02 أكتوبر 2024
الجزائر من الثورة إلى الدستور الممنوح
كما كان متوقعاً، صادق البرلمان الجزائري، بغرفيته وبالأغلبية الساحقة، على التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كما تقول الرواية الرسمية الجزائرية. واعتبر رئيس الحكومة، عبد المالك سلال، التصويت "لحظة تاريخية"، استجاب فيها أعضاء البرلمان، بغرفتيه، لـ"نداء الضمير والتاريخ".
لكن، هناك تفصيلان مهمان، جاءا ليشوشا على هذه "اللحظة التاريخية". الأول أن المعارضة الرسمية، الممثلة داخل البرلمان، قاطعت التصويت على الدستور، من دون الحديث عن موقف المعارضات الأخرى التي يعترف بها النظام، وتلك التي لا تعترف أصلا بالنظام. و"التفصيل الثاني" هو غياب الشعب الذي لم يُستدعَ للاستفتاء على الدستور، كما هو معمول به في الديمقراطيات العريقة، وخصوصاً أن الأمر لا يتعلق بتعديلٍ طفيفٍ، كان يمكن تمريره أمام البرلمان، كما يخول ذلك الدستور نفسه لرئيس الجمهورية، وإنما يتعلق بتعديلاتٍ جوهرية ستحدد مستقبل الجزائر.
وبالفعل، التعديلات التي تمت المصادقة عليها تهم تحديد ولاية رئيس الجمهورية في ولايتين، واعتبار الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، ومنع تولي المناصب العليا داخل الدولة على مزدوجي الجنسية من الجزائريين. والتعديل الأول تحصيل حاصل، لأن ولاية الرئيس كانت محددة في دستور 1996، فقد كان يحصر الولاية الرئاسية في ولايتين، مدة كل منهما خمس سنوات، قبل أن يلغي بوتفليقة نفسه المادة الخاصة بتحديد الولايات باثنتين في التعديل ما قبل الجديد الذي أقر عام 2008، ما مكّنه من الترشح إلى ولاية ثالثة عام 2009. لكن، مع بدء أحداث الربيع العربي في 2011، وعد بوتفليقة بتعديل الدستور "لتعزيز الديمقراطية"، لكنه ترشح لولاية رابعة عام 2014، على الرغم من مرضه المزمن الذي أقعده في كرسيّه، وأسكته عن الكلام، فلم يتوجه إلى الشعب بخطاب منذ نحو أربع سنوات. لذلك، فتعديل المادة التي تحد من ترشح الرئيس أكثر من ولايتين مجرد عود على بدء، كما يقال في "الرطانة" العربية.
كما أن التعديل الثاني الذي اعتبر مهمّاً، ويتعلق بترسيم اللغة الأمازيغية ورفعها إلى درجة "اللغة الرسمية" للبلاد، لم يحمل هو الآخر أي جديد، لأن الدستور الجزائري سبق أن اعترف بالأمازيغية لغة وطنية منذ عام 2002، ونص على أن "تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل
تنوعاتها اللسانية عبر التراب الوطني"، لكن شيئاً من هذا لم يحصل. لذلك، جاء التعديل الذي يجعل من الأمازيغية لغة رسمية، لتهدئة غضب أمازيغ الجزائر، بعد أن ظهرت، في صفوفهم، حركة استقلالية تدعو إلى استقلال منطقة القبائل الأمازيغية عن الجزائر. فإذا كانت اللغة العربية نفسها التي تعتبر اللغة الرسمية للبلاد، منذ الاستقلال قبل أكثر من نصف قرن، ما زالت تعتبر لغة ثانية بعد الفرنسية، في الإدارة وقطاع مهم من الاقتصاد الجزائري، فكيف يمكن أن يصدّق الجزائري الأمازيغي أن تصبح لغته رسمية بمجرد قرار سياسي، صوّت عليه برلمان سبق للمعارضة الرسمية نفسها أن طعنت في الانتخابات التي انبثق منها.
أما التعديل الثالث الذي استحوذ على اهتمام المتتبعين للشأن الجزائري، فيتعلق بمنع تقلّد المسؤوليات العليا على مزدوجي الجنسية، وهو يأتي في سياق الصراعات الخفية داخل مربع السلطة في إطار حرب الإقصاء التي يحاول كل طرفٍ أن يمارسها ضد خصمه.
أي قراءة موضوعية للتعديلات الجديدة على الدستور الجزائري يجب أن تُربط بما يجري في الجزائر من تحولات وتغييرات كبرى على رأس الجيش والاستخبارات الجزائرية، في إطار الاستعداد لفترة ما بعد بوتفليقة، فالغرض الأول من هذه التعديلات هو تعبيد الطريق لمن سيخلف بوتفليقة الذي يُعتقد أنه لم يعد المتحكم في ما يجري في بلاده. والغرض الثاني محاولة تلميع صورة البلاد الخارجية، لتوجيهها للاستهلاك الخارجي، خصوصاً بعد ما أصابها من "خدوش"، بعد مرض بوتفليقة، وترشحه لولاية رابعة، وهو مُقعد على كرسي متحرك.
