على الرغم من مآسيها المتراكمة منذ أربع سنوات، وحالة الانقسام التي عصفت بها، وهجرة مئات آلاف من مواطنيها، فإن المجتمع الدولي لم ينتبه إلا أخيراً إلى ليبيا، وذلك بعدما طرق خطر "الإرهاب الداعشي" المتمثل في تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أبواب الدول الغربية.
جاءت رسائل مؤتمر روما يوم الأحد الماضي، مليئة بالحزم لإنهاء الأزمة، في غضون أيام قليلة، بقوله إن "الموضوع لم يعد يحتمل التأخير ولا الصبر". وتضمنت الرسالة الإيطالية الأهم تهديداً واضحاً بالضرب "على أيادي من يراهم الإجماع الدولي الجديد خارج سياقات التسوية الأممية، ومعرقلين للاتفاق".
اقرأ أيضاً: التدخّل العسكري في ليبيا ينتظر حكومة الوفاق... واستنفار مصري
وبدت اتفاقيات روما، الإيطالية الأميركية بالأساس، محدّدة لأجندة واضحة، تبدأ غداً الأربعاء بالتوقيع على الاتفاق الأممي، ثم تشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من عدم الإعلان عن تفاصيلها. على أن تليها بعد ذلك مرحلتان متلازمتان، تتمثل الأولى بطلب غطاء أممي لوضع حدّ لتمدد "داعش"، والثانية ببحث سبل إعادة إعمار ليبيا.
ويحظى هذا الاتفاق الإيطالي الأميركي الأممي الذي بدا واضحاً خلال الندوة الصحافية التي جمعت وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بنظيره الإيطالي باولو جنتيلوني والمبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، بتأييد دولي واسع جرى الإعداد له منذ مدة، ويحظى بموافقة روسية واضحة.
وتشير تقارير متطابقة إلى أن المسؤولين الإيطاليين سعوا منذ مدّة إلى حشد التأييد الدولي لمؤتمرهم، عبر مسارات متعددة، إذ تولى رئيس الوزراء ماتيو رينزي شخصياً إقناع زعماء العالم، وتحديداً رؤساء الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا بضرورة معالجة جذرية للمشكلة الليبية. ولقيت جهوده زخماً إضافياً بعد هجمات باريس الأخيرة.
بدوره، تحرك وزير الخارجية الإيطالي تجاه دول الجوار الليبي، وتحديداً مصر والجزائر، لإقناعهما بضرورة مؤازرة جهود روما، وهو ما تم خلال اجتماع الجزائر منذ أسبوعين. كما قام بزيارة إلى الدوحة، وأجرى اتصالات مع وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو.
وفي مقابل التحركات السياسية الإيطالية، أقدمت مؤسسات اقتصادية إيطالية متخصصة في الطاقة ومعروفة بنفوذها وعلاقاتها في ليبيا، على التحرك نحو عدد من الأطراف الليبية في الداخل والخارج، وأوفدت مبعوثين إلى طرابلس، فيما استقبل مسؤولوها مبعوثين ليبيين في روما.
هذه التحركات كان للفاتيكان حصة فيها أيضاً عبر مؤسسة سا إيجيدو، والأب أنجلو رومانو، تمثلت في التواصل مع قبائل التبو والطوارق، بحيث التقى رومانو ممثلين عنهم نهاية الشهر الماضي في روما.
وأفادت تقارير صحافية ليبية بأن المستشار العسكري لكوبلر الجنرال الإيطالي باولو سيرا، كثف لقاءاته مع فعاليات ليبية في مدينتَي البيضاء ومصراتة لبحث ترتيبات أمنية لما بعد الاتفاق. كما لمَّح قائد الجيش الإيطالي الجنرال كلوديو غراسياني، إلى أنّ خطة بسط الاستقرار في ليبيا باتت جاهزة وتتمثل في مراقبة الهدنة والتصدي لتهريب البشر في المتوسط وتأمين الحدود الجنوبية لليبيا وضرب معاقل المتشددين.
بموازاة ذلك، بدأت عملية "التسخين لمواجهة (داعش)" تُعلن من أكثر من عاصمة، خصوصاً في فرنسا التي انتبهت أخيراً إلى هذا الخطر. ودعا رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس منذ أيام إلى "هزيمة وتدمير تنظيم (داعش) في العراق وسورية.. وليبيا".
