خلال الأشهر الماضية، غادر عدد من قيادات حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، على غرار رئيس فرع الحزب في محافظة عدن إنصاف مايو، ورئيس إصلاح حضرموت محسن باصره، إلى المملكة العربية السعودية إضافة إلى عدد من علماء التيار السلفي الذين لا تتماشى توجهاتهم ومواقفهم مع سياسة الإمارات التي تدير الملف الأمني، وذلك خوفاً من أن يطاولهم الاعتقال والملاحقة، بحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد". كذلك غادرت مجموعة من القيادات السلفية الفاعلة إلى السعودية بحجة الدراسة، لكن مصادر تحدثت إلى "العربي الجديد" تفيد بأن السبب الحقيقي لهجرة القيادات الظرف الأمني الذي تشهده العاصمة المؤقتة عدن.
ولا يزال رئيس المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح في حضرموت الأستاذ عوض الدقيل وثلاثة من شيوخ التيار السلفي معتقلين منذ يونيو/ حزيران الماضي، في حين تبدو المطالبات بالإفراج عنهم خجولة حتى اللحظة في ظل واقع تحكمه حالة طوارئ غير معلنة.
من جهته، يبدو حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، المتحالف مع الحوثيين، خارج اللعبة تماماً نظراً لحالة الرفض الشعبي في الجنوب له، إذ هاجر مسؤولوه ومعظم قياداته الفاعلة إلى العاصمة صنعاء التي تخضع لسيطرة الحوثيين.
في محافظة مأرب الشمالية يختلف الوضع قليلاً، إذ ينشط حزب الإصلاح في "المقاومة الشعبية" في حين لا تبدو الأمور مهيأة للعمل السياسي المدني على الأقل في الوقت الراهن.
ويمسك بخيوط المشهد السياسي في جنوب البلاد حالياً المسؤولون الذين يتمتعون بعلاقة جيدة مع الإمارات التي تحضر وبقوة في المحافظات الجنوبية خصوصاً عدن وحضرموت. وتعمل وسائل إعلام وعلماء دين خصوصاً من التيار الصوفي والسلفي المتشدد بين حين وآخر على شن حملات شرسة على الأحزاب و"الحزبية" التي يتهمونها بالتسبب في ما وصل إليه حال اليمن.
في السياق، يقول مدير مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام، باسم الشعيبي، إن دور الأحزاب بات ضعيفاً جداً في المدن المحررة لا سيما عدن بل يكاد يكون معدوماً. ويرى في حديث إلى "العربي الجديد" أن "الأحزاب تعودت على المناكفات السياسية وتقاسم الغنائم فقط، ولم تقدم أي شيء حتى الآن في المناطق المحررة بل إنها أدت دور العائق أمام تطبيع الوضع في عدن"، حسب قوله.
وعن الحراك الجنوبي، يشير الشعيبي إلى أنه "ليس حزباً سياسياً بل ثورة شعبية وهو الآن يحكم ويدير عدداً من المدن المحررة ومنها العاصمة عدن ويتحمل مسؤولية كبيرة في تطبيع الأوضاع بمساعدة التحالف، لكن قلة الإمكانيات هي من تقف عائقا أمام الارتقاء بالأوضاع إلى المستوى المطلوب "، على حد قوله. ويلفت إلى أن الحراك "ينقصه التحول إلى شكل مؤطر ومنظم يمكنه من إدارة الأمور بشكل أفضل".
وبينما يؤكد الشعيبي أن الأوضاع الأمنية أدت دوراً كبيراً في إضعاف نشاط الأحزاب، إلا أنه من وجهة نظره، كان يفترض على الأحزاب التواجد على الأرض من خلال الشرعية أو بصورة منفردة كتكتل اللقاء المشترك (كان يضم أحزاب المعارضة الرئيسية في اليمن) مثلاً لمساعدة السلطات المحلية في المدن المحررة لتجاوز الأوضاع الصعبة، حسب قوله. ويشير إلى أن مستوى أداء الأحزاب الضعيف تسبب في فجوة كبيرة ملأتها العناصر والجماعات المتطرفة التي أصبحت تعبث بالبلاد الآن.
بدوره يرى الصحافي والمحلل السياسي، فؤاد مسعد، أن حالة الجمود الراهنة في المشهد السياسي بالمحافظات الجنوبية لا يمكن فصلها عن بقية المشهد في اليمن بشكل عام، لأن ما تشهده البلاد ينعكس بالضرورة على جميع المحافظات، ومنها الجنوبية.
ويعتبر في حديثه إلى "العربي الجديد" أن ثمة معطيات خاصة في الجنوب اليمني ساهمت في هذا الواقع، منها أن "ارتفاع منسوب السخط الشعبي ضد المنظومة السياسية بما فيها من أحزاب وتيارات نتيجة المعاناة التي عاشها أبناء المناطق الجنوبية جراء ممارسات نظام صالح من جهة، ومن ثم الحرب الأخيرة من جهة ثانية، أدى إلى ضمور الحركة السياسية لدى الأحزاب". ويشير إلى أن الأحزاب نفسها باتت متهمة هي الأخرى بالتقصير والعجز عن مواكبة حراك الشارع الذي صار يرى نفسه المخول باختيار القرار المناسب في ما يتعلق بحاضر البلد ومستقبله. ويؤكد مسعد أن التحديات الأمنية في المحافظات اليمنية عامة والجنوبية خاصة ألقت بظلالها على الحراك السياسي وبالتالي يصبح بحكم المتعذر أن تنشط الأحزاب السياسية في هذه الأوضاع غير الطبيعية.