قرار غير مناسب وغير موفق في ظرف سياسي حرج وحساس.
وقال فراد لـ"العربي الجديد"، إن "توجيه أوامر إلى قوات الأمن لمنع رفع الراية الأمازيغية في المسيرات، اعتداء صارخ على الدولة الجزائرية، وتجاوز لصلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة".
وأشار إلى أنه "من المؤكد أن هذا القرار سيحدث شرخا في جدار الحراك الشعبي الذي احتضن التنوع الثقافي الجزائري، والمستفيد من الشرخ المتوقع هو النظام الحالي"، مضيفا أن "القرار يخص منع الراية الأمازيغية، وهي راية ثقافية خاصة بالأمازيغ، ترفع في كل أقطار شمال أفريقيا، وليست بديلا عن الأعلام الوطنية القطرية في الدول المغاربية".
ويصر ناشطون في الحراك الشعبي وسكان منطقة القبائل، شرقي الجزائر، ذات الغالبية من الأمازيغ، على تحدي قرار الجيش ورفع الرايات الأمازيغية جنبا إلى جنب مع العلم الوطني الموحد، مؤكدين أن الراية الأمازيغية لا علاقة لها براية أخرى ترفعها مجموعة من الناشطين المحسوبين على حركة متشددة تطالب بانفصال منقطة القبائل وتقيم حكومة منفى في باريس بقيادة الناشط المعارض فرحات مهني.
ووصف المحلل والكاتب السياسي أحسن خلاص تصريحات قائد الجيش وقراره بمنع الرايات "بالقرار الخطير الذي يستدعي الكثير من اليقظة لتفويت الفرصة على من يريدون تحويل الحراك عن مقاصده المركزية.
وأضاف خلاص أن "التدخلات السياسية الأخيرة لقايد صالح توحي بأن الجيش يتجه تدريجيا إلى غلق اللعبة وإثارة الانسداد. أعتقد أن الجيش لا يريد انتخابات في الحقيقة ولا يريد حلولا سياسية. يريد الانسداد"، مضيفا أن "الجيش يمتلك أجندة سياسية قد تمتد إلى عام على الأقل".
وفي سياق هذه التطورات والمخاوف، اقترح ناشطون في الحراك الشعبي التخلي غدا عن كل الرايات ورفع العلم الوطني وحده، لما يعتقده الناشط والإعلامي مروان الوناس تفويتا للفرصة على من يحاولون اختلاق حالة مشحونة وتوتر وتقسيم للحراك وتحويله عن أهدافه المركزية، والحفاظ على السلمية كنقطة قوة للحراك الشعبي منذ بدايته في 22 فبراير/ شباط الماضي.
لكن السلطة السياسية، ممثلة في رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، لا تبدو منشغلة كثيرا بهذه التطورات وبالمطالب السياسية بفعل دعم قوي يسنده الجيش الذي يرفض التخلي عما يصفها بالمؤسسات الدستورية.
وعقد رئيس الدولة بن صالح ورئيس الحكومة بدوي اجتماعا، قال بيان للرئاسة الجزائرية إنه خصص لمناقشة "التدابير اللازم اتخاذها بشأن تنظيم الحوار السياسي، والظروف والآليات التي من شأنها أن تحيط بإعادة بعث المسار الانتخابي"، كما "قدم رئيس الدولة تعليمات للوزير الأول والحكومة، من أجل المتابعة اليومية لكل ما يهم حياة المواطن، فضلا عن ضمان السير الحسن لامتحانات شهادة البكالوريا والامتحانات الجامعية".
ويعطي بيان الرئاسة الانطباع بأنه بصدد تقديم وصياغة مقرح آلية حوار سياسي دعا إليه بن صالح في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري، لكنه لم يلق أي رد إيجابي من قبل القوى السياسية والمدنية التي تتمسك برفض الحوار مع ما تعتبره بقايا نظام بوتفليقة، وتستعد في المقابل لعقد مؤتمر حوار وطني منفصل عن السلطة يعقد في 29 يونيو الجاري تشارك فيه القوى والأحزاب والشخصيات المستقلة، ممن لم يكن لها التزام سياسي بدعم الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 إبريل الماضي قبل إلغائها.