رفضت الجزائر الضغوط الفرنسية لزيادة تعاونها العسكري والأمني مع دول الساحل وغرب أفريقيا إلى مستوى مشاركة ميدانية لقوات الجيش الجزائري في العمليات القتالية، على الأقل في شمال مالي، القريبة من الحدود الجزائرية.
وأعلن مسؤول عسكري جزائري أن القيادة السياسية جددت رفضها لأية مشاركة ميدانية لقوات الجيش الجزائري في عمليات عسكرية خارج الحدود. وقال المسؤول العسكري، لـ"العربي الجديد"، إن مسؤولين عسكريين فرنسيين رافقوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في زيارته إلى الجزائر، الأربعاء الماضي، حاولوا إقناع مسؤولين في الجيش الجزائري بتوفير دعم عسكري ولوجيستي لصالح القوة العسكرية الأفريقية، "مجموعة 5 للساحل"، التي تم تشكيلها قبل أسبوعين خلال القمة الأفريقية الأوروبية التي عقدت في ساحل العاج. وتضم القوة العسكرية مالي وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد، وتعمل بالتنسيق مع القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي (مينوسما).
وأوضح المسؤول أنه "كان ضمن أجندة زيارة ماكرون إلى الجزائر، الأربعاء الماضي، ملف الأمن ومكافحة الإرهاب في الساحل، والجانب الفرنسي أبدى حاجته إلى دعم عسكري جزائري مباشر في منطقة الساحل، وكان يرغب في دفع الجزائر إلى إيجاد طريقة ما للتحايل على الموانع الدستورية التي تعيق تدخل الجيش الجزائري خارج حدود البلاد". ولفت إلى أن قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق قايد أحمد صالح، أبلغ ماكرون "التزام الجيش الجزائري بدعم كل مجهود إقليمي في مكافحة الإرهاب في حدود ما يسمح به الدستور الجزائري، وفي إطار توجيهات القيادة السياسية، والتزام الجزائر التعاون الفني المشترك في مجال مكافحة الإرهاب". ويمنع الدستور الجزائري الجيش من المشاركة في أي عمل عسكري، أو عمليات قتالية، خارج التراب الجزائري، ويشدد على أن دور الجيش يتعلق بحماية الحدود والدفاع عن الأراضي الجزائرية. والخميس الماضي، أكد رئيس الحكومة الجزائرية، أحمد أويحيى، أن الجزائر تبذل جهوداً معتبرة لتأمين منطقة الساحل في إطار العلاقات الثنائية والتعاون العسكري مع البلدان المعنية، وفق عقد تنسيق عسكري وأمني بين الجزائر وبلدان الجوار. وأضاف "مهما كانت جنسية كل واحد منا، إلا أننا بصدد محاربة العدو نفسه الذي دفعت الجزائر في مواجهته ثمناً باهظاً، والجزائر لم تتوقف عن القول إن الأمر يتعلق بإرهاب لا يعترف بالحدود ولا بالجنسيات".
ويشير مراقبون إلى أن الفرنسيين كانوا يأملون في الحصول، على الأقل، على دعم لوجيستي من الجزائر للقوة العسكرية الأفريقية، على غرار توفير الوقود للآليات العسكرية التي تقوم بعمليات ملاحقة للمجموعات الإرهابية في شمال مالي. وسبق للجزائر أن قدمت، رغم الموانع الدستورية التي تمنع أن تكون الجزائر قاعدة انطلاق لأية عمليات عسكرية لقوة أجنبية ضد دولة أجنبية، دعماً للقوات الفرنسية خلال عملية "سرفال" التي نفذتها فرنسا نهاية العام 2012 ضد التنظيمات الإرهابية التي اجتاحت مدن شمال مالي. وكشف وزير الدفاع الفرنسي حينها، جان إيف لودريان، أن الجزائر فتحت مجالها الجوي للطائرات العسكرية الفرنسية التي كانت تقوم بعمليات قتالية في شمال مالي.
ويفسر العقيد المتقاعد من الجيش، رمضان حملات، موقف الجزائر المعارض للانخراط في العمل العسكري في منطقة الساحل بشكل مباشر، برفضها الانسياق لرغبات فرنسية لا تتوقف عند مبتغى مكافحة الإرهاب، لكنها تسعى للحفاظ على مصالحها في المنطقة، حيث تنشط عدة شركات فرنسية في شمال مالي والنيجر للتنقيب عن اليورانيوم والذهب، إضافة إلى ما يعتبره انحراف عدة تجارب إقليمية مشتركة، كما حدث بالنسبة إلى التحالف الدولي في مكافحة تنظيم "داعش" في سورية والتحالف العربي في اليمن. وقبل أسبوع اعتذرت الجزائر عن المشاركة في القوة العسكرية التي شكلتها "مجموعة 5 للساحل" بقيادة فرنسية، لتنفيذ عمليات عسكرية مباشرة ضد المجموعات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل، بسبب المانع الدستوري نفسه، لكنها ساهمت بدلاً من ذلك بتقديم مبلغ 100 مليون دولار لدول الساحل موجهة لمكافحة الإرهاب، في شكل دعم عسكري ولوجيستي، في سياق التزاماتها السياسية مع دول الجوار الأفريقي، خصوصاً مالي والنيجر وتشاد، التي لديها حدود برية مع الجزائر. وقرب هذه الحدود ما زالت مجموعات إرهابية مسلحة تنشط على هذا المحور. فتنظيم "أنصار الإسلام وجامعة المسلمين"، الذي تشكل من تحالف أربعة تنظيمات إرهابية في شمال مالي، بقيادة الزعيم السابق لتنظيم "أنصار الدين"، إياد غالي، و"كتيبة الصحراء" التي تتبع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ومجموعة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، إضافة إلى مجموعات مسلحة صغيرة على صلة بأنشطة التهريب والهجرة السرية والمخدرات، يشكلون تهديداً أمنياً للجزائر، ما دفع قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق قايد أحمد صالح، إلى تكثيف زياراته إلى المنطقة الجنوبية ومناطق الحدود أخيراً، لإبقاء مستوى عالٍ من اليقظة والحذر العسكري والأمني في المنطقة.