وكانت البداية من وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، الذي هاجم الجزائر، واتّهم حرس حدودها بإطلاق النّار على رعايا مغاربة كانوا داخل بلاده. غير أنّ الجزائر سرعان ما ردت، مقدمة روايتها لما حدث، ومؤكّدة أنّ "دورية حرس حدودها، التي استُهدفت في ذلك اليوم بالحجارة من طرف مجموعة من المهربين المغربيين، ردّت بطريقة مهنية، كالعادة، وأطلقت رصاصتين في الهواء، لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تتسببا في جرح أي شخص من الأشخاص المشاركين في هذا الفعل الاستفزازي".
الجزائر، التي لم تتأخر هذه المرة في الرد على الاتهامات المغربية، اعتبرت أيضاً أنّ "المناورة والتصعيد في خطاب السلطات المغربية لأغراض غير معلنة يدلّان على سلوك غير مسؤول يتنافى وقيم الأخوة وحسن الجوار التي تربط الشعبين، وهذا النزوع المغربي لتعكير صفو العلاقات الثنائية لا يخدم، لا مصالحه ولا مصالح شعوب المنطقة".
وأكّدت في بيان، أنّ "الجزائر التي تتأسف لميل بعض القادة المغربيين لتشويه الحقيقة، ترفض مرة أخرى اللجوء إلى هذه الطرق الاستفزازية، في الوقت الذي يتطلب فيه السياق الدولي والإقليمي علاقات هادئة وبنّاءة والتريث في الأعمال والأقوال".
وبعيداً عن حادث إطلاق النار على الحدود بين البلدين، تعد تصريحات وزير الخارجية المغربي الرابعة من نوعها في ظرف شهرين والتي تتسبب في أزمة سياسية بين الجزائر والمغرب. ففي يوليو/تموز الماضي اتّهم مزوار الجزائر باستخدام عائداتها من النفط للضغط على الدول الأفريقية لإبقاء اعترافها بجبهة "البوليساريو". لكنّ الخارجية الجزائرية ردّت حينها على هذه التصريحات ووصفتها "بالمشينة وغير المسؤولة".
كذلك، اتّهم المغرب الجزائر في نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، بطرد عائلات سورية، ووضعها على حدوده. وبرزت بعد ذلك أزمة "صامتة" عقب نشر المغرب منظومة صواريخ قبالة الجزائر، بحجة مواجهة أي هجوم بالطائرات من قبل "تنظيمات إرهابية".
لكنّ اللافت أنّ الأزمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب، لا تحتاج في العادة إلى مسببات ظرفيّة أو مرحليّة، فمنذ عام 1975، تتسبب قضية الصحراء الغربية في أزمات سياسية مستمرة بين البلدين، بسبب اتهام المغرب للجزائر بدعم واحتضان جبهة "البوليساريو"، التي تُطالب باستقلال منطقة الصحراء الغربية عن المغرب.
ودفعت هذه الأزمات الجزائر إلى إغلاق حدودها البرّية مع المغرب منذ عام 1995، كما لم تنجح كل محاولات التقارب السياسي بين البلدين، على الرغم من ظهور بعض الرغبة السياسية التي بدت خلال السنوات الأخيرة. وعلى الرغم أيضاً من تفاهمات فبراير/شباط 2013، والتي تضمنت اتفاقاً سياسياً بين البلدين لتطبيع العلاقات، التي تتعلق بالوقف الفوري لحملة التشويه ضد الجزائر، والتعاون في مكافحة المخدرات، بالإضافة إلى احترام وجهة نظر الجزائر في قضية الصحراء الغربية، وصولاً إلى ابقائها خارج الجدل السياسي بين البلدين.
لا شكّ أنّ تفاهمات "فبراير"، عززت قليلاً الأمل حول إمكان حلحلة الخلافات بين البلدين، لكنّ ذلك لم يصمد طويلاً، ففي شهر ديسمبر/كانون الأول 2013، أعلنت الجزائر أنّ "الطّرف المغربي حرق هذه التفاهمات"، متهمةً "إياه بالاستمرار في حملة التشويه التي تقوم بها وسائل إعلامه ضدّ الجزائر، الأمر الذي يهدد السلامة الإقليمية". كما اعتبرت أنّ "تصرفات بعض السياسيين، الذين يشكلون جزءاً من الائتلاف الحكومي غير مسؤولة، فضلاً عن عدم التعاون في مجال مكافحة المخدرات".
واللافت، أنّ الجزائر والمغرب تجاوزا بسرعة كبيرة تاريخهما المشترك في مكافحة الاستعمار، والروابط التاريخية والاجتماعية المشتركة، وباتت الأزمات والاتهامات المتبادلة عنوان العلاقات بينهما.
وتتّهم الجزائر المغرب بالتخلي عنها في عمق معركتها مع "الإرهاب والمجموعات المسلّحة"، بعد فرض الرباط التأشيرة على الرعايا الجزائريين، غداة حادث تفجير فندق "أطلس آسني"، في مراكش.
ولا تبدو الخسارة وحدها وراء الخلاف مع المغرب، إذ إن الأخير يتّهم الجزائر بدوره، بمحاصرته وتطبيق عقاب جماعي على الشعب المغربي بسبب خلافات سياسية.
ويتبين أن الخاسر المشترك، هما الشعبان الجزائري والمغربي، وخصوصاً سكان المناطق الحدودية، التي تعاني من التهميش، ما يدفع سكانها إلى التهريب وخلق فضاء قسري للتبادل التجاري في ظل الحدود المغلقة.
هذا الوضع تسبّب في خسارة اقتصادية للبلدين. كما أضاع فرصة تحقيق تعاون اقتصادي وتبادل تجاري مشترك، بالإضافة إلى إغلاق وجهة سياحية متميزة، وإضاعة تشغيل اليد العاملة على الحدود بين البلدين في مجالات السياحة والنقل والصيد البحري.
وحدها، أوروبا استفادت من هذه الخلافات، إذ تمثل التبادلات التجارية بين الجزائر وأوروبا نحو 25,64 مليار دولار، كما تصدّر القارة العجوز إلى المغرب نسبة 57.6 في المائة من وارداتها سنوياً.