وقال في مقابلة إذاعية "نحن نعيش مع التهديد الإرهابي. لدينا عدو مشترك هو (داعش). ينبغي أن نهزمه وندمره في العراق وسورية وربما غداً في ليبيا".
وزاد عليه وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان بقوله أمس، إن "(داعش) المتواجد على الساحل الليبي بدأ يتوغل نحو الداخل الليبي ساعياً الى الوصول الى آبار النفط". وأضاف في حديث لإذاعة "أر تي أل" الفرنسية "أنهم (داعش) في سرت، يعملون على توسيع منطقتهم على طول 250 كيلومترا من الساحل، لكنهم بدأوا يتوغلون نحو الداخل ويحاولون الوصول إلى آبار النفط ومخزون النفط".
وفيما يبدو الاتفاق الدولي واضحاً وحازماً يظهر الموقف الليبي متذبذباً، بين مقتنع بأن هذا الطريق هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة، وبين متخوف من أن يطاوله الغضب الدولي، إذا لم يسارع إلى الصخيرات لإمضاء الاتفاق، على الرغم من امتعاضه.
وفي جميع الأحوال، لم يعد أمام الليبيين من خيارات غير السعي في هذا الاتجاه، بعدما استنزفوا كل السبل لإيجاد حلّ ليبي من الداخل، وهو ما نبّه إليه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، حين التقى مع كوبلر قبل يومين من ذهابهم إلى روما، وقال إنّ فشل الحل الليبي الليبي سياسياً يؤدي إلى حلّ دولي بالقوة، وإن الأولوية المطلقة الآن هي تشكيل الحكومة والقبول بالاتفاق برغم نواقصه.
وقد تكون المحاولة التونسية قد خففت من وطأة الغضب الدولي، وسحبت البساط من إعلان تدخل عسكري صريح ومباشر، بعدما أعلن الغالبية في تونس قبولهم بإمضاء اتفاق الصخيرات.
ولكن هذا القبول يترافق مع انتقادات واضحة لأدوار كوبلر السابقة في أكثر من منطقة توتر، خصوصاً في العراق.
وبخصوص المواقف الليبية المتباينة حول الاتفاق الدولي، أكد "مجلس حكماء وأعيان مدينة مصراتة" أن الحوار الليبي الليبي دون فرض إملاءات خارجية هو الطريق لإيجاد حل سياسي للأزمة، وأضاف أن ما تم إنجازه في ملتقيي الوفاق الوطني الليبي الأول والثاني وإعلان مبادئ الاتفاق الوطني الذي وقّع في العاصمة التونسية هي خطوات في الاتجاه الصحيح. وأعلن عن رفضه التوقيع على مسودة الاتفاق المقدم من الأمم المتحدة ما لم يوافق عليها المؤتمر الوطني العام ويعتمده بعد إجراء التعديلات المطلوبة عليها.
في المقابل، أعلن حزب "العدالة والبناء"، أنه ماض مع كل القوى الوطنية في السعي من أجل إيجاد حل ومخرج للأزمة الليبية، ولوضع حد للانقسام السياسي والاجتماعي العميق.
وكان بيان منسوب لمؤسسي غرفة عمليات ثوار ليبيا صدر السبت، قد حذّر قادة الأحزاب السياسية المشاركين في الحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة من التوقيع على أي اتفاق يناب فيه عن رئيس فريق حوار المؤتمر الوطني الحالي عوض عبد الصادق.
في المقابل، أعلنت مجموعة الـ92 عن برلمان طبرق أنها في طريقها إلى الصخيرات المغربية، وأن هناك عدداً مهماً من الشخصيات والأحزاب التي تلتحق بها لإمضاء الاتفاق والانضمام إلى هذا الحل الأمثل لإنقاذ ليبيا.
وتجدر الإشارة إلى أن تونس تستضيف يومي 17 و18 ديسمبر/كانون الأول الجاري اللقاء الثاني لـ"منتدى الخبراء الليبيين للتعاون الإنمائي"، بمشاركة عدة منظمات دولية في مقدمتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، بالإضافة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
اقرأ أيضاً: الاتفاق الليبي في تونس: الخلفيات والاعتراضات الداخلية والنوايا الدولية