لكن السؤال المهم هو إلى أي حدٍّ ستنجح هذه العمليات الجراحية القسرية التي تأتي في ربع الساعة الأخيرة من حكم بوتفليقة في ترميم ما أفسده الزمن وإصلاحه، وإخفاء التشوّهات التي عمّقتها الصراعات القوية بين أجنحة السلطة، والتي خرجت أول مرة إلى العلن؟
الغائب الأكبر حتى الآن عن كل هذه التحولات التي تعيشها بلاد المليون ونصف المليون شهيد هو الشعب الجزائري. وإذا ما نجح النظام، في العقود الخمسة الماضية، في شراء صمته بفضل عائدات النفط والغاز، فإن تراجع مداخيل الجزائر من أهم مواردها الطبيعية سيجعل الشعب الذي قاد أعظم ثورة تحررية في القرن الماضي ينتبه إلى هذه القفزة التي يحاول النظام أن يخطوها به، من الثورة إلى عهد الدساتير الممنوحة.
ستكون الكلمة الأخيرة للشعب الجزائري، عندما يقرّر أن يستعيد أخذ قرار المبادرة بيده، كما فعل قبل أكثر من نصف قرن ونيّف.
لكن، هناك تفصيلان مهمان، جاءا ليشوشا على هذه "اللحظة التاريخية". الأول أن المعارضة الرسمية، الممثلة داخل البرلمان، قاطعت التصويت على الدستور، من دون الحديث عن موقف المعارضات الأخرى التي يعترف بها النظام، وتلك التي لا تعترف أصلا بالنظام. و"التفصيل الثاني" هو غياب الشعب الذي لم يُستدعَ للاستفتاء على الدستور، كما هو معمول به في الديمقراطيات العريقة، وخصوصاً أن الأمر لا يتعلق بتعديلٍ طفيفٍ، كان يمكن تمريره أمام البرلمان، كما يخول ذلك الدستور نفسه لرئيس الجمهورية، وإنما يتعلق بتعديلاتٍ جوهرية ستحدد مستقبل الجزائر.
وبالفعل، التعديلات التي تمت المصادقة عليها تهم تحديد ولاية رئيس الجمهورية في ولايتين، واعتبار الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، ومنع تولي المناصب العليا داخل الدولة على مزدوجي الجنسية من الجزائريين. والتعديل الأول تحصيل حاصل، لأن ولاية الرئيس كانت محددة في دستور 1996، فقد كان يحصر الولاية الرئاسية في ولايتين، مدة كل منهما خمس سنوات، قبل أن يلغي بوتفليقة نفسه المادة الخاصة بتحديد الولايات باثنتين في التعديل ما قبل الجديد الذي أقر عام 2008، ما مكّنه من الترشح إلى ولاية ثالثة عام 2009. لكن، مع بدء أحداث الربيع العربي في 2011، وعد بوتفليقة بتعديل الدستور "لتعزيز الديمقراطية"، لكنه ترشح لولاية رابعة عام 2014، على الرغم من مرضه المزمن الذي أقعده في كرسيّه، وأسكته عن الكلام، فلم يتوجه إلى الشعب بخطاب منذ نحو أربع سنوات. لذلك، فتعديل المادة التي تحد من ترشح الرئيس أكثر من ولايتين مجرد عود على بدء، كما يقال في "الرطانة" العربية.
كما أن التعديل الثاني الذي اعتبر مهمّاً، ويتعلق بترسيم اللغة الأمازيغية ورفعها إلى درجة "اللغة الرسمية" للبلاد، لم يحمل هو الآخر أي جديد، لأن الدستور الجزائري سبق أن اعترف بالأمازيغية لغة وطنية منذ عام 2002، ونص على أن "تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل
أما التعديل الثالث الذي استحوذ على اهتمام المتتبعين للشأن الجزائري، فيتعلق بمنع تقلّد المسؤوليات العليا على مزدوجي الجنسية، وهو يأتي في سياق الصراعات الخفية داخل مربع السلطة في إطار حرب الإقصاء التي يحاول كل طرفٍ أن يمارسها ضد خصمه.
أي قراءة موضوعية للتعديلات الجديدة على الدستور الجزائري يجب أن تُربط بما يجري في الجزائر من تحولات وتغييرات كبرى على رأس الجيش والاستخبارات الجزائرية، في إطار الاستعداد لفترة ما بعد بوتفليقة، فالغرض الأول من هذه التعديلات هو تعبيد الطريق لمن سيخلف بوتفليقة الذي يُعتقد أنه لم يعد المتحكم في ما يجري في بلاده. والغرض الثاني محاولة تلميع صورة البلاد الخارجية، لتوجيهها للاستهلاك الخارجي، خصوصاً بعد ما أصابها من "خدوش"، بعد مرض بوتفليقة، وترشحه لولاية رابعة، وهو مُقعد على كرسي متحرك.
لكن السؤال المهم هو إلى أي حدٍّ ستنجح هذه العمليات الجراحية القسرية التي تأتي في ربع الساعة الأخيرة من حكم بوتفليقة في ترميم ما أفسده الزمن وإصلاحه، وإخفاء التشوّهات التي عمّقتها الصراعات القوية بين أجنحة السلطة، والتي خرجت أول مرة إلى العلن؟
الغائب الأكبر حتى الآن عن كل هذه التحولات التي تعيشها بلاد المليون ونصف المليون شهيد هو الشعب الجزائري. وإذا ما نجح النظام، في العقود الخمسة الماضية، في شراء صمته بفضل عائدات النفط والغاز، فإن تراجع مداخيل الجزائر من أهم مواردها الطبيعية سيجعل الشعب الذي قاد أعظم ثورة تحررية في القرن الماضي ينتبه إلى هذه القفزة التي يحاول النظام أن يخطوها به، من الثورة إلى عهد الدساتير الممنوحة.
ستكون الكلمة الأخيرة للشعب الجزائري، عندما يقرّر أن يستعيد أخذ قرار المبادرة بيده، كما فعل قبل أكثر من نصف قرن ونيّف.